علم الامام بین الاطلاقیه والاشائیه علی ضوء الکتاب والسنه

اشارة

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق __ وزارة الثقافة العراقیة لسنة 2012 – 405

الرقم الدولی: 9789933489205

الساعدی، صباح عباس

علم الإمام بین الإطلاقیة والإشائیة علی ضوء الکتاب والسنة / تألیف صباح عباس حسن الساعدی. - کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة والثقافیة 1433ق. = 2012م.

  ص256. - (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة؛ 79).

المصادر: ص 227 - 241؛ وکذلک فی الحاشیة.

1 . الإمام – علم – دراسة وتحقیق. 2 . علم الإمام – من الناحیة القرآنیة. 3 . الأئمة الاثنا عشر – الغیبیات . 4 . الغیبیات (إسلام) – من الناحیة القرآنیة . 5. الشیعة – عقائد . 6. الإمامة – شبهات وردود . 7. العلماء والمجتهدون – الشیعة – نظریة حول علم الإمام – مطالعات تطبیقیة . 8. علم الإمام – أحادیث. ألف. العنوان.

8 ع  2 س / 3408 / 223 BP

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 1

اشارة 

ص: 2 

ص: 3

علم الإمام

بین الاطلاقیة والإشائیة

علی ضوء الکتاب والسنة

تألیف: صباح حسن عباس الساعدی

إصدار

 قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

 فی العتبة الحسینیة المقدسة 

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الأولی

1433ه_ - 2012م

العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

البرید الالکترونی:  info@imamhussain-lib.com 

ص: 5

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی هَدَانَا لِهَذَا وَمَا کُنَّا لِنَهْتَدِیَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)

 (الأعراف: 43).

ص: 6 

ص: 7

الإهداء

إلی مَن عرج به من الأرض إلی السماوات العلی محمد المصطفی.

وإلی أمیر المؤمنین علی المرتضی.

وإلی سیدة النساء فاطمة الزهراء.

وإلی سبط النبی الحسن المجتبی.

وإلی شهید کربلاء الحسین المصفی.

وإلی ولد الحسین التسعة الأوصیاء.

مصابیح الدجی، وأعلام الهدی، ومنار التقی، والعروة الوثقی.

وإلی جمیع الشهداء الأتقیاء.

وإلی روح کل من له حق علینا.

أهدی هذا المجهود المتواضع. 

ص: 8 

ص: 9

مقدمة اللجنة العلمیة یأخذ موضوع علم الامام فی حیز الدراسات العقائدیة الإسلامیة مجالاً واسعاً تتجاذب فیه أطراف البحوث، وتعتمل الآراء بجذوتها التحقیقیة دون أن تصل إلی قناعات من شأنها تُنهی حالات البحث وتوقف الجمیع علی رای یتناسب وسیاقات منصب الإمام وخصوصیاته، وتبقی المشکلة البحثیة عائمة بین التجاذبات السیاسیة وبین دواعی البحث العلمی ومن ثم تلغی أحدهما الآخر.. وتبرز حاجة البحث عن الإمام فی أحد استحقاقات الإمامة التی تفرض نفسها علی مدعیها، فی حین تُسجل حالات البحث خروقات علمیة تسببها دواع سیاسیة تقدّم الحاکم السیاسی علی انه الإمام المفروضة طاعته، الا أن هذه الدعوی تصطدم بمعطیات بحوث الإمامة خصوصاً علم الإمام، فی حین نجد هؤلاء المدعین یشکلّون عائقاً فی تقدم مثل هذه البحوث، کما تشکل هذه البحوث عائقاً فی التام للحاکم السیاسی «الإمام» حسبما تفرضه التنظیرات السلطویة التی تأخذ بخانق البحث العلمی السلیم لتصادره «لمصالحها» التنظیریة، وتبقی مسائل علوم الکلام غیر ذات جدوی حسب المفهوم السیاسی المفترض، فی حین تأخذ مسألة علم الطلام عاقبتها فی البحث الکلامی الإمامی، الذی حرص بشکل کبیر علی البراز هذا اللون البحثی الذی یستبطن معه تنظیرات سیاسیة تطیح بأکثر مدعیات

ص: 10

السلطة، و تبرز معها أهمیة التعاطی مع الإمام الذی یمتلک زخماً الهیا من العلم الذی یمیزه عن غیره، وتتنافی هذه البحوث یوماً یعد آخر حینما یشعر الباحث أن هذا العنوان العقائدی لم یأخذ مساحته الکاملة من البحثو الکلامیة ویبقی متأرجحاً بین دواعی البحث العلمی الرصین وبین التوجهات السیاسیة المقیتة، والبحث الذی بین أیدینا یقدم لنا صورة واضحة لأهمیة هذه البحوث حیث فرّق بین العلم المطلق الحضوری، الذی من خلاله یعلم الإمام بحضور العلم لدیه، وبین العلم الذی متی ما احتاجه الامام حضر عنده، وأطلق علی الثانی بالعلم الاشائی أی متی ما شاء العلم شاء، وبین العلم المطلق الذی یکون حاضراً عند الإمام فیطلقه عند إرادته وحاجته إلیه، وقد بذل الباحث جهداً مبارکاً فی بحوثه هذه لیوقف القارئ علی أکثر الآراء التی تقدّم رؤیتها فی هذا الشأن، لذا یُعد البحث من البحوث التی یتطلع إلیها الباحثون للوقوف علی الآراء المختلفة والمتققة فی هذا المضمار، نسأل الله تعالی أن یوفق الباحث إلی بحوث أکثر تشارک فی رقد العملیة البحثیة وبعطاء انها الدائمة.

عن اللجنة العلمیة

السید محمد علی الحلو

النجف الأشرف

ص: 11

خلاصة البحث

تناولنا - فی هذه الدراسة - موضوعاً من الموضوعات المهمة، والتی ترتبط ارتباطاً وثیقاً بکثیر من المسائل الحساسة والدقیقة، فقد تکلمنا فیها عن کیفیة علم الإمام علیه السلام، من جهة أنه مطلق، وغیر مقید بالمشیئة، بمعنی أنه هل هو حاضر وفعلی، أو أنه مقید ومتوقف علی المشیئة، أی: أن الإمام علیه السلام یحتاج فی علمه بالأشیاء إلی إرادته ومشیئته العلم بها؟

والموضوع الذی نتکلم علیه فی هذا البحث لم ینقح فی الکتب التی تکلمت علی الإمامة، وعلی علم الإمام بالخصوص - بل فی کل ما تناول هذا الموضوع من کتب - تنقیحاً واضحاً؛ بحیث إن مَن یراجع فیما کُتِبَ من کتب عقائدیة وغیرها، لم یخرج بحصیلة واضحة، لذا رکَّزنا فی هذا البحث علی نقاط ورکائز أساسیة، أسهمت فی توضیح هذا الموضوع وتنقیحه؛ أعانت القارئ الکریم علی خروجه بحصیلة نافعة وتامة المعالم حول هذا الموضوع، وکان المتکفِّل لهذه النقاط هو الفصل الأول.

ومن بعد ذلک سلطنا الأضواء - القرآنیة والروائیة - علی النظریتین اللتین ذکرناهما فی العنوان، بعد أن ذکرنا عِبَر العلماء القائلین بکل منهما، ملحقین بذلک

ص: 12

الثمرات المترتبة علی الخلاف، والأقوال الشاذة فی علم الإمام علیه السلام، فکان مجموع ذلک فی الفصلین الثانی والثالث.

ومن ذلک المنطلق عالجنا التنافی الموجود بین لسان أدلة کلا النظریتین، بمحاولات توفِّق لنا بینها، وأیضاً أجبنا عن کل شبهة من الشبهات المذکورة والمتصورة علی علم الإمام علیه السلام، فی الفصل الرابع والأخیر.

وأخیراً عقدنا خاتمة نستذکر بها - مع القارئ الکریم - ما توصلنا إلیه من نتائج فی بحثنا. 

ص: 13

المقدمة

اشارة

المقدمة الحمد لله رب العالمین، وأفضل الصلاة وأتم التسلیم، علی حبیبه وخیر خلقه، المبعوث رحمة للعالمین، المُسمَّی فی السماء أحمد، وفی الأرض أبو القاسم المصطفی محمد صلی الله علیه وآله وسلم، وعلی آله وعترته الطیبین الطاهرین المیامین.

الحمد لله الذی هدانا لهذا وما کنا لنهتدی لولا أن هدانا الله.

أما بعد، فلا بد من الإشارة فی هذه المقدمة إلی بعض النقاط المهمة:

النقطة الأُولی: بیان المسالة محل البحث

إن مسألة علم الإمام من المسائل المهمة والحساسة فی الساحة العلمیة، خصوصاً وأنها ترتبط بما هو فیصل أساس - ومائز واضح - بین المذهب الإمامی وسائر المذاهب الأُخر، وهی مفردة الإمامة، فمن أهم البحوث المرتبطة بهذه المسألة هو علم الأئمة علیهم السلام، ومقداره وکیفیته؛ فإن معرفة الإمام علیه السلام لا تکون إلا من خلال معرفة المواصفات المرسومة له من قِبَل الله عز وجل، وقد وجدت فی هذا الموضوع نظریتین أساسیتین، اختار کلاً منهما جمع من علمائنا الأعلام، وهاتان النظریتان هما: النظریة الإطلاقیة، والتی تعنی أن علمهم علیهم السلام حاضر من دون تقییده وتعلقه علی المشیئة، والنظریة الإشائیة القائلة: بأن علمهم علیهم السلام شائی متوقف علی أن یشاء الإمام علیه السلام العلم بالشیء؛ ومن هنا سلَّطنا الأضواء فی هذا البحث

ص: 14

علی کیفیة علمهم علیهم السلام، من حیث إنه حاضر أم أنه مقید ومتوقف علی المشیئة؟

والسؤال الرئیس الذی یصح طرحه فی المقام هو: علی أی نظریة من هاتین النظریتین تدل الآیات والروایات؟

وأما بالنسبة لما یتفرع علی هذا السؤال من أسئلة فرعیة، فهی کالآتی:

1 - ما هو المراد من المفردات التالیة: (العلم، الإمام، الإطلاقیة، الإشائیة)؟

2 - ما هو الفرق بین علم الإمام وعلم الله عز وجل؟

3 - ما هی الآراء التی ذُکرت حول هذا الموضوع؟

4 - ما هی الأدلة التی ذکرت علی النظریة الإطلاقیة من الکتاب والسنة؟

5 - ما هی الأدلة التی ذکرت علی النظریة الإشائیة من الکتاب والسنة؟

6 - کیف یمکن التوفیق والجمع بین الأدلة الدالة علی النظریة الأُولی، وبین ما دل علی النظریة الثانیة؟

7 - کیف یُجاب عن الشبهات التی أُثیرت علی هذه النظریة؟

النقطة الثانیة: أهمیة البحث وضرورته

یحتل بحثنا هذا أهمیةً فائقةً، ومحلاً أساسیاً فی الساحة العلمیة، خصوصاً وأنه موضوع من الموضوعات العقائدیة، والتی هی محل ابتلاء لجمیع المکلفین.

وبعبارة أُخری: إن أهمیة البحث تکون واضحةً حین نضع نُصب أعیننا الأُمور الآتیة:

1 - إن البحث عن علم الإمام علیه السلام هو بحث عن جانب من جوانب

ص: 15

الإمامة، والتی هی أصل من أصول الدین علی وفق معتقدات الشیعة الإمامیة، مع الإذعان بأن منکرها لا یخرج عن الدین.

2 - إن هذه المسألة من المسائل التی ذهب بعض العلماء إلی أنها واجبة الاعتقاد علی جمیع المکلفین، ولا أقل من القول: بأنها واجبة علی الخواص منهم.

3 - مع غض النظر عن الأُمور المتقدمة، توجد بعض المسائل والأمور العالقة، لا یمکن البتُّ بها إلا بعد التبنی لنظریة فی علم الإمام، کما هو الحال فی الإجابة عن الشبهات التی تثار حول أفعال الأئمة وما صدر منهم.

لذا؛ فقد استحق هذا الموضوع أن یبحث ویُنقح فی دراسة مستقلة.

النقطة الثالثة: أهداف البحث

تکمن خلف بحثنا لهذا الموضوع عدة أهداف مهمة وأساسیة، ومنها:

1- الوقوف علی ما هو الحق من الآراء المذکورة فی المقام.

2 - إتحاف الساحة العلمیة والعقائدیة بمقروءٍ مستقلٍ مختص بهذا الموضوع؛ عسی أن ینفع المؤمنین فی أفکارهم وعقائدهم، حیث إن هذا الموضوع یشوبه من الغموض والضبابیة ما لا یصح السکوت عنه.

3 - إن الکتابة فی موضوع شریف کهذا - وبیان ما هو الحق فیه - یُمثِّل دفاعاً عن الدین، وعن مقام الإمامة بالخصوص، وهذا الأمر ینفع صاحبه، ویعینه یوم لا ینفع مال ولا بنون، إن قصد فیه القربة، فعسی أن یُسجل فی صحیفة أعمالنا الصالحة. 

4 - ترتیب البحث بطریقة فنیة، ومنطقیة، وبکیفیة معاصرة؛ من حیث الاستدلال والترتیب. 

ص: 16

النقطة الرابعة: سابقة البحث

بعد التتبع الکثیر والسعی الحثیث عن هذا الموضوع لم أجد - من علمائنا الأعلام ومحققینا الأجلاء - مَن کتب حول کیفیة علم الإمام علیه السلام فی کتاب مستقل، وإنما اکتفی مَن تطرق لهذا الموضوع بالإشارة الضمنیة له، خلال بحثه عن مسألة علم الإمام، بل لم یکتب عن موضوعنا هذا إلا القلیل المختصر، الأمر الذی أوجد فجوةً فی الساحة العلمیة المرتبطة بهذه المسألة.

وأوضح ما کُتب عن هذا الموضوع، هو ما جاء فی کتب کلٍّ من:

1 - السید عبد الحسین اللاری، فی کتاب أسماه: (المعارف السلمانیة).

2 - العلامة محمد حسین المظفر، فی کتابه (علم الإمام علیه السلام).

3 - المحقق محمد جمیل حمُّود، فی کتابه: (شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها).

علی أن ما ذکر فی هذه الکتب حول موضوعنا کان بحثاً ضمنیاً.

النقطة الخامسة: منهج البحث

اعتمدنا فی بحثنا هذا علی المنهج النقلی الاستقرائی فی تحقیق هذا الموضوع.

النقطة السادسة: الجنبة الجدیدة فی البحث

من أهم ما یصح ذکره فی هذا المقام هو أُمور:

1 - تنقیح المسائل المهمة والعالقة المرتبطة بهذا الموضوع، فکثیر من المباحث الممهِّدة له لم تُشرح وتوضَّح فی کتب مَن تطرق لموضوعنا هذا؛ الأمر الذی جعل بعض المحققین یشتبه علیه حقیقة الأمر، مما أثَّر علی فهمه سلباً فی إعطاء النتیجة النهائیة.

2 - ترتیب البحث ضمن فصول مرتبة ترتیباً منطقیاً علمیاً، بعد أن کان هذا الشیء خافیاً فی کتب مَن بحث حول هذا الموضوع. 

ص: 17

3 - إیجاد کتاب مستقل حول هذا الموضوع، وجمع کل ما ذُکر أو یمکن ذکره حول هذا الموضوع، من آراء، أو أدلة، أو وجوه جمع بین الأقوال، أو شبهات مصادمة لهذا الموضوع.

النقطة السابعة: عقبات أمام البحث

إن أهم ما یستحق ذکره من عقبات هنا هو:

1 - عدم وجود کتابات مستقلة وواسعة سابقة علی بحثنا.

2 - قلة المصادر التی تعیننا فی التحقیق حول موضوع حساس ودقیق کموضوعنا هذا.

3 - لم یتسنَّ لنا الحصول علی بعض الکتب التی ذکر فیها ما یتعلق ببحثنا من مطالب، بل بعضها إلا فی الأقراص الإلکترونیة فقط، بل لم نجد لبعضها غیر الاسم.

النقطة الثامنة: مخطط البحث

تتکون هذه الدراسة من مقدمة، وفصول أربعة، وخاتمة:

تطرقت فی الفصل الأول إلی المبادئ التصوریة للموضوع، من شرح المفردات؛ لکی نتعرف علی ما هو المراد منها، ومن ثم ذکرت الفرق بین علم الله عز وجل وعلم الإمام علیه السلام، لکی تنتفی شبهة سریعة التبادر إلی ذهن مَن یقرأ عن هذا الموضوع؛ الأمر الذی ألجأنا لتقدیم هذا المبحث، مع أن حقه الإرجاء إلی الفصل الأخیر، ومن بعد ذلک ذکرنا السیر التاریخی للمسألة؛ للاطلاع علی جذور المسألة فی الساحة الإسلامیة، ومن ضمن ما ذکرناه فی المقام هو تحریر محل النزاع بین العلماء؛ لنتمکن من التفریق بین المسائل الخارجة عن کلام الأعلام، وفی نهایة هذا الفصل ذکرنا رأی العلماء حول الاعتقاد بهذه المسألة، وما هو الحق والمختار عندنا. 

ص: 18

وأما الفصل الثانی، فقد قمنا فیه بذکر النظریة الإطلاقیة وروادها من العلماء، ومن ثم ذکرنا الأدلة التی أُقیمت - أو یمکن أن تُقام - علی هذه النظریة، من الکتاب والسنة، ومناقشة ما کان قابلاً للمناقشة؛ لنکون قد أخذنا بما هو الصحیح فی هذا الموضوع.

وأما الفصل الثالث، فذکرنا فیه عِدْل النظریة الأُولی - أی: النظریة الإشائیة - ومن ثم ذکرنا روادها والأدلة التی أُقیمت علیها، وقد ناقشنا ما کان قابلا للمناقشة من الأدلة، ثم ذکرنا الثمرات المترتبة علی الخلاف بین النظریتین.

وتتمیما للفائدة ذکرنا - فی نهایة هذا الفصل - بعض الآراء الشاذة، والتی لم یقل بها إلا القلیل من علمائنا.

وفی الفصل الرابع والأخیر، عقدنا مبحثین مهمین جداً، جمعنا فی الأول بین أدلة النظریة الإطلاقیة، وبین أدلة النظریة الإشائیة، وذکرنا فیه عدة محاولات لذلک، وفی الثانی منهما ذکرنا الشبهات التی أثیرت - أو ما یمکن أن یذکر - حول الموضوع، وقمنا بردها والإجابة عنها.

وأما الخاتمة، فقد لخصنا فیها ما توصلنا إلیه من نتائج بعد الخوض فی هذا الموضوع؛ لکی یستطیع القارئ أن یستجمع زبدة ما توصلنا إلیه من خلال ذلک.

وفی ختام کلامی هذا یجدر بی أن أشکر أساتذتی الأعزاء: سماحة العلامة الشیخ معین دقیق العاملی، وسماحة الدکتور السید نذیر الحسنی، والعلامة الشیخ حسان سویدان؛ حیث ساهموا فی إخراج هذا الکتاب إلی نور الوجود.

کما أشکر کل مَن ساعدنی - من إخوانی وأصدقائی - ومدَّ إلیَّ ید العون، بملاحظة أو غیرها.

ولا یفوتنی أن أشکر زوجتی العزیزة، التی أعانتنی وذلَّلت لی الکثیر من المصاعب، فی طوال مسیرتی العلمیة، وعلی الأخص أثناء کتابتی لهذا البحث. 

ص: 19

الفصل الأول: بحوث تمهیدیة

اشارة

* المبحث الأول: فی شرح مفردات العنوان

* المبحث الثانی: الفرق بین علم الإمام علیه السلام وبین علم الله عزَّ وجلَّ

* المبحث الثالث: التطوُّر والسیر التاریخی لهذه المسألة

* المبحث الرابع: حدود العلم المطلق والإشائی الذی نبحث عنه

* المبحث الخامس: اختلاف العلماء فی دائرة وجوب الاعتقاد بهذه المسألة 

ص: 20 

ص: 21

المبحث الأول: فی شرح مفردات العنوان

تمهید

اعتاد العلماء والباحثون فی بحوثهم أن یعرِّفوا الموضوع الذی یبحثونه، قبل الخوض فی الاستدلال علیه إثباتاً أو نفیاً، أو حمل شیء علیه أو نفیه، فیرجعون إلی المصادر اللغویة والکتب التی کُتبت حوله والمختصة به، ویذکرون المعنی اللغوی له أولاً، ثمَّ المراد منه اصطلاحا ثانیاً، والعلاقة الموجودة بین المعنیین إن کانت هناک علاقة فی البین؛ کل ذلک من أجل أن تکون عند القارئ فکرةٌ واضحةٌ حول الموضوع الذی یُراد بحثه وتنقیحه؛ والسبب فی ذلک هو أن القارئ عندما ینفتح علی أمر من الأمور المجهولة لدیه، فإنه یرید أن یتعرَّف علی حقیقته قبل التعرُّف عما یکون صواباً من ناحیة الحکم علیه، فالقارئ - عادةً - همُّه الأول أن یتعرَّف علی حقیقة الشیء أولاً، ومن بعد ذلک یتساءل عن وجوده وعدمه.

وبعبارة أُخری: إن القارئ غایته وهمُّه الرئیس فی معرفة الأشیاء، هو أن یعرف ما یقع جواباً ل_(ما) الشارحة وما یسبقها من مراحل أولاً، ثم ینتقل ذهنه إلی مفاد کان

ص: 22

التامة، ومن ثمَّ عن مفاد کان الناقصة، أو ما یعبِّرون عنه فی المنطق بالهلّیة البسیطة أولاً، وعن الهلّیة المرکبة ثانیاً...(1).

وقد یکون الموضوع المبحوث عنه - والمراد تنقیحه فی بعض الأحیان - لیس له تعریف خاص لمجموع العنوان بما هو مجموع فی الکتب اللغویة والاصطلاحیة، أو یصعب إعطاء تعریف له بما هو مرکب فی نظر المتقدمین من العلماء والمحققین، أو کان التعریف الذی ذُکر له غیر وافٍ بالمعنی فی نظر الباحث، فیضطرُّ لأن یستخدم أسلوباً وطریقةً أُخری لبیان هذا الموضوع وإیضاحه، فیعتمد أسلوب شرح المفردات التی جاءت فی العنوان.

والعنوان الذی نرید البحث حوله فی المقام، هو أحد الموضوعات والعناوین التی لم یُذکر لها تعریف خاص فی الکتب، والتی یضطر الباحث لأن یستخدم أسلوب شرح المفردات التی وردت فی العنوان؛ ومن هنا فقد عقدت مبحثاً خاصاً لأجل شرح مفردات العنوان.

أولاً: العلم لغةً واصطلاحاً

أ - العلم لغةً

إن الذی یرجع إلی کتب اللغة یری أن بعضاً منها لم یتطرَّق لتعریف مفردة (العلم)، کما عرَّفوا باقی المفردات الأُخری، وقد اختلفوا فی السبب الذی دعاهم إلی ذلک، وجعلهم یترکون هذه المفردة من بین المفردات، وقد ذکر بعض أئمة اللغة فی کتابه، أن الآراء مختلفة فی السبب والعلة التی دعتهم إلی ذلک.

قال الزبیدی فی کتابه تاج العروس: «... ووقع خلاف طویل الذیل فی العلم،


1- أُنظُر: المظفر، محمد رضا، المنطق، ص 85.

ص: 23

حتی قال جماعة: إنه لا یُحدُّ؛ لظهوره وکونه من الضروریات. وقیل: لصعوبته وعسره. وقیل: غیر ذلک. مما أورده بما له وعلیه الإمام أبو الحسن الیوسی فی قانون العلوم...»(1).

إلا أن بعضهم حاول أن یُبیِّنه ویعرِّفه من خلال ما یقابله من مصطلح، وهو (الجهل) - من باب أن الأشیاء تعرف بأضدادها أی بما یقابلها - فقال: إن المراد من العلم هو ما یقابل الجهل.

قال صاحب العین: «عَلِمَ یعلم عِلْمَاً، نقیض جَهِلَ...»(2).

وهذا المعنی واضح وبسیط لا یحتاج إلی بیان وتوضیح، غیر أنه غیر مجدٍ لتوضیح هذا المصطلح إن قلنا: إنه یحتاج إلی توضیح وتعریف.

وعرَّفه الراغب فی مفرداته بقوله: «... العلم: إدراک الشیء بحقیقته، وذلک ضربان: إدراک ذات الشیء، والثانی: الحکم علی الشیء بوجود شیء هو موجود له، أو نفی شیء هو منفی عنه، فالأول هو المتعدی إلی مفعول واحد نحو قوله تعالی: ((...لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ یَعْلَمُهُمْ...))(3)، والثانی إلی مفعولین نحو قوله تعالی: ((...فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ...))(4).

[قال:] والعلم من وجه ضربان: نظری وعملی، فالنظری ما إذا عُلم فقد کمل نحو العلم بموجودات العالم، والعملی ما لا یتم إلا بأن یُعمل، کالعلم بالعبادات. ومن وجه آخر ضربان: عقلی، وسمعی...» (5).


1- الزبیدی، محمد مرتضی، تاج العروس، ج 17، ص 495.
2- الفراهیدی، الخلیل بن أحمد، العین، ج2، ص 152.
3- الأنفال: 60.
4- الممتحنة: 10.
5- الراغب، الحسین، مفردات غریب القرآن، ص 580.

ص: 24

ب - العلم اصطلاحاً

أما العلم فی الفنون المختلفه، فلم نجد له مصطلحا خاصا عند أئمة الفنون والعلوم، وقد ذکر بعض الفلاسفة الکبار أنه من الأمور الضروریة والواضحة، والتی لا تحتاج إلی بیان وتوضیح، فقال: «حصول العلم لنا ضروری، وکذلک مفهومه عندنا، وإنما نرید فی هذا الفصل معرفة ما هو أظهر خواصه؛ لنمیِّز بها مصادیقه وخصوصیاتها...»(1).

وقال أیضاً فی نهایته: «وجود العلم ضروری عندنا بالوجدان، وکذلک مفهومه بدیهی لنا، وإنما نرید بالبحث فی هذا الفصل الحصول علی أخص خواصه...»(2).

وبعبارة أوضح: إن العلم لا یحتاج إلی بیان وإیضاح، بل قد یصعب أن یُعرِّف أحد العلم؛ لأن وجوده أمر وجدانی، ومفهومه بدیهی عند الناس، فلو أُطلق هذا اللفظ أو معادله من لغة أخری، فی أی مکان وزمان، لفهمه السامع من دون أن یُشرَح ویُوضَّح.

وکیف ما کان، فالمهم فی المقام هو بیان الأقسام التی ینقسم إلیها، وما هو المراد منه فی بحثنا.

أقسام العلم

العلم الحضوری: «... هو حضور المعلوم بوجوده الخارجی عند العالم»(3).

العلم الحصولی: هو حضور الأشیاء بماهیاتها لا بوجوداتها(4).


1- الطباطبائی، محمد حسین، بدایة الحکمة، ص 173.
2- الطباطبائی، محمد حسین، نهایة الحکمة، ص 293.
3- المصدر السابق، ص 158.
4- أُنظُر: المصدر نفسه، ص 293. قال رحمه الله: «إن لنا علماً بالأشیاء الخارجة عنا فی الجملة، بمعنی أنها تحضر عندنا بماهیاتها بعینها، لا بوجوداتها الخارجیة التی تترتب علیها آثارها الخارجیة، فهذا قسم من العلم، ویُسمی علماً حصولیاً».

ص: 25

وقد ذُکِر فی محلِّه(1) أن هذه القسمة عقلیة ولیست استقرائیة، فالعلم الحضوری یقابله العلم الحصولی فقط، ولا یتصوَّر وجود قسم ثالث غیرهما.

إلا أن الملاحظ فی کلام بعض المحققیق، والذین کتبوا حول مسألة علم الإمام علیه السلام، هو أنهم جعلوا العلم الحضوری فی قِبال العلم الإشائی، لا فی قِبال العلم الحصولی(2).

قال العلاَّمة المظفر قدس سره: «إن المراد من العلم الحضوری أو الإرادی والإشائی هو...».

وقال صاحب المعارف السلمانیة أیضاً: «... ومنها شبهة الخلاف بین الإمامیة، فی کمِّیة علم الإمام من حیث تعلُّقه بجمیع الأشیاء وعدمه، وکیفیَّته، من حیث کونه حضوریاً أم إرادیاً...» (3).

فقد یقال: إن الوجه فی ذلک غیر واضح، فهل هو من باب الخلط فی المصطلح فقط، أو أنهم لا یریدون المصطلح المتعارف علیه فی المنطق والفلسفة، وإنما أرادوا منه الحضوری بمعنی الحاضر عندهم علیهم السلام؟

خصوصاً وأن بعضاً منهم قد بدأ ببیان العلم الحضوری الذی فی قبال الحصولی،


1- أُنظُر: المصدر نفسه، ص 294.
2- أُنظُر: اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص28. وکذا: العلامة المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص11. وأیضاً: حمُّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، ج2، ص13.
3- اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص 23.

ص: 26

وصرَّح بمراده من الحضوری فی أول کتابه، وأنه ما یقابل العلم الحصولی.

قال محمد جمیل: «ینقسم العلم إلی قسمین: أحدهما حضوری، وثانیهما حصولی.

فالأول: عبارة عن تعلُّق العلم بذات المعلوم من دون واسطة صورة ذهنیة.

والثانی: عبارة عن تعلُّق العلم بذات المعلوم بواسطة صورة ذهنیة...

والحضوری غیر قابل للخطأ والاشتباه، بخلاف الحصولی، حیث هو مظنَّة الاشتباه فی بعض الأحیان؛ بسبب تصورات خاطئة تؤدی إلی نتیجة خاطئة؛ إذ النتیجة تتبع أخس المقدمات...

وبالجملة:

فإن العلوم الحضوریة هی التی تحصل بالبداهة والارتجال من دون نظر أو فکر، وفیه تتفاوت قوة الحدس الناتجة عن قوة الروح وشدة التوجه، وعکسها العلوم الحصولیة، أو ما تسمَّی بالکسبیة، وهی التی یحتاج حصولها إلی کسب ونظر وفکر»(1).

ففهم من کلام العلماء أن المراد من الحضوری هو ما یقابل الحصولی، ورتَّب علی ذلک أنْ جَعَلَ الحصولی نفس العلم الإشائی، وفرَّق بین الحضوری والحصولی بکون الحضوری غیر اکتسابی ولا یتطرَّق الاشتباه إلیه، وأن الاکتسابیة ملازمة للثانی ولا یؤمن من الخطأ والاشتباه فیه، کما هو ظاهر عبارته فی المقام وما سوف یأتی بعد قلیل فی تحریر محل الخلاف.

إلا أن الذی یتمعَّن فی عبائر بعض الأعلام یری أنهم أرادوا مصطلحاً خاصاً، لا 


1- حمُّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، ج 2، ص 11.

ص: 27

المصطلح المتعارف فی الکتب الفلسفیة والمنطقیة - والتی تقدَّم ذِکْرُ بعضها معنا (1) -، بل أرادوا من الحضوری ما کان حاضراً فعلاً عند الإمام علیه السلام، ولم یکن وجوده لدیه متوقفاً علی شیء آخر کالإرادة مثلاً، فیضعف الاحتمال الثانی - وهو أنهم خلطوا بین المصطلحات -، ویقوی الاحتمال الأول - أی: أنهم لا یریدون المصطلح المتعارف علیه فی المنطق والفلسفة -، بل یتعین.

قال العلاَّمة المظفر فی موضع آخر من کتابه:«... وإنما حضوره عندهم بمعنی انکشاف المعلومات لدیهم فعلاً»(2).

وقد عرفت أن فی العلم الحصولی یحصل انکشاف أیضاً، لکن هل أن هذا الانکشاف حاضر فعلاً، أم أنه غیر حاضر ومتوقف علی المشیئة؟

فکلامهم - إذاً - حول حضور علمهم علیهم السلام وعدمه، لا عن علمهم الحضوری فقط دون الحصولی.

وقال أیضاً - فی باب (المؤیدات لعلمهم الحضوری) من نفس کتابه المتقدم -: «ثم إن هناک مؤیدات للقول بحضور علمهم، وصحة الجمع بین أدلة الجانبین، وتأویل النافی منهما، علی نحو ما سبق، وهی أُمور جمة، نستطرد شیئا منها:...

الرابع: حاجة الناس إلی عالم حاضر العلم.

إن الناس فی حاجة إلی عالم یکشف لهم عما یعلمون؛ لیقرِّبهم إلی الطاعة، ویبعدهم عن المعصیة...

السادس: لو لم یکن علمهم حاضراً لجاز أن یوجد مَن هو أعلم منهم. 


1- أُنظُر: الطباطبائی، محمد حسین، نهایة الحکمة، ص 158و ص293.
2- المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص 12.

ص: 28

لو قلنا: بأن علمهم غیر حاضر لدیهم، لجاز أن یکون هناک مَن هو أعلم منهم بالأمر الذی یقع أو یُسألون عنه...» (1).

المراد من العلم فی المقام

إن العلم الذی نتکلَّم عنه فی المقام إنما هو العلم الحاضر عندهم علیهم السلام، والذی تحصَّل لهم بالطرق الخاصة المذکورة فی الکتب - کالإلهام أو النقر فی الأسماع... - لا العلم الاکتسابی الذی یتسنَّی لکل أحد أن یحصل علیه، والذی بواسطته نتعلَّم العلوم المتعارفة من المعلِّمین؛ وهذا ما ذکره کثیر من الأعلام فی کتبهم.

فالکلام عن العلم الذی یکون أعم من العلم الحضوری والحصولی باصطلاح الفلاسفة والمناطقة، کما تقدم فی بعض العبائر التی ذُکرت لتحریر محل النزاع.

وإنما جعلنا البحث فیما هو الأعم من القسمین المتقدمین - الحصولی والحضوری - لکی یکون کلامنا جاریاً علی کلا المبنیین اللذین ذهب إلیهما المشاءون(2)،


1- المصدر السابق، ص 81.
2- إن مصطلح المشاء والإشراق یطلقان علی مدرستین ومذهبین من المذاهب الفلسفیة: فالمشاؤون: هم الذین عرفهم ابن خلدون بقوله: «... أرسطو هذا من الیونانیین... کان یعلم الحکمة وهو ماش تحت الرواق المظلل له من حر الشمس فسمی تلامیذه بالمشائین...». ابن خلدون، تاریخ ابن خلدون، ج2، ق1، ص188. وقال الطریحی فی سبب تسمیتهم أنهم سمو بهذا الاسم لأنهم:«...کانوا یمشون فی رکاب أرسطو لا فی رکاب أفلاطون، کذا ذکر الشیخ البهائی رحمة الله علیه». الطریحی، فخر الدین، مجمع البحرین، ج 3، ص428. والإشراقیون: «هم الذین جردوا ألواح عقولهم عن النفوس الکونیة فأشرقت علیهم لمعات أنوار الحکمة من لوح النفس الأفلاطونیة من غیر توسط العبارات وتخلل الإشارات». الطریحی، فخر الدین، مجمع البحرین، ج 3، ص428.

ص: 29

والإشراقیون (1)، من أصالة الوجود أو الماهیة (2)، - علی الخلاف الموجود بینهما - فلو خصصنا البحث فی العلم الحضوری فقط، لکان کلامنا جاریاً علی القول بأصالة الوجود فقط، ولما صح علی مذهب مَن یری أن الماهیة هی الأصیلة؛ لکون الحضوری حینئذ منحصراً بعلم الشیء بنفسه فقط، فلا یتمُّ الکلام حول علم الأئمة علیهم


1- المراد من هذین المصطلحین هو: أولاً: الوجود: وهو ما عرفه المتکلمون ب_: (الثابت العین). وقد عرفه بعض الحکماء بقولهم:« الموجود هو الذی یمکن أن یخبر عنه». أُنظُر: الحلی، الحسن بن یوسف، کشف المراد فی شرح تجرید الاعتقاد، ص5. إلا أن بعض الحکماء قال: مفهوم الوجود بدیهی معقول بنفس ذاته، لا یحتاج فیه إلی توسیط شئ آخر، فلا معرف له من حد أو رسم، لوجوب کون المعرف أجلی وأظهر من المعرف، فما أورد فی تعریفه - من أن:« الوجود، أو الموجود بما هو موجود، هو الثابت العین " أو " الذی یمکن أن یخبر عنه " - من قبیل شرح الاسم...» الطباطبائی، محمد حسین، بدایة الحکمة، ص11. ثانیاً: الماهیة: وتنقسم إلی قسمین: القسم الأول: الماهیة بالمعنی الأعم، وهی ما یشمل الوجود والماهیة، فإذا أطلقت الماهیة بالمعنی الأعم أرید منها الأعم من الوجود والماهیة، فعندما یقال:« واجب الوجود ماهیته إنیته، بمعنی أن لا ماهیة له وراء وجوده الخاص به...» الطباطبائی، محمد حسین، بدایة الحکمة، ص59. القسم الثانی: الماهیة بالمعنی الأخص، وهی التی تقع جوابا لقولک ما هو أی إنها عبارة عن حقیقة الشیء، فلو قلت: ما هو الإنسان ؟ لقیل لک: إنه حیوان ناطق. وهذا الجواب هو حقیقة الإنسان وماهیته. قال الغزالی: «... وأعنی بالماهیة ما یصلح أن یقال فی جواب ما هو، فإن القائل: ما هو؟ یطلب حقیقة الشیء...». الغزالی، محمد بن محمد، المستصفی، ص13.
2- وقع الکلام بین المشائین والإشراقین فی أن الأصالة هل هی للوجود أم للماهیة؟ بمعنی أن الذی تترتب علیه الآثار الخارجیة والذی یکون علة ما یقع فی الخارج من خواص هل هو للوجود فتکون الماهیة لا آثار لها؟ أم أن الذی تترتب علیه هذه الآثار هی الماهیة فیکون الوجود لا آثار له خارجا؟ فمثلا: النار لها آثار مترتبة علیها فی الخارج من قبیل الإحراق والحرارة والإنارة وغیرها، فهذه الآثار هل هی آثار وجود النار أم آثار للحقیقة؟ فجمع منهم ذهب إلی القول الأول وهم المشاءون، واختار آخرون الثانی وهم الإشراقیون. أُنظُر: الطباطبائی، محمد حسین، بدایة الحکمة، ص15.

ص: 30

السلام بباقی الأشیاء؛ لعدم إمکان حضور وجود آخر غیر وجودهم؛ لاختلاف الوجودین حینئذ.

مع أنه یمکن القول: بأن العلم الحضوری أیضاً متحقِّق علی القول بأصالة الماهیة العینیة(1)، فلو کان الأصیل هو الماهیة المتحقِّقة؛ لأصبح العلم الحضوری: حضور الماهیة المتحققة والعینیة للأشیاء عند العالم.

وعلی هذا الأساس یصح قولنا: إن البحث عن علم الإمام الحضوری، هل هو علم حاضر وفعلی، أم أنه متوقف ومقید بالإشاءة؟ فیکون النزاع علی القول بأصالة الوجود واضحاً ولا یحتاج إلی تکلُّف بیان، وعلی أصالة الماهیة المتحققة والعینیة بالمعنی المتقدم بیانه.

ثم إن الذی جعل البحث حول الحضوری الذی یقابل الإشائی، لا الحضوری الذی یقابل الحصولی منه، هم جُلُّ العلماء الذین بحثوا هذه المسألة؛ حیث إنهم صرحوا - فی کتبهم - بأن مرادهم من کلامهم هو أن البحث والخلاف بین الأعلام فی کون الإمام هل علمه حاضر وموجود عنده علیه السلام، أو أنه غیر حاضر لدیه، إلا أنه یحضر عنده متی حصلت المشیئة والإرادة؟

قال العلامة المظفر رحمه الله: «إن المراد من العلم الحضوری أو الإرادی والإشائی هو: ما کان موهوباً من العلاَّم سبحانه ومستفاضاً منه بطریق الإلهام أو النقر فی الأسماع، أو التعلیم من الرسول، أو غیر ذلک من الأسباب، وهذا العلم اختص به الإمام دون غیره من الأنام.


1- المقصود من الماهیة العینیة هی: الماهیة الموجودة فی الخارج والمتحققة الوجود خارجا، وبتعبیر آخر: هی الماهیة بقید الوجود الخارجی لا صرف الماهیة.

ص: 31

ولیس المراد من العلم ها هنا ما حصل بالکسب من الأمارات والحواس الظاهریة، والصنایع الاکتسابیة؛ لاشتراک الناس مع الإمام فی هذا العلم، لأنه تابع لأسبابه الاعتیادیة، وهذا لا یختص بأحد، وهو بخلاف الأول؛ إذ لا یمنحه علاَّم الغیوب إلا لمَن أراد واصطفی» (1).

وقال اللاری رحمه الله فی المعارف السلمانیة:«... أما المراد من علمه، فلیس فی علمه الظاهری الکسبی، الحاصل من الأمارات والحواس الظاهریة والصنایع الاکتسابیة؛ ضرورة أن العلم الظاهری الحاصل للإمام کالعلم الظاهری الحاصل لغیره، ینبع من أسبابه وحواسه الظاهریة فی الکمِّیة والکیفیة، فلا مجال لشبهة الخلاف فیه، بل الخلاف فی کمِّیة علمه وکیفیته إنما هو فی علمه الباطنی الفطری اللدنی، الموهوب بإلهام أو وحی أو روح القدس ونحوها من الأسباب الخاصة بالأنبیاء والأوصیاء...» (2).

وقال المحدِّث المازندرانی قدس سره: «... وینبغی أن یُعلم أن علم الأئمة الطاهرین لیس کعلمنا، ولا تعلُّمهم مثل تعلُّمنا، بحیث یحتاجون إلی زمان طویل وفکر کثیر، بل کان یکفیهم - لکمال ذاتهم ونقاوة صفاتهم وصفاء أذهانهم وقوة أفهامهم - أدنی توجُّه وأقصر زمان لکمال الاتصال بینهم وبین المفیض، بل کانوا عالمین أبداً غیر جاهلین أصلاً فی بدء الفطرة وأصل الخلقة، جعلهم الله تعالی أساس الدین وعماد الیقین، وأثبت لهم حق الولایة، وخص بهم لواء الخلافة؛ لیفیء إلیهم القاصرون ویلحق بهم الناقصون، زادهم الله شرفاً وتعظیماً، وجدَّد لهم توقیراً وتکریماً...» (3).


1- المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص 11.
2- اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص 27.
3- المازندرانی، محمد صالح، شرح أصول الکافی، ج 2، ص 299.

ص: 32

وقال المحقِّق محمد جمیل أیضاً: «... إذاً، الخلاف فی العلم الحضوری لا الحاصل من الأمارات والحواس الظاهریة والصنایع الاکتسابیة؛ ضرورة أن العلم الظاهری لدی الإمام کالعلم الظاهری الحاصل لغیره، تنبع أسبابه من حواسه الظاهریة فی الکمِّیة والکیفیة، فالإمام والناس یشترکان فی تحصیل هذا العلم؛ لکونه تابعاً لأسبابه الاعتیادیة، وهذا لا یختص بأحد، بخلاف الحضوری؛ إذ لا یمنحه علاَّم الغیوب إلا لمَن أراد واصطفی» (1).

وقال السید علی عاشور:

«... ماهیة علم آل محمد علیهم السلام ویتردد هذا البحث بین ثلاثة احتمالات... أن یکون علم آل محمد علیهم السلام علماً کسبیاً، ویراد به أن علمهم بالتعلم المتعارف بین الناس، وإن شئت سمَّیته بالعلم الحصولی... أن یکون علم آل محمد علیهم السلام علما لدنیَّاً غیر کسبی، بمعنی أن الله أعطاهم هذا العلم بلا تکسب وتجهُّد... وهذا العلم یسمَّی بالعلم الحضوری... أن یکون علم آل محمد علیهم السلام علماً متعلقاً بالمشیئة والإرادة، فمتی شاؤوا أن یعلموا علموا أو أُعلِموا...»(2).

إذاً؛ فمن خلال هذه العبائر المتقدمة نعرف أن الکلام إنما یدور حول العلم الحاضر عند الإمام علیه السلام، الذی هو فی قبال الإشائی فقط، لا الحضوری فی مقابل الحصولی، أو الحضوری الأعم من المقابل للحصولی والإشائی، کما یظهر من العبارة الأخیرة. 


1- حمُّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، ج 2، ص 13.
2- عاشور، علی، حقیقة علم آل محمد علیهم السلام، ص 31.

ص: 33

ثانیاً: الإمام لغةً واصطلاحاً

أ - الإمام لغةً

وردت مفردة الإمام فی اللغة وأُرید منها عدة معانی، فمنها:

1 - أنه بمعنی المُتَّبَع، والمُقتدی به.

2 - إنه بمعنی بقعة الأرض والطریق.

3 - بمعنی العمود أو الخشبة التی یعتمد علیها بناء البیت.

 قال الجوهری فی صحاحه:

«... والإمام: خشبة البناء التی یسوَّی علیها البناء... والإمام: الصقع من الأرض والطریق... والإمام: الذی یُقتدی به، وجمعه أیمة وأصله آممة علی فاعلة...»(1).

وقال ابن منظور أیضاً:

«... الإمام الذی یُقتدی به وجمعه أیمة، وأصله أأممة، علی أفعلة... والإمام: الخیط الذی یُمد علی البناء فیُبنی علیه، ویسوَّی علیه ساف البناء... والإمام: بمعنی القدَّام. وفلان یَؤم القوم: یقدمهم...»(2).

إلا أن الملحوظ من هذه المعانی التی ذُکرت فی الکتب اللغویة، أنها یجمعها معنی واحد وشامل، وهو: الاعتماد علیه والحاجة إلیه من قِبَل غیره، واستغناؤه عن غیره؛ فإن البناء لا یتم إلا بواسطة الخشبة، وکذا الحال بالنسبة إلی الطریق؛ فإن الناس والمارَّة لا تستغنی عنه، وأما بالنسبة للمقتدی به فواضح جداً. 


1- الجوهری، إسماعیل، الصحاح، ج 5، ص 186.
2- ابن منظور، محمد، لسان العرب، ج 12، ص 25.

ص: 34

ب - الإمام اصطلاحاً

أما التعریف الاصطلاحی لمفردة الإمام ومشتقاتها - کالإمامة -، فإنها تختلف بحسب العلوم التی ذُکرت فیها، بل باختلاف الأبواب فی نفس العلم الواحد، لکنها تشترک فیما بینها بأنها أخذ فیها المعنی اللغوی للإمام.

الإمامة فی القرآن

لقد جاءت مفردة الإمام والإمامة فی القرآن بأکثر من معنی، أُرید من بعضها المعنی اللغوی، کما فی قوله تعالی:

((وَإِن نَّکَثُواْ أَیْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِی دِینِکُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْکُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَیْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَنتَهُونَ))(1).

وکذا فی قوله عزَّ وجل:

((یَوْمَ نَدْعُو کُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِیَ کِتَابَهُ بِیَمِینِهِ فَأُوْلَ_ئِکَ یَقْرَؤُونَ کِتَابَهُمْ وَلاَ یُظْلَمُونَ فَتِیلاً ))(2).

بناءً علی أن المراد بالأئمة فی الآیة الأعم من أئمة الجور وأئمة الهدی.

وأُرید من بعضها الآخر ما یعم المصطلح الکلامی - کما سوف یأتی معنا فی محله - وزیادة، بحیث یشمل بعض الأنبیاء الذین حضوا بهذا المقام السامی، کما خوطب بها إبراهیم علیه السلام فی قوله تعالی:

((وَإِذِ ابْتَلَی إِبْرَاهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّیَّتِی قَالَ لاَ یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ))(3).


1- التوبة: 12.
2- الإسراء: 71.
3- البقرة: 124.

ص: 35

الإمامة فی الروایات

إن مفردة الإمامة من بین المفردات التی ذُکرت فی الروایات الواردة عن أهل البیت علیهم السلام، فقد کان لهذا المصطلح العین والأثر الواضح فی الأحادیث التی وصلت إلینا عن الأئمة (سلام الله علیهم أجمعین)؛ حیث خصصوا مجموعة منها لأجل بیان هذا المصطلح للناس بطریقتهم الخاصة، والتی استطاعوا من خلالها أن یرسِّخوا فی أذهان أتباعهم معنی الإمام الحقیقی الذی کُلِّفوا باتِّباعه، ویکفینا ما ورد عن الإمام الرضا علیه السلام فیما قال:

«... إن الإمامة هی منزلة الأنبیاء، وإرث الأوصیاء.

إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، ومقام أمیر المؤمنین علیه السلام، ومیراث الحسن والحسین علیهما السلام.

إن الإمامة زمام الدین، ونظام المسلمین، وصلاح الدنیا وعِزُّ المؤمنین.

إن الإمامة أُسُّ الإسلام النامی، وفرعه السامی، بالإمام تمام الصلاة والزکاة والصیام والحج والجهاد، وتوفیر الفیء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحکام، ومنع الثغور والأطراف.

الإمام یُحلُّ حلال الله، ویُحرِّم حرام الله، ویُقیم حدود الله، ویذبُّ عن دین الله، ویدعو إلی سبیل ربه بالحکمة، والموعظة الحسنة، والحجة البالغة.

الإمام کالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهی فی الأُفق، بحیث لا تنالها الأیدی والأبصار.

الإمام البدر المنیر، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادی فی غیاهب الدُّجی، وأجواز البلدان والقِفار، ولُجج البحار.

ص: 36

الإمام الماء العذب علی الظماء والدال علی الهدی، والمنجی من الردی.

الإمام النار علی الیفاع، الحار لمَن اصطلی به، والدلیل فی المهالک، من فارقه فهالک.

الإمام السحاب الماطر، والغیث الهاطل، والشمس المضیئة، والسماء الظلیلة، والأرض البسیطة، والعین الغزیرة، والغدیر والروضة.

الإمام الأنیس الرفیق، والوالد الشفیق، والأخ الشقیق، والأُمُّ البرَّة بالولد الصغیر، ومفزع العباد فی الداهیة النآد.

الإمام أمین الله فی خلقه، وحجَّته علی عباده، وخلیفته فی بلاده، والداعی إلی الله، والذابُّ عن حرم الله.

الإمام المطهَّر من الذنوب والمبرَّأ عن العیوب، المخصوص بالعلم، المرسوم بالحلم، نظام الدین، وعِزُّ المسلمین، وغیظ المنافقین، وبوار الکافرین.

الإمام واحد دهره، لا یُدانیه أحد، ولا یعادله عالم، ولا یوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظیر، مخصوص بالفضل کله من غیر طلب منه له ولا اکتساب، بل اختصاص من المفضِّل الوهَّاب.

فمَن ذا الذی یبلغ معرفة الإمام، أو یمکنه اختیاره؟! هیهات هیهات ! ضلَّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العیون، وتصاغرت العظماء، وتحیَّرت الحکماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وکلَّت الشعراء، وعجزت الأُدباء، وعییت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضیلة من فضائله، وأقرَّت بالعجز والتقصیر، وکیف یوصف بکلِّه، أو یُنعت بکُنهه، أو یُفهم شیء من أمره، أو یوجد مَن یقوم مقامه ویُغْنی غناه، لا کیف وأنیَّ؟!...»(1)


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 198.

ص: 37

الإمامة فی الکتب الفقهیة

إن الإمامة فی الفقه جاءت بمعنی خاص مضاف إلی الصلاة، فی باب الصلاة، قریب من المعنی اللغوی القائل: بأنه المقتدی به، أو المُقدَّم. إلا أنه فی خصوص الصلاة(1).

وأما الإمامة فی باب الخمس، فإنها یراد منها معنی آخر غیر المعنی الوارد فی الصلاة، بل یراد منه ما یراد منه فی علم الکلام(2) علی ما سیأتی معناه بعد أسطر إن شاء الله تعالی.

الإمامة عند المتکلمین الشیعة

لقد عرَّف المتکلمون مصطلح الإمامة فی کتبهم بتعاریف عدیدة، والملاحظ فیها أنها وإن اختلفت فی بعض الألفاظ والقیود، إلا أنها تشترک فی الکثیر منها، وسوف أکتفی بنقل بعض منها روماً للاختصار.

قال الشیخ الطوسی رحمه الله:«... والإمامة ریاسة عامة لشخص من الأشخاص فی أمور الدین والدنیا...»(3).

وقال المحقِّق الحلِّی رحمه الله:«... الإمامة رئاسة عامة لشخص من الأشخاص فی الدین والدنیا بحق الأصالة»(4).

وقد أشار العلاَّمة الحلِّی قدس سره إلی السبب الذی جعل المحقِّق الحلِّی یضیف


1- أُنظُر: فتح الله، أحمد، معجم ألفاظ الفقه الجعفری، ص69.
2- أُنظُر: الخوئی، أبو القاسم، کتاب الخمس، القسم الأول، ص17.
3- الطوسی، محمد، الرسائل العشر، ص 103.
4- المحقِّق الحلی، جعفر، المسلک فی أصول الدین، ص 306.

ص: 38

هذا القید، وقال: إن الغایة منه هو الاحتراز به عما یرد علی التعریف المتقدم من إشکالات.

قال:«... وزاد بعض الفضلاء فی التعریف بحق الأصالة وقال فی تعریفها: الإمامة رئاسة عامة فی أمور الدین والدنیا لشخص إنسانی بحق الأصالة. واحترز بهذا عن نائب یفوض إلیه الإمام عموم الولایة؛ فإن رئاسته عامة لکن لیست بالأصالة»(1).

الإمامة عند علماء السنة

لقد اعترض بعض علماء السُّنَّة علی التعریف الذی ذکره علماؤنا الشیعة فی هذا المقام؛ وذلک لأنه غیر سدید وغیر صامد أمام النقض والإشکالات فی نظره، وأنه منتقض بالنبوة؛ فإنها داخلة فی التعریف، ثم عرَّفه بتعریف آخر.

قال الإیجی فی مواقفه:«... قال قوم: الإمامة ریاسة عامة فی أُمور الدین والدنیا. ونُقض بالنبوة، والأوْلی أن یقال: هی خلافة الرسول فی إقامة الدین بحیث یجب اتِّباعه علی کافة الأُمة...» (2).

المراد من الإمام فی مقامنا

ما یُهمُّنا فی هذا البحث هو الإمام بحسب مصطلح المتکلمین من الشیعة؛ إذ الغرض هو الوقوف علی ما هو الصواب من الآراء التی ذُکرت - ووقع الخلاف فیها بین الأعلام من الشیعة - فی خصوص علم الأئمة علیهم السلام، وإن کان بعض من المُحققین قد جعل البحث فی الأعم من الإمام فی المصطلح الکلامی، وما یشمل الأنبیاء أیضاً، وهو ما صرح به صاحب المعارف السلمانیة حیث قال رحمه الله:«... فلیس مَن


1- الحلِّی، الحسن، النافع یوم الحشر فی الباب الحادی عشر، ص 94.
2- الإیجی، عبد الرحمن، المواقف، ج 3، 574.

ص: 39

له الریاسة العامة الإلهیة بتنصیص من الرسول وتوسطه، کما هو مصطلح المتکلمین... بل المراد بالإمام فی المرام مطلق مَن له الریاسة الإلهیة العامة، سواء بتوسط الرسول کالأوصیاء، أو بلا واسطة کالأنبیاء»(1).

إلا أن غرضنا فی المقام هو البحث عن علم الأئمة الأطهار، الذین کُلِّفنا بمعرفتهم، وهم: أمیر المؤمنین وأولاده الأحد عشر المعصومون (علیهم سلام الله أجمعین)، کما هو صریح قول العلاَّمة المظفر أیضاً.

قال العلاَّمة محمد حسین المظفر رحمه الله: «... إن المراد بالإمام ها هنا هو الحجَّة علی العباد ومَن وجبت معرفته وطاعته، وحرم جهله وعصیانه، وکانت میتة الجاهل به میتةً جاهلیة، وهم: علی وأولاده الأحد عشر من الحسن إلی ابن الحسن الغائب المنتظر علیهم من الله تعالی أزکی التحیة وأفضل السلام»(2).

ثالثاً: الإطلاقیة لغةً واصطلاحاً

أ - الإطلاقیة لغةً

إن مصطلح الإطلاقیة مأخوذ من لفظ الإطلاق، الذی فسِّر فی اللغة بمعنی الإرسال وإزالة القیود.

قال ابن فارس فی معجمه: «... الطاء واللام والقاف أصل صحیح مطرد واحد وهو یدل علی التخلیة والإرسال... تقول: أطلقته إطلاقا...»(3).

وقال العسکری فی فروقه: «... وکل شیء تطلقه من حبس أو تحله من وثاق


1- اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص 27.
2- المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص 11.
3- ابن فارس، أحمد، معجم مقاییس اللغة، ج3، ص 420.

ص: 40

فینصرف کیف شاء، أو تحلله بعد تحریمه أو تبیحه بعد المنع تقول أطلقته وهو طلق وطلیق، ومنه طلقت المرأة لان ذلک تخلیص من الحمل...» (1).

ب - الإطلاقیة اصطلاحاً

لم أجد تعریفاً خاصاً لمصطلح الإطلاق فی الکتب التی استخدمته، وکأن العلماء اکتفوا بالتعریف اللغوی لذلک.

نعم، هناک تعریف ذُکر فی بعض الکتب الأصولیة لهذا المصطلح، وسوف یأتی ذِکره بعون الله تعالی.

الإطلاق فی الکتب الأصولیة

عُرِّف المطلق فی کتب الأصولیین بأنه:«... هو ما دل علی شایع فی جنسه، أی علی حصة محتملة الصدق علی حصص کثیرة، مندرجة تحت جنس ذلک الحصة، وهو المفهوم الکلی الذی یصدق علی هذه الحصة وعلی غیرها من الحصص...» (2).

وهذا التعریف الذی ذکره لنا صاحب القوانین - فی الحقیقة - حصة خاصة من التعریف اللغوی.

المراد من الإطلاقیة فی بحثنا

إن الإطلاق الذی نتکلَّم حوله فی المقام هو نفسه فی المعنی اللغوی، فهو بمعنی الإرسال وعدم التقیید، یعنی عدم تقیید علم الإمام وتعلیقه علی الإشاءة، بل علمه حاضر وفعلی، ولیس مقیداً بالمشیئة، ولیس المقصود من الإطلاق سعة علمهم وعدم ضیقه. 


1- العسکری، أبو هلال، الفروق اللغویة، ص 337.
2- القمِّی، أبو القاسم، قوانین الأصول، ج 1، ص 321.

ص: 41

رابعاً: الإشائیة لغةً واصطلاحاً

أ - الإشائیة لغةً

الإشاءة والإشائیة مأخوذة من شیأ، وهی بمنعی الإرادة - علی ما ذکره بعض أئمة اللغة - وإن فرَّق بعضهم بینهما ببعض الفوارق، فیکون معنی قولک: شئت الشیء. یعنی أردته.

قال أبو هلال العسکری: «الفرق بین الإرادة والمشیئة: قیل: الإرادة هی العزم علی الفعل، أو الترک بعد تصور الغایة، المترتبة علیه من خیر، أو نفع، أو لذَّة ونحو ذلک. وهی أخص من المشیئة؛ لأن المشیئة ابتداء العزم علی الفعل، فنسبتها إلی الإرادة نسبة الضعف إلی القوة، والظن إلی الجزم، فإنک ربما شئت شیئاً ولا تریده، لمانع عقلی أو شرعی.

وأما الإرادة، فمتی حصلت صدر الفعل لا محالة. وقد یطلق کل منهما علی الآخر توسعاً...» (1).

وقال ابن الأثیر فی النهایة: «المشیئة مهموزة: الإرادة، وقد شئت الشیء أشاؤه...» (2).

وقال الفیروزابادی فی قاموسه: «شئته أشاؤه شیئا ومشیئة ومشاءة ومشائیة: أردته، والاسم: الشیئة، کشیعة، وکل شیء بشیئة الله تعالی» (3).

وقال الجوهری:«... والمشیئة: الإرادة، وقد شئت الشیء أشاؤه. وقولهم: کل شیء بشیئة الله، بکسر الشین مثل شیعة، أی بمشیئة الله تعالی» (4).


1- العسکری، أبو هلال، الفروق اللغویة، ص 35.
2- ابن الأثیر، علی، النهایة فی غریب الحدیث، ج 2، ص517.
3- الفیروز آبادی، محمد، القاموس المحیط، ج 1، ص19.
4- الجوهری، إسماعیل، الصحاح، ج 1، ص 58.

ص: 42

وقال الزبیدی: «شیأ: شئته - أی الشیء - أشاؤه شیأ ومشیئة کخطیئة ومشاءة ککراهة ومشائیة، کعلانیة: أردته...» (1).

فقد تبین لنا أن أئمة اللغة أطلقوا لفظ المشیئة علی الإرادة، ومن دون أن یفرقوا بینهما بشیء إطلاقا.

ب - الإشائیة اصطلاحاً

لیس للإشائیة والمشیئة معنی خاص غیر المعنی اللغوی الذی ذکرناه فیما سبق، فلا یوجد أی اصطلاح له فی علم من العلوم یوجب اختلاف المعنی فیه عن معناه اللغوی، بل المشیئة فی القرآن وفی الکتب الروائیة والکلامیة جاءت بمعنی واحد، وهو معنی الإرادة.

مفردة الإشاءة فی القرآن

لو تتبعنا الآیات القرآنیة المتضمنة للفظ المشیئة لوجدناها کثیرة جداًَ، ولوجدنا أن جمیعها أُرید فیها معنی الإرادة، کما یظهر من سیاق الآیات، وما ذکره المفسرون، سواء فی ذلک مشیئة الله عزَّ وجل، أم مشیئة غیره من المخلوقات، وقد ورد هذا اللفظ فی موارد کثیرة، فمن الآیات التی جاءت تتکلم عن مشیئة الله عزَّ وجل قوله تعالی:

(( بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن یَکْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْیاً أَن یُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَی مَن یَشَاء مِنْ عِبَادِهِ...))(2).

ومنها:


1- الزبیدی، محمد مرتضی، تاج العروس، ج 1، ص 185.
2- البقرة: 90.

ص: 43

((... أَن یُنَزَّلَ عَلَیْکُم مِّنْ خَیْرٍ مِّن رَّبِّکُمْ وَاللّهُ یَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن یَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ))(1).

ومنها أیضاً:

((...  قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ یَهْدِی مَن یَشَاء إِلَی صِرَاطٍ مُّسْتَقِیمٍ )) (2).

ومنها قوله تعالی:

((... وَاللّهُ یَرْزُقُ مَن یَشَاء بِغَیْرِ حِسَابٍ))(3).

إلی غیر ذلک من الآیات الکثیرة التی لا تحصی عددا.

وأما ما جاء منها یتحدث عن مشیئة غیره تعالی، فهی مجموعة من الآیات أیضاً:

فمنها قوله عزَّ مَن قال مخاطباً النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

((تُرْجِی مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِی إِلَیْکَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَیْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیْکَ ذَلِکَ أَدْنَی أَن تَقَرَّ أَعْیُنُهُنَّ وَلَا یَحْزَنَّ وَیَرْضَیْنَ بِمَا آتَیْتَهُنَّ کُلُّهُنَّ وَاللَّهُ یَعْلَمُ مَا فِی قُلُوبِکُمْ وَکَانَ اللَّهُ عَلِیمًا حَلِیمًا))(4).

ومنها:

(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ یَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلِیمًا حَکِیمًا) (5).

ومنها:


1- البقرة: 105.
2- البقرة: 142.
3- البقرة: 212.
4- الأحزاب: 51.
5- الإنسان: 30.

ص: 44

(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ یَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ) (1).

ومما یزید المطلب وضوحا وتأییدا لکلامنا ما ذکره بعض المفسرین حول معنی المشیئة فی بعض الآیات المتقدمة، والتی استند بعضها إلی الروایات الواردة عن الأئمة.

قال الشیخ الطوسی قدس سره:«... والمشیئة هی الإرادة وهی ما أثرت فی وقوع الفعل علی وجه دون وجه من حسن أو قبح أو غیرهما من الوجوه» (2).

وقال الطبرسی قدس سره:«... (( لِمَن شَاء مِنکُمْ أَن یَتَقَدَّمَ أَوْ یَتَأَخَّرَ))(3)، أی یتقدم فی طاعة الله، أو یتأخر عنها بالمعصیة، عن قتادة. والمشیئة هی الإرادة...»(4).

وقد ذکر المحدِّث القمِّی قدس سره روایة عن الإمام الکاظم علیه السلام قال فیها: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن أحمد بن محمد السیاری، عن فلان، عن أبی الحسن علیه السلام قال:

«إن الله جعل قلوب الأئمة موردا لإرادته فإذا شاء الله شیئا شاؤه، وهو قوله:

(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ یَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ) (5)» (6).

وقد ذکر بعض المفسرین: أن معنی المشیئة فی الآیات عن مشیئة الله تعالی هی الإرادة المقترنة الحکمة والصلاحیات... (7).


1- التکویر: 29.
2- الطوسی، محمد، التبیان، ج4، 514.
3- المدثر: 37.
4- الطبرسی، الفضل، تفسیر مجمع البیان، ج10، ص 186.
5- التکویر: 29.
6- القمی، علی بن إبراهیم، تفسیر القمی، ج2، ص 409.
7- أُنظُر: الشیرازی، ناصر مکارم، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج7، ص339.

ص: 45

مفردة الإشاءة فی الروایات

ثَمَّة أحادیث وردت عن أهل البیت علیهم السلام جاءت تتکلَّم عن المشیئة، وعن حقیقتها، وهذه الروایات أرادت منه المعنی المرادف للإرادة، بل عقد الکلینی رحمه الله فی کتابه الکافی الشریف باباً أسماه ب_(باب الإرادة إنها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل)، وذکر الروایات التی ذُکرت فیها مفردة المشیئة فی ضمن هذا الباب، وإلیک بعض النصوص من هذا الباب:

1 - عن محمد بن أبی عبد الله، عن محمد بن إسماعیل، عن الحسین بن الحسن، عن بکر بن صالح، عن علی بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، عن بکیر بن أعین قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: علم الله ومشیئته هما مختلفان أو متفقان؟ فقال:

«العلم لیس هو المشیئة، ألا تری أنک تقول: سأفعل کذا إن شاء الله. ولا تقول: سأفعل کذا إن علم الله؟ فقولک: إن شاء الله. دلیل علی أنه لم یشأ، فإذا شاء کان الذی شاء کما شاء، وعلم الله السابق للمشیئة»(1).

2 - علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر، عن عمر بن أذینة، عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«خلق الله المشیئة بنفسها، ثم خلق الأشیاء بالمشیئة» (2).

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر، عن ابن أذینة، عن محمد بن مسلم، عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«المشیئة مُحدَثة» (3).


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 109.
2- المصدر نفسه، ص 110.
3- المصدر السابق، ص 110.

ص: 46

وفی نفس الکتاب المذکور، عقد باباً آخر تحت عنوان (باب المشیئة والإرادة)، وذکر فیه مجموعة من الأحادیث التی تضمَّنت هذه المفردة (1).

فیفهم من خلال ما تقدم من الروایات أن المشیئة أُرید منها المعنی اللغوی، وأنها بمعنی الإرادة.

المراد من المشیئة فی بحثنا

إنّ ما نقصده فی هذا البحث من مفردة الإشائیة من معنی، هو نفس المعنی اللغوی والوارد فی الآیات والروایات، فهو بمعنی الإرادة أیضاً، إلا أنه فی مورد خاص، وهو العلم، فیکون معناها: إرادة العلم بالشیء.

المعنی الترکیبی للعنوان

بعد أن فسَّرنا وأوضحنا المفردات التی جاءت فی العنوان، نستطیع أن نذکر معنیً ترکیبیاً له، بحیث یتسنَّی للقارئ معرفة الموضوع الذی نتکلَّم عنه فی بحثنا هذا، فنقول:

إن علم الإمام علیه السلام الحاضر والمطلق هو: انکشاف - أو حضور - الأشیاء بماهیاتها أو بوجوداتها عند مَن کانت له ریاسة عامة فی أمر الدین والدنیا، خلافةً عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، انکشافاً وحضوراً فعلیاً، وعدم توقُّفه علی شیء آخر من إرادة وغیرها.

وأما علمه علیه السلام الإشائی، فهو بمعنی: توقف انکشاف - أو حضور - الأشیاء بماهیاتها أو بوجوداتها علی الإرادة، عند مَن کانت له ریاسة عامة فی أمر الدین والدنیا، خلافةً عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم. 


1- المصدر نفسه، ص 150.

ص: 47

المبحث الثانی: الفرق بین علم الإمام علیه السلام وبین علم الله عَزَّ وجلَّ

لا یناقش أحد من الناس فی أن الفارق الأساسی بین الله تعالی وبین المخلوقات هو ثبوت الغنی الکامل والمطلق له وفقر ما عداه، وهذا الشیء من الثوابت العقلیة التی أرشد إلیها القران فی کثیر من الآیات، کما فی قوله تعالی:

(یَا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَی اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ) (1).

وکذلک قوله عز من قائل:

((... وَمَن کَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِیٌّ عَنِ الْعَالَمِینَ))(2).

أو قوله فی آیة أخری:

(( وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا یُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ الْعَالَمِینَ))(3).


1- فاطر: 15.
2- آل عمران: 97.
3- العنکبوت: 6.

ص: 48

وبعد أن بینَّا المراد من علمهم علیهم السلام فی بحثنا، وبعد القول: بأننا نتکلم عن العلم الحاصل لهم بالطرق الخاصة، لا الاکتسابی الذی یحصل علیه جمیع الناس بالطرق والأسباب الاعتیادیة، نواجه السؤال التالی، وهو: أن هذا الکلام ألا یؤدی إلی اشتراکهم فی هذه الصفة مع الله عزَّ وجلَّ؟ وهذا شیء ینفیه العقل المؤید من القرآن الکریم، کما فی قوله تعالی:

((  قُل لَّا یَعْلَمُ مَن فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَیْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ))(1)؟

ومن هنا احتجنا إلی بیان الفارق المهم والرئیس بین علمه تعالی وبین علمهم علیهم السلام، فنذکر الکلام الذی ذکره العلاَّمة محمد حسین المظفر رحمه الله، حیث قال: «إن علم الله تبارک اسمه قدیم وسابق علی المعلومات، وهو عین ذاته وعلة للمعلومات، وأما علم الإمام الحضوری فلا یشارک علم الله سبحانه فی شیء من ذلک؛ لأنه حادث ومسبوق بالمعلومات، وهو غیر الذات فیهم ولیس بعلة للمعلومات، وإنما حضوره عندهم بمعنی انکشاف المعلومات لدیهم فعلاً. فلا ینبغی أن یتوهّم ذو بصیرة بأنهم مشارکون له تعالی فی هذه الصفة، وأن القول بالحضوری من الشرک أو الغلو؛ لاختلاف العِلْمین فی الصفة. علی أن علمه تعالی عین ذاته، وعلمهم عرضی موهوب وممنوح منه جل شأنه، فلم یبق مجال لدعوی اتحاد العِلمین بتاتاً»(2).

وکذا ما ذکره العلاَّمة الأمینی قدس سره فی کتابه الغدیر، حیث قال فیه «... غیر أن علم هؤلاء کلهم - بلغ ما بلغ - محدود لا محالة کمَّاً وکیفاً، وعارض لیس بذاتی، ومسبوق بعدمه لیس بأزلی، وله بدء ونهایة لیس بسرمدی، ومأخوذ من الله سبحانه


1- النمل: 65.
2- المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص 12.

ص: 49

وعنده مفاتیح الغیب لا یعلمها إلا هو» (1).

وقال الشیخ محمد جمیل أیضاً فی کتابه - تحت عنوان توهُّم ودفع -:«... نفی بعض المتوهِّمین علم الإمام الحضوری، بدعوی أن القول بالحضوری یستلزم مشارکتهم علیهم السلام لله تعالی فی هذه الصفة، فالقول بالحضوری یستتبع الشرک والغلو».

ثم قال:«وهو مندفع: بأن إحاطة علمهم بالمعلومات لیس علی وجه العلِّیة والمعلولیة؛ ضرورة أن العلم بهذا المعنی من خصائص ذات الواجب المتعال، التی لا یشارکها الممکن فیه قطعاً» (2).

وهذا ما نجده أیضاً فی کلام بعض العلماء فی صدد الإجابة عن بعض الإشکالات علی نظریة الإمامة.

قال قدس سره:«... فإن کان یعنی أن الإمام علمه ذاتی کعلم البارئ تعالی لا یحتاج إلی التعلم، فذلک ما لا یدعیه أحد من الناس، وإنما المدَّعی کونه معلَّما من الرسول صلی الله علیه وآله وسلم جمیع ما یحتاج إلیه الناس فی أمور دینهم ودنیاهم، ومُفهَّما من الله علم التأویل، بحیث لا یشذ عنه حکم واقعة من الوقائع، ولا یُسأل عن شیء إلا وهو یعلمه من کتاب الله، علماً لا تغیر فیه ولا تبدیل ولا اختلاف، ولیس علماً اجتهادیاً، وحکماً نظریاً، یختلف باختلاف النظر، ویتغیر بتغیر الاجتهاد.

وإن عنی بقوله: بذاته. هذا المعنی المدَّعی، فلیس هذا علماً ذاتیاً، وإنما هو علم من الکتاب والسنة ولیس بخارج عنهما، لکنه علم یقینی لا یتطرَّق علیه التبدُّل والاختلاف بتبدل الأنظار واختلاف الاعتبار، فیخطی تارة وطوراً یصیب کحال أئمة المجیب...» (3).


1- الأمینی، عبد الحسین، الغدیر، ج5، ص 53.
2- حمُّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، ج 2، ص 14 - 15.
3- البحرانی، علی، منار الهدی فی النص علی إمامة الاثنی عشر علیهم السلام، ص 103.

ص: 50

ومن خلال ما ذکره العلاَّمة المظفر ومن تبعه فی هذا المقام، نجد أن الفارق واضح فی هذا الشأن، وملخصه: أن حقیقة العلم فی الله تعالی غیرها فی المعصوم علیه السلام، فذاک من سنخ الذاتیات، وهذا من سنخ العرضیات، فلا یبقی أی توهم لهذا الکلام، وذاک متقدم علی المعلومات وعلَّة لها، وهذا متأخر عنها ولیس بعلَّة لها.

وهذا المبحث وإن کان حقه أن یؤخر إلی الفصل الأخیر؛ حیث إنه من الشبهات التی تورد علی هذه النظریة بعد بیانها وقیام الدلیل علیها، إلا أننا قدمناه هنا وجعلناه - تبعاً لبعض العلماء - فی المقدمات والبحوث التمهیدیة للموضوع، للحاجة الضروریة إلی بیانه فی کثیر من الموارد، فهو سریع الإتیان إلی ذهن القارئ عن علم الإمام علیه السلام، فکل دلیل یقرأه علی العلم المطلق یری أنه یتنافی مع هذا التصور والتوهم المذکور، فیورده علیه.

فهو عام فی وروده علی أغلب الأدلة من جهة، وسریع التبادر إلی الأذهان من جهة أُخری، فسوَّغ للباحث أن یقدِّمه فی المباحث العامة للموضوع. 

ص: 51

المبحث الثالث: التطوُّر والسیر التاریخی لهذه المسألة

اشارة

إن الکلام عن الجذور التاریخیة للمسائل یُعین الباحث - فی بعض الأحیان - علی فَهْم الکثیر من الأمور التی تنفعه فی التوصل إلی نتائج مهمة ودقیقة؛ حیث تفتح له أبواباً وآفاقاً واسعة علی بعض جهات المسألة، والتداعیات التی جعلتها تُثار فی ذلک الوقت الذی أُثیرت فیه، وبهذه الطریقة والصیاغة الخاصة، وما هی الأسباب التی جعلتها تتوسع وتتعمق هکذا تعمُّق؛ وبما أن مسألتنا هذه لیست ببدع عن باقی المسائل تطرقنا إلی هذه الجهة أیضاً، فنقول:

إن الکلام عن علم الإمام علیه السلام بدأ فی بدایات القرن الأول للهجرة، إلا أنه کان علی مستوی بعض المبادرات من المعصومین علیهم السلام، سواء من قِبَل النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی حق أمیر المؤمنین علیه السلام، کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«... أنا مدینة العلم وعلی بابها...» (1).


1- الصدوق، محمد بن علی، عیون أخبار الرضا علیه السلام، ج2، ص210، والأمالی، ص 425. وکذا: الطبرانی، سلیمان، المعجم الکبیر، ج 11، ص 55.وأیضاً: النیسابوری، الحاکم، المستدرک علی الصحیحین، ج3، ص126.

ص: 52

وکما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«... إنی قد ترکت فیکم أمرین لن تضلوا بعدی ما إن تمسکتم بهما: کتاب الله، وعترتی أهل بیتی؛ فإن اللطیف الخبیر قد عهد إلیَّ أنهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض کهاتین - وجمع بین مسبحتیه - ولا أقول: کهاتین - وجمع بین المسبحة والوسطی - فتسبق إحداهما الأُخری، فتمسَّکوا بهما لا تزلُّوا ولا تضلُّوا، ولا تقدموهم فتضلوا» (1).

فإن فی هذا الحدیث إشارةً واضحةً من النبی (صلَّی الله علیه وآله) إلی علمهم المطلق علیهم السلام، کما یأتی الاستدلال به إن شاء الله تعالی، وغیر ذلک من الأحادیث الدالة علی علم الإمام الواسع، أم من قِبَل أمیر المؤمنین نفسه عندما یتکلَّم مع القوم فی مقام المحاجة والمخاصمة وغیرها، کقوله علیه السلام:

«أیها الناس، سلونی قبل أن تفقدونی، فلأنا بطرق السماء أعلم منِّی بطرق الأرض...»(2).

وقوله علیه السلام:

«علمنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ألف باب من العلم، کل باب منها یفتح ألف باب»(3).

وکما ورد عنه علیه السلام أنه قال:

«یا سلمان، الویل کل الویل لمَن لا یعرفنا حق معرفتنا وأنکر فضلنا! 


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 415.
2- خطب الإمام علی علیه السلام، نهج البلاغة، ج 2، ص 130.
3- النعمان، أبو حنیفة، شرح الأخبار، ج 2، ص 308.

ص: 53

یا سلمان، أیما أفضل: محمد صلی الله علیه وآله وسلم، أم سلیمان بن داود؟

فقال سلمان: بل محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

قال:

فهذا آصف بن برخیا قدر أن یحمل عرش بلقیس من مکانه إلی سلیمان فی طرفة عین؛ إذ کان عنده علم من الکتاب، وکیف لا أفعل أنا أضعاف ذلک وعندی علم ألف کتاب؟! أنزل الله علی شیث بن آدم خمسین صحیفة، وعلی إدریس ثلاثین صحیفة، وعلی إبراهیم عشرین صحیفة، وعلم التوراة والإنجیل والزبور والفرقان.

فقال: صدقت یا سیدی. قال:

اعلم - یا سلمان - إن الشاک فی أمرنا وعلومنا کالممتری فی معرفتنا وحقوقنا، وقد فرض ولایتنا فی کتابه فی غیر موضع، وبیَّن فیه ما وجب العمل به، وهو غیر مکشوف»(1).

ولکن هذه العملیة لم تتجاوز أن تکون إشارات وجیزة الألفاظ واسعة المعنی فی ذاتها؛ إلا أن الصحابة فی ذلک الوقت لم یبدر منهم أی استفسار أو تساؤل عن حقیقة هذا العلم وحدوده؛ الأمر الذی جعل هذا البحث مسکوتاً عنه بین عامة الناس إلی فترة لیست بالقلیلة.

وأما إذا رجعنا إلی النصوص الواردة عن أهل البیت علیهم السلام بعد هذه الفترة، نجد أن المسألة قد شاع الکلام والحدیث عنها بین المسلمین - وبشکل واسع إلی حد ما - فی أوائل القرن الثانی للهجرة؛ فقد وُجِد فی تراثنا الحدیثی عدة روایات تُنبئ


1- الطبری، محمد بن جریر، نوادر المعجزات، ص 18.

ص: 54

عن وجود کمٍّ هائل من الأسئلة حول علم الإمام وحدوده، مما یُستکشف منها وجود بعض الشبهات المطروحة آنذاک، أو لا أقل التساؤلات الجادَّة، وعن نیة صادقة وسلیمة، وإنما لمجرد معرفة مقام الإمام علیه السلام من هذه الجهة.

فعن أبی جعفر علیهم السلام قال:

«عجبت من قوم یتولونا ویجعلونا أئمةً، ویصفون أن طاعتنا مفترضة علیهم کطاعة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ثم یکسرون حجتهم، ویخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فینقصون حقنا ویعیبون ذلک علی من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسلیم لأمرنا ! أترون أن الله تبارک وتعالی افترض طاعة أولیائه علی عباده، ثم یُخفی عنهم أخبار السماوات والأرض، ویقطع عنهم مواد العلم فیما یرد علیهم مما فیه قوام دینهم؟!»

فقال له حمران:

جُعلت فداک، أرأیت ما کان من أمر قیام علی بن أبی طالب والحسن والحسین علیهم السلام وخروجهم وقیامهم بدین الله عزَّ ذِکرُه، وما أُصیبوا من قتل الطواغیت إیاهم والظفر بهم حتی قُتِلوا وغُلبوا؟

فقال أبو جعفر علیه السلام:

«یا حمران، إن شاء الله تبارک وتعالی قد کان قدَّر ذلک علیهم وقضاه وأمضاه وحتمه علی سبیل الاختیار (وفی نسخة الاختبار) ثم أجراه، فبتقدُّم علم إلیهم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قام علی والحسن والحسین، وبعلمٍ صمت مَن صمت منَّا، ولو أنهم - یا حمران - حیث نزل بهم ما نزل من أمر الله عزَّ وجل، وإظهار الطواغیت علیهم، سألوا الله عزَّ وجل أن یدفع عنهم ذلک، وألحُّوا علیه

ص: 55

فی طلب إزالة مُلک الطواغیت وذهاب ملکهم، إذاً لأجابهم ودفع ذلک عنهم، ثم کان انقضاء مدة الطواغیت وذهاب مُلکهم أسرع من سلک منظوم انقطع فتبدَّد، وما کان ذلک الذی أصابهم - یا حمران - لذنب اقترفوه، ولا لعقوبة معصیة خالفوا الله فیها، ولکن لمنازل وکرامة من الله أراد أن یبلغوها، فلا تذهبنَّ بک المذاهب فیهم» (1).

وفی حدیث آخر عن هشام بن الحکم قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام بمنی عن خمسمئة حرف من الکلام، فأقبلت أقول: یقولون: کذا وکذا !

قال: فیقول:

قل: کذا وکذا.

قلت: جعلت فداک، هذا الحلال وهذا الحرام، أعلم أنک صاحبه وأنک أعلم الناس به وهذا هو الکلام.

فقال لی:

«ویک (2) یا هشام لا یحتج الله تبارک وتعالی علی خلقه بحجة لا یکون عنده کل ما یحتاجون إلیه» (3).

وهذا الإمام الصادق علیه السلام یقول - مستنکراً علی مَن یقول: بأن الإمام لا یعلم بمماته -:


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 262.
2- ذکر المحقق للکافی الشریف أن هذه الکلمة لیست فی بعض النسخ، وفی بعضها [ ویحک ] وهی کلمة یستعمل فی موضع رأفة. أُنظُر: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 262، هامش رقم 5.
3- المصدر نفسه.

ص: 56

«أی إمام لا یعلم ما یصیبه وإلی ما یصیر؟! فلیس ذلک بحجة لله علی خلقه»(1).

وفی روایة أخری عن هشام بن الحکم، عن أبی عبد الله علیه السلام:

«... إن الله لا یجعل حجة فی أرضه یُسأل عن شیء فیقول: لا أدری» (2).

فهذه جملة من الأخبار التی تلهج بوجود بعض الاعتراضات والشبهات حول هذه المسألة، تصدَّّی للإجابة عنها الأئمة علیهم السلام.

وهناک روایات کثیرة فی هذا المعنی ترکت نقلها هنا روماً للاختصار، وأوکلتها إلی الفصل الثانی، فی مقام الاستدلال علی علمهم المطلق والحاضر علیهم السلام.

أما التوسُّع الواضح والملحوظ الذی شهدته الساحة العلمیة حول هذه المسألة، فهو ما جاء بعد عصر حضور الأئمة بین الناس - أی فی عصر الغیبة - وذلک عندما حاول بعضهم أن یلبس هذه الشبهات - التی بلت ثیابها واضمحلَّ وجودها بین أتباع أهل البیت (صلوات الله علیهم) - ثیاباً جدیدة أُخری، فابتدر بعض المغرضین لإثارتها مرة أُخری؛ الأمر الذی اضطر العلماء إلی الإجابة عنها من جدید، وبأسلوب وطریقة یفهمها الناس، إلا أن بعض الأجوبة کانت تتنافی (بظاهرها) مع هذه العقیدة، فجاءت علی إثر ذلک بعض المؤلفات تحقیقاً لها واستدلالاً علیها، بأدلة عدیدة وأسالیب مختلفة، فتوسعت فی العصور المتأخرة توسُّعاً واضحاً، واختلفت الآراء حول هذه المسألة، وصارت الأقوال تتزاید شیئاً فشیئاً، حتی وصلت إلی أربعة أقوال رئیسیة، تستبطن اتجاهات فرعیة، کما سوف یأتی بیانه فی الفصول اللاحقة إن شاء الله تعالی. 


1- المصدر نفسه، ص58.
2- المصدر نفسه، ص 227.

ص: 57

تنبیه: فی الاحتمالات المتصوَّرة فی سبب تأخُّر السؤال عن هذه المسألة إلی القرن الثانی

ثَمَّة سؤال یتردد فی ذهن القارئ الذی یطلع علی هذا المبحث، وهو: لماذا لم یسأل أصحاب النبی وأتباع الإمام علی (صلوات الله علیهما وعلی من جاء بعدهما من الأئمة) عن هذه المسألة المهمة، والتی حاول النبی (صلی الله علیه وآله) إثارتها بین الناس وتوضیحها لهم بنفسه؟ ولِمَ بقیتْ مسکوتاً عنها زهاء مئة عام أو یزید؟

وفی مقام الإجابة عن هذا السؤال توجد عدة احتمالات، نطرحها علی شکل نقاط:

أولاً: قد یکون السبب فی تأخُّر الخوض فی هذه المسألة هو عدم توفر الذهنیة المدرکة لهذه المسألة.

ثانیاً: أنها واضحة فی نفسها ومسلمة عندهم - خصوصاً الخواص منهم حیث کان منهم مَن عُرف بعلمه بالمنایا - غایة الأمر أنهم لم یلتفتوا للملازمات المترتبة علیها، والمحاذیر الموجودة والمستلزمة من القول بها؛ لعدم انفتاح المسلمین علی بعض العلوم التی تُبیِّن الملازمات بین الأشیاء، وأن الشیء إذا لزم منه أمر فاسد یکون فاسداً بحکم العقل، فبدأت تُوجَّه الأسئلة لأصحاب الأئمة بهذا الصدد؛ الأمر الذی ألجأهم إلی سؤال أئمتهم بذلک، وهذا ما یشعر به لحن الروایات والسؤال الذی طرحه حمران وغیره من الأخبار الأخری.

ثالثاً: ویحتمل - أیضاً - أن تکون إثارة هذه المسألة فی القرن الثانی ناشئة عن قصور فی فهمهم وضعف فی اعتقادهم، الأمر الذی کان قد أغنی الصحابة والتابعین الأُوَل عن السؤال وطلب التوضیح منهم علیهم السلام. 

ص: 58

رابعاً: ویمکن أن یکون النبی هو الذی ترک الدخول فی تفاصیل هذه المسألة؛ لمصلحة یعلمها، کما فی ترکه لبعض الأحکام غیر مبینة للناس لمصلحة التدرج فی الأحکام (1)، فقد یقال: إن النبی أُمِر بترک تفاصیلها إما لعدم استعداد الناس لتقبلها، أو لمصلحة أخری فی التأخیر.

خامساً: وهناک احتمال آخر، وهو أن الصحابة ومَن جاء بعدهم أدرکوا هذه المسألة، وخطر إلی أذهانهم ما یلزم منها، إلا أنهم تغافلوا عنها کما تغافلوا عن کثیر من أمثالها؛ إهمالاً منهم، کما یشهد لذلک الواقعة التی حصلت مع أمیر المؤمنین عندما تکلَّم عن دعاء الخضر علیه السلام (2)، أو أنهم سألوا عن تفاصیل علم الأئمة علیهم السلام وتلقوا الإجابة عنها، ولکن ضاعت ولم تصل إلینا. 


1- فقد جاءت الآیات القرآنیة بالتدرج لتحریم الخمر علی من أراد الدخول فی الصلاة، فقال تعالی: ((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُکَارَی... )) النساء: 43، وبعد أن وجدت الأرضیة لتقبل الحکم القاطع والأخیر جاء قوله تعالی: ((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ)) المائدة: 90.
2- أُنظُر: ابن طاووس، علی بن موسی، إقبال الأعمال، ج 3، ص 331.

ص: 59

المبحث الرابع: حدود العلم المطلق والإشائی الذی نبحث عنه

لا شک ولا ریب بأن الکلام فی مسألة علم الإمام علیه السلام، والنقض والإبرام بین العلماء إنما کان حول المسائل التی لم تخرج عن محل النزاع تخصصاً، والتی لم یدل العقل علی استحالتها، فمن تبنَّی أن علمهم علیهم السلام مطلق وحاضر لم یرد من کلامه ما یعم المسائل التی توافق العلماء علی استحالتها، وکذا الحال بالنسبة إلی من یری أن علمهم إشائی؛ فإنه لا یدعی أنهم علیهم السلام لو شاءوا أن یحیطوا بالواجب - مثلاً - لأمکنهم ذلک، بل هذه المسألة غیر منظورة فی کلام کل من تکلم حول هذا الموضوع.

فمثلاً: فی مسألة إحاطة الممکن بالواجب، والتی اتفق العلماء علی أنها غیر ممکنة، وأنها من المُحال - کما ثبت ذلک فی محله - لم یرد المثبتون لعلم الإمام علیه السلام إثباتها لهم، فهذه القضیة الخارجة تخصصاً غیر منظورة فی کلامنا قطعاً، ولا فی کلام العلماء کذلک؛ للتصریح من قِبَل کبار علمائنا بالاستحالة.

قال السید الخوئی قدس سره:«... أن الإنسان جاهل بحقیقة ذات الواجب

ص: 60

تعالی، ولا یتمکَّن من الإحاطة بکُنه ذاته سبحانه، حتی نبینا محمد صلی الله علیه وآله وسلم؛ وذلک لاستحالة إحاطة الممکن بالواجب...» (1).

فالکلام هنا لیس شاملاً لهذه المسألة، بل هو فی المسائل التی لم تکن من هذا القبیل.

إلا أن الظاهر من عبارة العلاَّمة الطباطبائی رحمه الله فی النهایة، أن إحاطة الممکن بذاته لیس من المُحال، وأنها من الممکنات، بل إنها الأصح عنده.

قال رحمه الله:«... وهل یختص العلم الحضوری بعلم الشیء بنفسه؟ أو یعمه وعلمَ العلَّة بمعلولها وعلمَ المعلول بعلَّته؟ ذهب المشاؤون إلی الأول، والإشراقیون إلی الثانی، وهو الحق...» (2).

غیر أن مراده قدس سره من هذا الکلام لیس الحضور والعلم الذی یستلزم الإحاطة بالواجب، بل بمعنی أن المعلول یعلم بعلَّته علماً وجدانیاً، وهی حاضرة عنده بالضرورة، وهذا ما یدل علیه ما یأتی بعد عبارته المتقدمة بقلیل، حیث قال: «... وکذلک العلة حاضرة بوجودها لمعلولها الرابط لها، القائم بها، المستقل باستقلالها، فهی معلومة لمعلولها علماً حضوریاً إذا کانا مجردین، وهو المطلوب»(3).

وعلی هذا الأساس؛ نعرف أن ما ذکره السید الخوئی لا یتنافی مع ما فی کلام العلامة الطباطبائی رحمه الله.

وکذلک لا ینافی هذه القاعدة - المسلَّمة البطلان - ما یظهر من قول النبی صلی


1- الفیاض، محمد إسحاق، محاضرات فی أصول الفقه تقریراً لأبحاث السید الخوئی، ج 2، ص 174.
2- الطباطبائی، محمد حسین، نهایة الحکمة، ص 318.
3- المصدر نفسه.

ص: 61

الله علیه وآله وسلم لأمیر المؤمنین علیه السلام:

«... ما عرف الله حق معرفته غیری وغیرک، وما عرفک حق معرفتک غیر الله وغیری»(1).

فإنه لیس من قبیل إحاطة الممکن بالواجب، بل من حیث أن معرفتهم بالمقدار المسموح والممکن لهم لا یعرفه أحد غیرهم علیهم السلام.

وکیف کان، فالبحث بین الأعلام وقع فی باقی المسائل التی لم یتسالم علی استحالتها، أو وجوبها، من قبیل علم الساعة وغیرها من المسائل التی لم یُحسَم أمرها بین الأعلام.

قال العلاَّمة المظفر قدس سره: «إن الکلام فی علم الإمام یشمل العلم بالساعة والآجال والمنایا وغیرها، مما ظاهره استئثاره به تعالی، والتی یجمعها قوله جلَّ شأنه:

((إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَیُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَیَعْلَمُ مَا فِی الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِی نَفْسٌ مَّاذَا تَکْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِی نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْضٍ تَمُوتُ )).

لأن النصوص الخاصة صریحة فی أن الله تعالی أطلعهم علی هذا العلم، بل وبعض الآیات الکریمة مثل قوله تعالی:

(یُظْهِرُ عَلَی غَیْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَی مِنْ رَسُولٍ)

وبها نرفع الید عن ظواهر الآیات والروایات التی دلت علی اختصاصه تعالی بها دون خلقه، أو یحمل الاختصاص علی العلم الذاتی دون العرضی» (2).


1- ابن شهرآشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب، ج3، ص60.
2- المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص 12.

ص: 62

وقال صاحب المعارف السلمانیة رحمه الله: «... وأما المراد من عموم کمِّیة علم الإمام علی القول بعمومه، فهو شمول علمه لکل ما کان وما یکون إلی یوم القیامة علی وجه الإیجاب الکلی، لا الإیجاب الجزئی الخاص بغیر علم الساعة والآجال والمنایا...» (1).

وقال محمد جمیل فی کتابه: «... لکن الخلاف وقع علی العلم فی الموضوعات الخارجیة الجزئیة الصرفة، بل تجرَّأ الحشویة من المدرسة الأُصولیة والأخباریة بأن علم الخلیفة علیه السلام لا یشمل العلم بالساعة والآجال والمنایا وغیرها، مما ظاهره استئثاره به تعالی...» (2).


1- اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص 29.
2- حمُّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، ج 2، ص 14.

ص: 63

المبحث الخامس: اختلاف العلماء فی دائرة وجوب الاعتقاد بهذه المسألة

اشارة

اختلف العلماء فی مقدار وحدود وجوب معرفة هذه المسألة علی الناس، بعد اتفاقهم علی أنها واجبة علی فئة خاصة، تکون هی القدر المتیقن من أقوالهم المذکورة فی المقام، فهناک مَن یری أنه تکفی المعرفة الإجمالیة؛ لتعذر المعرفة التفصیلیة علی کثیر من الناس، ومنهم من یری أنها تجب تفصیلاً علی بعض المکلفین - کالرجال مثلاً - وأما ما عدا الرجال من المکلفین، فیجب علیهم علی نحو الإجمال، ففَصَّل بین مَن کان باستطاعته معرفة ذلک عن غیره من سائر الناس، ففی الأول یجب علیه المعرفة التفصیلیة، وأما سائر الناس، فلا یجب علیهم بهذا النحو، وهناک من قال بوجوب المعرفة التفصیلیة مطلقاً؛ مستدلاً علی مدعاه بالأدلة الکثیرة، ومبطلاً لأدلة المانعین للوجوب المطلق علی الجمیع، محتجَّاً علیهم بأهمیة هذه المسألة أولا ً، وبأن المتبادر من کلمة المعرفة هو العلم التفصیلی، وإلیک ما ذُکر فی هذه المسألة من آراء وأقوال تفصیلاً: 

ص: 64

الرأی الأول: ترتب القول بالوجوب وعدمه علی النظر فی دلیل الإمامة 

لقد أوکل الشیخ المظفر هذه المسألة إلی ما یدل علیه الدلیل فی الإمام، فإن دلَّ علی وجوب أن یکون الإمام أعلم الموجودین وجب علی مَن دلَّ عنده هکذا معرفة ذلک والاعتقاد بها، ولکنه یری أن وجوب المعرفة التفصیلیة أیضاً من توابع الدلیل الدال علی وجوب معرفة الإمام، فإن دل علی المعرفة الشخصیة له علیه السلام وجبت معرفة علمه تفصیلاً، وإن لم یکن کذلک، وقلنا: بأنه تکفی معرفته إجمالاً، فکذلک لا تجب معرفة علمه تفصیلاً.

قال رحمه الله:

«... الأول: هو أن علم الإمام - بعد وجوب الاعتقاد به - هل یجب علی نحو التفصیل أو یکفی الإجمال.

الثانی: إن هذا الاعتقاد ضروری، بحیث یکون من لا یعتقد ذلک منکرا لضروری من الضروریات فی الدین، أولیس الأمر کذلک؟

أما الأول: فلم نجد دلیلاً یرشدنا إلی وجوب الاعتقاد تفصیلاً.

نعم، أقصی ما یدل علیه العقل، هو أن الإمام یجب أن یکون أعلم الناس فإذا وجب هذا، وجب علی القائل بالإمامة الاعتقاد بذلک، لأنه من شؤون الإمامة ولوازمها، ومَن أرشده الدلیل إلی التفصیل وجب علیه الاعتقاد بما وضح لدیه، لأنه من شؤون الإمامة عند ذاک... وکیف نستطیع أن نقول بوجوب الاعتقاد بالتفصیل مطلقاً، والمعرفة التفصیلیة متعذِّرة لمثل النساء والأطفال، بل وعامة الناس...» (1).


1- المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص 101.

ص: 65

الرأی الثانی: التفصیل بین أهل العلم من الناس وعامتهم 

لقد فصَّل السید اللاری رحمه الله فی هذه المسألة بین الخواص وأهل العلم، وبین العامة من باقی الناس، فتجب المعرفة التفصیلیة علی القسم الأول، والإجمالیة علی الثانی؛ لعدم القدرة علی ذلک من قِبَل العامة من الناس.

قال قدس سره:«... إن معرفة علم الأمام من حیث الکمیة والکیفیة وإن لم تکن کسائر العقائد الضروریة... إما لعدم الضرورة فیها أصلاً، وإما لأن الضرورة فیها علی تقدیره - کما هو الأصح - ضرورة خاصة بالخواص من أهل العلم، لا ضرورة عامة یعلم بها حتی النسوان...» (1).

وتبعه علی ذلک السید علی القاضی (شهید المحراب)؛ حیث قال رحمه الله:«... وحاصل الکلام: إن القول بکون معرفة علم الإمام علیه السلام من قبیل الاعتقادات المطلقة والتی یجب تحصیل العلم فیها علی جمیع المکلین إفراط، کما أن القول بکونها مشروطة ولیست واجبة علی الجمیع تفریط، ولکن الصحیح هو الحد الأوسط فی ذلک وهو عبارة عن کون معرفة علم الإمام علیه السلام من حیث الکمیة والکیفیة واجباً علی الخواص، أی علی أهل العلم من الناس فقط...» (2).

الرأی الثالث: وجوب المعرفة التفصیلیة علی جمیع الناس

أما إذا رجعنا إلی بعض المحققین الذین تطرَّقوا لهذا البحث، فإننا نراه اختار وجوب المعرفة التفصیلیة علی الجمیع؛ مستنداً إلی أدلة کثیرة من العقل والنقل، بعد أن ناقش أدلة القول باختصاصه علی الخاصة من أهل العلم، فذکر أن الانصراف ممنوع؛


1- اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص 182.
2- القاضی، محمد علی، مقدمه ای بر کتاب علم الإمام، ص 62 (نقلاً بالترجمة).

ص: 66

لأنه خلاف الأصل والظاهر من کلمات اللغویین فی التفریق بین لفظ (المعرفة) و(العلم).

قال:«... والذی یستحق البحث فی هذا المقام أمران... أما الأمر الأول ففیه قولان:

أحدهما: وجوب المعرفة المطلقة، بمعنی أن الاعتقاد بماهیة علم الإمام ومقداره واجب مطلقاً علی کل الأفراد، دون فرق بین الخاصة والعامة من الناس.

ثانیهما: وجوب المعرفة القهریة، بمعنی أن وجوب الاعتقاد بماهیة علم الإمام ومقداره متوقِّف علی الخواص من أهل العلم...

القول الأول هو الأرجح، وسیأتی بیان دلیله...» (1).

وقد ذکر أدلة کثیرة علی مدَّعاه، أعرضنا عن ذکرها فی المقام توخیاً للاختصار.

تنبیهات

اشارة

بعد أن لاحظنا الأقوال التی ذکرت فی المقام - والتی تبناها العلماء والمحققون - یجب التنبیه علی بعض الأمور الضروریة، وهی:

الأمر الأول: ما نستفیده من مجموع الأقوال

من خلال ما تقدم من أقوال حول الاعتقاد بهذه المسألة بین الأعلام، نستفید أن هناک قاسماً مشترکاً بین الأقوال، یمکن أن یکون قدرا متیقناً یقطع به القارئ الکریم، وهذا القدر المتیقن والمشترک بین الأقوال هو أن الخواص من الناس - ومن تسنَّی له معرفة هذه المسألة - یجب علیهم معرفتها والاعتقاد بها قطعاً؛ حیث إن غایة ما ناقش


1- حمُّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، ج 2، ص 23.

ص: 67

به المانع للمعرفة التفصیلیة، هو بیان أنها متعذرة علی مثل العوام عموماً، أو علی النساء والأطفال بالخصوص، أما غیرهم من الناس - وهم الخواص - فلم یناقش فی وجوبه علیهم تفصیلاً؛ فیکون هو القدر المتیقن من هذا المبحث، وحینئذ یمکننا أن نقول: إن البحث والخوض فی هذه المسألة من وظائف العلماء والمتعلمین وواجباتهم، وأنها واجبة علیهم بالوجوب العینی.

الأمر الثانی: فی حقیقة هذا الوجوب وماهیته

یتردد سؤال فی الذهن حول الوجوب الذی أثبته العلماء والمحققون فی هذه المسألة، فهل هو وجوب شرعی، أو عقلی؟ بمعنی أن الحاکم بهذا الوجوب علی المکلفین هل هو الشارع المقدس، أم أن الحکم بمثل هذه المسائل لیس من مختصات الشرع، وإنما الذی یتکفل بذلک هو العقل؟

فلو قلنا: إن الوجوب هنا شرعی، لکان ذلک دلیلاً علی أن المسألة قابلة للإثبات من خلال الأدلة الشرعیة، والتی هی من قبیل الآیات والروایات، وکذا الحال فیما لو قلنا: إن الوجوب قد دل علیه الشرع والعقل.

وأما إذا قلنا: إنه من الوجوب العقلی الصرف، انطوی تحت المسائل التی یتعین علی المکلف تحصیل الدلیل بمعزل عن الشرع.

فقد یقال: أن وجوب معرفة علم الإمام علیه السلام من صغریات وجوب المعرفة، وهو وجوب عقلی بالاتفاق، ویمکن استفادة هذا الکلام من ظاهر عبارات بعض المحققین فی هذه المسألة(1).

والذی یظهر لنا من خلال تتبع کلمات من بحث حول هذه المسألة، أن هذا


1- حمُّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، ج 2، ص 23.

ص: 68

الوجوب شرعی وعقلی أیضاً، کما تقدم نقل کلماتهم فی الأمر الأول من مبحثنا هذا، ویدل علیه أیضاً ما سوف یأتی فی الأمر الثالث، عند الکلام عن الدلیل الذی یکفی لإثبات هذه المسألة.

الأمر الثالث: فی الدلیل الذی یکفی فی إثبات هذه المسألة

ذهب المشهور من العلماء إلی أن المسائل الاعتقادیة لا یجوز لأحد من المکلفین التقلید فیها إطلاقاً، وأن الواجب علی کل مکلف أن یحصل علی الدلیل الذی یُثبت بواسطته معتقداته، إلا أنهم اختلفوا فی المقدار الذی یکفی فی الاستدلال علی بعض المسائل الاعتقادیة، بعد أن اتفقوا علی أن المسائل الأساسیة منها - کالتوحید مثلاً - لا بد أن یحصل للمکلف الیقین بها، وأن یکون دلیله قطعیاً.

أما باقی المسائل المتفرعة علی أصول المعتقدات، فقد اختلفوا فیها، فهل یکفی فیها الظن المعتبر، أم یجب أن تکون الأدلة علیها قطعیة ویقینیة کذلک؟

فذهب جمع من کبار علمائنا إلی کفایة الظن المعتبر، والذی قام الدلیل علی حجیته فی إثبات بعض المسائل الاعتقادیة، وهی المسائل التی یکفی التسلیم بها.

وقبل الخوض فیما هو الصحیح من الآراء فی المقام، ینبغی التنبیه علی أن المسائل الاعتقادیة علی نحوین:

النحو الأول: ما یجب تحصیل العلم والمعرفة به، وعقد القلب وتوطینه علی المعلوم بذاته - أی یجب الجزم به - کالتوحید وأصل النبوة وغیرهما من المسائل الاعتقادیة الأولیة، وهذا النوع یجب أن تکون أدلته قطعیة ویقینیة.

النحو الثانی: ما یکفی التسلیم به والتبانی علیه فقط، ولا یجب انعقاد القلب علیه، کالتفاصیل المرتبطة بالرجعة والشفاعة ونحوهما من المسائل المتفرعة علی أصول

ص: 69

المعتقدات، وهذا النوع یکفی لإثباته الدلیل الظنِّی المعتبر، ولا یجب أن یکون دلیله قطعیاً.

وهذا التقسیم ذکره الشیخ الأعظم رحمه الله فی فرائده؛ فإنه - بعد أن ذکر کلام الأعلام فی هذه المسألة - قال:«... ثم إن محل الکلام فی کلمات هؤلاء الأعلام غیر منقح، فالأوْلی ذکر الجهات التی یمکن أن یتکلم فیها، وتعقیب کل واحدة منها بما یقتضیه النظر من حکمها، فنقول - مستعیناً بالله -: إن مسائل أصول الدین - وهی التی لا یطلب فیها أولاً وبالذات إلا الاعتقاد باطناً والتدین ظاهراً، وإن ترتب علی وجوب ذلک بعض الآثار العملیة - علی قسمین:

أحدهما: ما یجب علی المکلف الاعتقاد والتدین به، غیر مشروط بحصول العلم کالمعارف، فیکون تحصیل العلم من مقدمات الواجب المطلق، فیجب.

الثانی: ما یجب الاعتقاد والتدین به إذا اتفق حصول العلم به، کبعض تفاصیل المعارف...»(1).

وقد صرَّح بهذا التفریق المحقق الأصفهانی قدس سره فی شرحه علی الکفایة أیضاً؛ حیث قال رحمه الله: «... أن الواجب فی باب الأمور الاعتقادیة إما تحصیل العلم والمعرفة، أو عقد القلب علی المعلوم بما هو معلوم بنحو الواجب المطلق أو المشروط، أو عقد القلب علی الواقع.

فإن کان الواجب تحصیل العلم أو عقد القلب علی المعلوم بما هو، فلا مجال لإجراء مقدمات الانسداد، بل باب الامتثال منسد رأساً، فإن الواجب إما هو نفس تحصیل العلم الذی لا سبیل إلیه، أو متقوُّم بالعلم الذی لا سبیل إلیه، لا أن باب


1- الأنصاری، مرتضی، فرائد الأصول، ج 1،ص555.

ص: 70

الامتثال العلمی التفصیلی منسد، فیتنزل إلی الامتثال العلم الإجمالی أو الظنی التفصیلی.

ومنه یعلم أنه لا مجال لحجیة الظن بالخصوص فیه أیضاً؛ إذ لا أثر للواقع حتی یترتب علی المؤدَّی تنزیلاً له منزلة الواقع.

وأما إن کان الواجب عقد القلب علی الواقع، فالعلم منجز للتکلیف وطریق الامتثال عقلاً، فعند انسداد باب العلم وتمامیة سائر المقدمات تصل النوبة إلی حجیة الظن ولزوم عقد القلب عقلاً علی الواقع المظنون؛ من باب التنزُّل عن الإطاعة العلمیة إلی الإطاعة الظنیة...»(1).

وصرح بهذا التفصیل أیضاً السید أبو الحسن الأصفهانی فی وسیلته؛ حیث قال رحمه الله:«...الأمور الاعتقادیة علی قسمین:

أحدهما: ما یکون المطلوب فیه نفس المعرفة والإیقان به، إما عقلاً أو شرعاً کمعرفة المنعم وما یرجع إلیه من صفاته، ومعرفة النبی، بل الإمام بناءً علی الأصح، ومقابل الأصح أنها من الواجبات الفرعیة، کما هو قول العامة، وعلی هذا یکون الإمامة مما تجب معرفته شرعاً لا عقلاً.

والثانی: ما یکون المطلوب منه عقد الطلب والالتزام إما عقلاً أو شرعاً کتفاصیل البرزخ والمعاد - مثلاً - وفی کلا القسمین إن أُرید إجراء الاستصحاب بالنسبة إلی الأحکام المتعلقة بهما، کوجوب هذه المعرفة أو هذا الاعتقاد والالتزام فلا مانع منه، إذا کان الدلیل علی الوجوب هو الشرع؛ لتحقق موضوعه وهو الیقین السابق والشک اللاحق، کما فی الأحکام الفرعیة، وإن کان الدلیل علی الوجوب هو العقل فلا یجری الاستصحاب، کما لا یجری بالنسبة إلی الأحکام الفرعیة التی یکون الدلیل علیها هو


1- الأصفهانی، محمد حسین، نهایة الدرایة، ج 2، ص 369.

ص: 71

العقل، لما تقدم من أن العقل إن أحرز موضوع حکمه فیحکم به قطعاً، وإن لم یحرزه فلا یحکم به قطعاً، فلیس مورد شک حتی یجری فیه الاستصحاب...»(1).

وقد ذکر المحقق الأصفهانی - فی موضع آخر من کتابه - أن مسألة قیام الظن مقام القطع فی الأصول الاعتقادیة مبنائیة وخلافیة بین العلماء، وغیر متفق علیها بینهم؛ حیث قال قدس سره:«... إشارةً إلی أن المطلوب فی الاعتقادات إن کان المعرفة والیقین أو عقد القلب علی ما جزم به النفس، فلا محالة لا معنی لحجیة الظاهر لعدم إفادته الیقین. وإن کان مجرد عقد القلب علی ما وصل إلیه ولو تنزیلاً، فلا بأس لحجیة الظاهر فیها...»(2).

وهذا الخلاف واضح لمن راجع کلمات الأعلام التی ذُکِرت فی المقام؛ فقد خالف فی ذلک الآخوند الخراسانی قدس سره؛ حیث ذهب إلی عدم إمکان الاکتفاء بالظن فی المسائل الاعتقادیة.

قال رحمه الله:«... هل الظن کما یُتَّبع عند الانسداد عقلاً فی الفروع العملیة، المطلوب فیها أولاً العمل بالجوارح، یُتَّبع فی الأصول الاعتقادیة المطلوب فیها عمل الجوانح من الاعتقاد به وعقد القلب علیه وتحمله والانقیاد له، أو لا؟

الظاهر لا؛ فإن الأمر الاعتقادی وإن انسد باب القطع به، إلا أن باب الاعتقاد إجمالاً - بما هو واقعه والانقیاد له وتحمله - غیر منسد، بخلاف العمل بالجوارح، فإنه لا یکاد یعلم مطابقته مع ما هو واقعه إلا بالاحتیاط، والمفروض عدم وجوبه شرعاً، أو عدم جوازه عقلاً، ولا أقرب من العمل علی وفق الظن.


1- السبزواری، حسن، وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ص 778، تقریراً لبحث السید أبو الحسن الأصفهانی.
2- الإصفهانی، محمد حسین، نهایة الدرایة، ج 2، ص 171، هامش رقم 1.

ص: 72

وبالجملة: لا موجب مع انسداد باب العلم فی الاعتقادیات لترتیب الأعمال الجوانحیة علی الظن فیها، مع إمکان ترتیبها علی ما هو الواقع فیها، فلا یتحمل إلا لما هو الواقع، ولا ینقاد إلا له، لا لما هو مظنونه، وهذا بخلاف العملیات، فإنه لا محیص عن العمل بالظن فیها مع مقدمات الانسداد... ثم لا استقلال للعقل بوجوب تحصیل الظن مع الیأس عن تحصیل العلم، فیما یجب تحصیله عقلاً لو أمکن، لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه، بل بعدم جوازه؛ لما أشرنا إلیه من أن الأمور الاعتقادیة مع عدم القطع بها أمکن الاعتقاد بما هو واقعها والانقیاد لها، فلا إلجاء فیها أصلاً إلی التنزل إلی الظن فیما انسد فیه باب العلم، بخلاف الفروع العملیة، کما لا یخفی.

وکذلک لا دلالة من النقل علی وجوبه، فیما یجب معرفته مع الإمکان شرعاً، بل الأدلة الدالة علی النهی عن اتِّباع الظن، دلیل علی عدم جوازه أیضاً...» (1).

وقد وافقه علی ذلک السید أبو الحسن الأصفهانی رحمه الله عندما تطرَّق إلی هذا المبحث فی کتابه؛ حیث ذهب إلی عدم جواز الاکتفاء بالظن فی المسائل الاعتقادیة.

قال:«... وأما بالنسبة إلی الاعتقاد وعقد القلب، فلما کان عقد القلب علی واقع الشیء علی إجماله أمراً ممکناً، فیعقد قلبه علی واقعه علی إجماله، ولا حاجة إلی تحصیل الظن وعقد القلب علیه، بل ربما لا یجوز من هذه الجهة، أی من جهة إمکان عقد القلب علی واقعه علی ما هو علیه، وهذا بخلاف الفروع العملیة المطلوب فیها عمل الجوارح؛ فإن العمل علی واقع الشیء علی إجماله غیر ممکن، فلا بد من التنزُّل إلی الظن عند عدم التمکن من العلم.

فتحصل: أن فی الأمور الاعتقادیة التی یجب فیها المعرفة وعقد القلب لا یتنزل


1- الآخوند، محمد کاظم، کفایة الأصول، ص 329.

ص: 73

إلی الظن عند عدم التمکن من العلم، لا من حیث وجوب المعرفة؛ لأن الظن لیس معرفة، ولا من حیث وجوب عقد القلب؛ لأن عقد القلب علی واقع الشیء مجملاً ممکن، بخلاف الأعمال الجوارحیة التی لا یمکن العمل فیها علی واقع الشیء علی إجماله، فلا بد من التنزُّل إلی الظن عند عدم التمکن من تحصیل العلم...» (1).

وکذا ما ذکره المحقِّق العراقی قدس سره فی المقام:«... فی المسائل الاعتقادیة المطلوب فیها عمل الجوانح، فقد وقع الکلام فیها فی وجوب تحصیل الظن فیها وقیامه مقام العلم فی وجوب عقد القلب والتدین والانقیاد علی طبقه وعدمه (ولکن) التحقیق الثانی؛ فإن الاکتفاء بالظن فی الأحکام الفرعیة والمسائل العملیة عند انسداد باب العلم والعلمی فیها إنما هو من جهة عدم التمکن من تحصیل الواقع إلا بالاحتیاط المفروض عدم وجوبه، أو عدم التمکن منه، فمن ذلک یتعین بحکم العقل الأخذ بالأقرب إلی الواقع والعمل علی طبقه، وهذا المعنی لا یجری فی الأصول الاعتقادیة، فإن باب العلم وإن فرض انسداده فیها (إلا) أن باب الاعتقاد الإجمالی بما هو واقع الأمر والتدین والانقیاد به علی ما کان غیر منسد علی المکلف، فلا مجال لجریان دلیل الانسداد فیها کی ینتهی الأمر إلی وجوب الانقیاد بمظنونه. وحینئذ؛ فالواجب أولاً هو تحصیل المعرفة بما یجب الاعتقاد به کمعرفة الواجب تعالی، وما یرجع إلیه من صفات الجلال والجمال، ومعرفة أنبیائه ورسله وحججه الذین هم وسائط نعمه، مع التدین والانقیاد لجمیع ذلک، ومع عدم التمکن من المعرفة التفصیلیة یعتقد وینقاد بما هو الواقع بنحو الإجمال، (وأما) وجوب تحصیل الظن علیه والتدین والانقیاد بمظنونه، فلا دلیل علیه؛ لعدم حکم للعقل حینئذ بوجوبه، وعدم ثبوت کون مثله من مراتب شکر المنعم، خصوصاً


1- السبزواری، حسن، وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ص 562، تقریرا لبحث السید أبو الحسن الأصفهانی.

ص: 74

مع التمکن من الاعتقاد الإجمالی بما هو واقع الأمر؛ إذ حینئذ لا إلجاء فی التنزل إلی الظن کما کان فی الفروع العملیة...»(1).

وفی قبال هذا الرأی یوجد رأی آخر فی هذه المسألة؛ فقد فصَّل الشیخ الأعظم قدس سره فی هذه المسألة، وفرق بین الأخذ بالدلیل الظنی إذا کان بمعنی التصدیق به وبما یحتویه من معنی، کما هو رأی بعض العلماء فی معنی حجیة الدلیل الظنی المعتبر.

قال الشیخ الأعظم قدس سره:«... لکن یمکن أن یقال: إنه إذا حصل الظن من الخبر: فإن أرادوا بعدم وجوب التصدیق بمقتضی الخبر عدم تصدیقه علماً أو ظناً، فعدم حصول الأول کحصول الثانی قهری لا یتصف بالوجوب وعدمه. وإن أرادوا التدین به الذی ذکرنا وجوبه فی الاعتقادیات، وعدم الاکتفاء فیها بمجرد الاعتقاد - کما یظهر من بعض الأخبار الدالة علی أن فرض اللسان القول والتعبیر عما عقد علیه القلب وأقر به، مستشهدا علی ذلک بقوله تعالی:

((قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَیْنَا...))(2).

فلا مانع من وجوبه فی مورد خبر الواحد، بناءً علی أن هذا نوع عمل بالخبر، فإن ما دل علی وجوب تصدیق العادل لا یأبی الشمول لمثل ذلک.

نعم، لو کان العمل بالخبر لا لأجل الدلیل الخاص علی وجوب العمل به، بل من جهة الحاجة إلیه - لثبوت التکلیف وانسداد باب العلم - لم یکن وجه للعمل به فی مورد لم یثبت التکلیف فیه بالواقع کما هو المفروض، أو یقال: إن عمدة أدلة حجیة أخبار الآحاد - وهی الإجماع العملی - لا تساعد علی ذلک.


1- البروجردی، محمد تقی، نهایة الأفکار، ج 3، ص 187، تقریراً لبحث الشیخ ضیاء الدین العراقی.
2- البقرة: 136.

ص: 75

ومما ذکرنا یظهر الکلام فی العمل بظاهر الکتاب والخبر المتواتر فی أصول الدین، فإنه قد لا یأبی دلیل حجیة الظواهر عن وجوب التدین بما تدل علیه من المسائل...»(1).

وقد صرح السید الخوئی قدس سره أیضاً بالاکتفاء بالظن فی بعض المسائل الاعتقادیة، وتبنَّی ذلک صراحةً؛ حیث قال:«... وأما الظن المتعلق بالأصول الاعتقادیة، فلا ینبغی الشک فی عدم جواز الاکتفاء بالظن فیما یجب معرفته عقلاً، کمعرفة الباری جلَّ شأنه، أو شرعاً کمعرفة المعاد الجسمانی؛ إذ لا یصدق علیه المعرفة، ولا یکون تحصیله خروجاً من ظلمة الجهل إلی نور العلم، وقد ذکرنا فی بحث القطع، أن الأمارات لا تقوم مقام القطع المأخوذ فی الموضوع علی نحو الصفتیة، فلا بد من تحصیل العلم والمعرفة مع الإمکان، ومع العجز عنه لا إشکال فی أنه غیر مکلف بتحصیله؛ إذ العقل مستقل بقبح التکلیف بغیر المقدور...

هذا کله فیما إذا کان الظن متعلقاً بما تجب معرفته عقلاً أو شرعاً.

وأما إن کان الظن متعلقاً بما یجب التبانی وعقد القلب علیه، والتسلیم والانقیاد له، کتفاصیل البرزخ وتفاصیل المعاد، ووقائع یوم القیامة، وتفاصیل الصراط والمیزان ونحو ذلک، مما لا تجب معرفته، وإنما الواجب عقد القلب علیه والانقیاد له علی تقدیر إخبار النبی صلی الله علیه وآله وسلم به، فإن کان الظن المتعلق بهذه الأمور من الظنون الخاصة، الثابتة حجیتها بغیر دلیل الانسداد فهو حجة، بمعنی أنه لا مانع من الالتزام بمتعلقه وعقد القلب علیه؛ لأنه ثابت بالتعبد الشرعی، بلا فرق بین أن تکون الحجیة بمعنی جعل الطریقیة کما اخترناه، أو بمعنی جعل المنجزیة والمعذریة کما اختاره صاحب الکفایة رحمه الله ...» (2).


1- الأنصاری، مرتضی، فرائد الأصول، ج 1، ص 557.
2- البهسودی، محمد سرور، مصباح الأصول، ج 2، ص 236 تقریراً لأبحاث السید للخوئی.

ص: 76

إذاً؛ فالمسألة محل للخلاف بین الأعلام کما صرحوا بذلک.

والذی نراه فی المقام أن ما ذهب إلیه صاحب النهایة والمصباح هو الصواب فی المسألة؛ فإن المسائل المتفرِّعة علی المسائل الأساسیة من المعتقدات، لا تکون متعسِّرة الثبوت بواسطة الظن المعتبر، فبعد الإیمان بالخالق، وأنه أرسل الرسل والحجج علی الخلق إلینا... فإذا أخبروا بشیء وثبت لنا اعتبار ذلک وحجیته، حصل الإذعان والتسلیم به من قِبلهم، ولا نحتاج إلی أکثر من ذلک فی ثبوتها لنا، فلو أخبر النبی صلی الله علیه وآله وسلم، أو الإمام علیه السلام، بتفاصیل البرزخ، أو ما یتعلق بیوم القیامة من أمور، ووصلنا إخبارهم بطریق معتبر - وإن لم یصل حد التواتر -؛ لکان ذلک کافیاً لجعله مصدَّقاً به عندنا وحجة علینا، وهذا هو معنی الاکتفاء بالظن فی الأصول الاعتقادیة لا أکثر، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار الرأی الصواب فی معنی اعتبار وحجیة الخبر، وأنه بمعنی التصدیق بما یحمل من مضمون، سواء کان یحمل حکماً شرعیاً أم کان یحمل إخباراً عن واقعة أو شیء آخر (1).

وهذا أمر واضح لا غبار علیه، إلا أن الکلام فی الضابطة التی علی أساسها نُمیِّز بین المسائل الاعتقادیة، ونعرف بأن مسألةً ما من النحو الأول أم الثانی أولاً، وأن مسألتنا من أی النحوین ثانیاً، فهل هی من الأول أم من الثانی؟

وقد اعترف بعض الفطاحل من علمائنا بأن هذا الأمر غیر واضح، وأنه من الصعب التمییز بین القسمین.

قال الشیخ الأنصاری قدس سره:«... ثم إن الفرق بین القسمین المذکورین،


1- أُنظُر: الآخوند، محمد کاظم، کفایة الأصول، ص 297؛ حیث قال قدس سره: «هذا مضافاً إلی القطع بتحقق ما هو المناط فی سائر الآثار فی هذا الأثر - أی وجوب التصدیق - بعد تحققه بهذا الخطاب...».

ص: 77

وتمییز ما یجب تحصیل العلم به عما لا یجب فی غایة الإشکال.

وقد ذکر العلاَّمة قدس سره فی الباب الحادی عشر - فیما یجب معرفته علی کل مکلف من تفاصیل التوحید والنبوة والإمامة والمعاد - أموراً لا دلیل علی وجوبها کذلک، مدعیاً أن الجاهل بها عن نظر واستدلال خارج عن ربقة الإیمان مستحق للعذاب الدائم. وهو فی غایة الإشکال...» (1).

لکن یمکن أن نقول: إنه بإمکاننا أن نستعین ببعض الطرق التی تحل لنا هذه المشکلة، وهذه الطرق نجعلها ضوابط عامة نستفید منها فی کل مسألة أشکلت علینا معرفة الدلیل الکافی لإثباتها أو نفیها، وهذه الضوابط هی:

الضابطة الأُولی: من خلال معرفة الدلیل الذی دل علی وجوبها

إذا أمکننا أن نعرف نوع الدلیل الذی أوجب علینا الاعتقاد بالمسألة التی یراد الاستدلال علیها إثباتا أو نفیا، فإنه سوف یتضح لنا الدلیل الکافی فی إثباتها أو نفیها کذلک.

فمثلا: لو ترددنا فی أن مسألة البرزخ من أی أقسام المسائل الاعتقادیة لکفانا أن ننظر بالدلیل الذی أوجب علینا النظر فیها، فإن کانت واجبة الاعتقاد بحکم العقل لما أمکن الاستدلال علیها بالأدلة الظنیة کالاستصحاب أو الأمارات الأخری، وإن کان دلیل وجوب الاعتقاد بها هو حکم الشارع لصح الاستناد لإثباتها عن طریق الأدلة الظنیة المعتبرة.

وتُستفاد هذه الضابطة من کلام السبزواری رحمه الله؛ حیث قال:«... إن أُرید إجراء الاستصحاب بالنسبة إلی الأحکام المتعلقة بهما، کوجوب هذه المعرفة أو هذا


1- الأنصاری، مرتضی، فرائد الأصول، ج1، ص 559.

ص: 78

الاعتقاد والالتزام فلا مانع منه، إذا کان الدلیل علی الوجوب هو الشرع؛ لتحقق موضوعه وهو الیقین السابق والشک اللاحق، کما فی الأحکام الفرعیة، وإن کان الدلیل علی الوجوب هو العقل فلا یجری الاستصحاب، کما لا یجری بالنسبة إلی الأحکام الفرعیة التی یکون الدلیل علیها هو العقل...» (1).

الضابطة الثانیة: من خلال معنی وحقیقة المسألة 

أن نعرف المراد من المسألة الاعتقادیة بالخصوص، بأن نلاحظ ما هو المعنی الذی أرید من هذا المصطلح، فبعد أن یتبین لنا المراد منه، یتسنی لنا معرفة المقدار الکافی لإثباتها.

وقد استفاد من هذه الطریقة الآخوند الخراسانی رحمه الله فی کفایته، عندما ادُّعی إمکان إثبات بقاء النبوة السابقة بالاستصحاب، فقد فصل فی معانی النبوة، وبیَّن لنا أن ما یرید إثباته الکتابی لا یجری فیه الاستصحاب، وما یجری فیه من معنی لا ینفع الکتابی لأنه معنی آخر أجنبی عما یریده.

فقال قدس سره:«... وقد انقدح بذلک أنه لا مجال له فی نفس النبوة: إذا کانت ناشئة من کمال النفس بمثابة یوحی إلیها، وکانت لازمة لبعض مراتب کمالها، إما لعدم الشک فیها بعد اتصاف النفس بها، أو لعدم کونها مجعولة بل من الصفات الخارجیة التکوینیة...

نعم لو کانت النبوة من المناصب المجعولة وکانت کالولایة، وإن کان لابد فی إعطائها من أهلیة وخصوصیة یستحق بها لها، لکانت موردا للاستصحاب بنفسها،


1- السبزواری، حسن، وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ص 778، تقریراً لبحث السید أبو الحسن الأصفهانی.

ص: 79

فیترتب علیها آثارها ولو کانت عقلیة بعد استصحابها، لکنه یحتاج إلی دلیل کان هناک غیر منوط بها، وإلا لدار، کما لا یخفی.

 وأما استصحابها بمعنی استصحاب بعض أحکام شریعة من اتصف بها، فلا إشکال فیها کما مر...» (1).

الضابطة الثالثة: أن نستکشف المرتبة التی تقع فیها المسألة الاعتقادیة 

ومن الطرق التی تساعدنا علی تمییز المسائل الاعتقادیة... هو أن نعرف المرتبة والدرجة التی تحتلها بالنسبة إلی المعتقدات الأخری، فإذا وجدنا مسألةً ما تحتل المرتبة الأساسیة والأُولی فی الدین؛ بحیث یتوقف علیها الإیمان بهذا الدین، کمسألة التوحید مثلا؛ نعرف أن إثباتها عن طریق الأدلة الظنیة المعتبرة أمر متعسر ومحال، بل لا یمکن إثباتها عن طریق الشرع أساساً، وأما إذا تبین أنها مسألة فرعیة وبرتبة متأخرة عن کثیر من المعتقدات أمکن التوسل بمثل هذه الأدلة...

وأما کون مسألتنا من النحو الثانی من المسائل الاعتقادیة، فذلک لانطباق بعض الضوابط علیها؛ حیث إن لسان الدلیل الذی دل علی وجوب الاعتقاد بها یدل علی أنها من المسائل التی یکفی التبانی علیها والتسلیم بها، ولو عن طریق إخبار المعصوم علیه السلام بذلک؛ ولأنها من الأمور المتفرعة علی التصدیق بالإمام علیه السلام...

یشهد لذلک إخبار الإمام الصادق علیه السلام بعض أصحابه بحقیقة علمهم علیه السلام وکیفیته، کما سوف یأتی ذکرها مفصلاً فی الفصل الثانی إن شاء الله تعالی.

وقد صرَّح بذلک المیرزا جواد التبریزی رحمه الله، حیث قال - فی صدد الإجابة عن سؤال ما نصُّه هکذا: مقولة أن العقائد قضیة عقلیة، یجب أن یصل المکلف إلیها


1- أُنظُر: محمد کاظم، الآخوند، کفایة الأصول، ص 423.

ص: 80

مباشرة، فیعرف برهانها ویذعن لها، لا أن یأخذها تقلیداً، هل یشمل ذلک جمیع العقائد أم أصولها وأسسها دون تفصیلاتها؟ ماذا عن التفصیلات المختلف فیها، فمثلا الروایات التی تتحدَّث عن حدود علم الإمام علیه السلام هل لنا أن نرفضها؛ لأن الضرورة العقلیة لا تقتضی وجوبها علی الإمام علیه السلام؟ -:

 «الأصول الاعتقادیة علی قسمین: منها ما یجب البناء وعقد القلب علیه، والتسلیم والانقیاد له، کأحوال ما بعد الموت من مسألة القبر والحساب، والکتاب والصراط والمیزان، والجنة والنار وغیر ذلک، فإنه لا یجب علی المکلف تحصیل المعرفة بخصوصیات الأمور المذکورة، بل الواجب علیه إنما هو البناء وعقد القلب علی ما هو علیه الواقع من جهة إخبار النبی صلی الله علیه وآله وسلم أو الوصی علیه السلام بها.

وقسم منها ما یجب معرفته عقلاً أو شرعاً، کمعرفة الله سبحانه وتعالی، ومعرفة أنبیائه وأوصیائه، وأنهم أئمة معصومون، وأحکام الشرع عندهم، وتأویل القرآن وتفسیره لدیهم، وأما سائر الخصوصیات الواردة فیکفی التصدیق بها، ولا یجوز إنکار ما ورد فی علمهم، وسائر شؤونهم علیهم السلام حتی إذا لم یکن فی البین روایة صحیحة، فضلاً عن وجود الروایة الصحیحة...»(1)


1- التبریزی، المیرزا جواد، صراط النجاة، ج3، ص424.

ص: 81

الفصل الثانی: النظریة الإطلاقیة روادها وأدلتها من القرآن والسُّنَّة

اشارة

وفیه مبحثان:

* المبحث الأول: عبائر العلماء الذین صرَّحوا بأن علمهم علیهم السلام مطلق

* المبحث الثانی: فی الأدلة التی ذُکرِت علی رأیهم وما یمکن أن یستدل به

ص: 82 

ص: 83

المبحث الأول: عبائر العلماء الذین صرَّحوا بأن علمهم علیهم السلام مطلق

اشارة

عرفنا - من خلال ما تقدم فی الفصل الأول - أن نظریة الإطلاقیة فی علم الإمام علیه السلام هی بمعنی: انکشاف - أو حضور - الأشیاء بماهیاتها أو بوجوداتها، عند مَن کانت له ریاسة عامة فی أمر الدین والدنیا، خلافةً عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، انکشافاً وحضوراً فعلیاً، وعدم توقُّفه علی شیء آخر، من إرادة وغیرها.

وقد ذهب المشهور من العلماء والفقهاء إلی هذه النظریة، فقالوا: إن الأئمة علیهم السلام یعلمون بالأشیاء علماً حاضراً عندهم __ سواء فی ذلک الأحکام أم الموضوعات - غیر معلَّق علی المشیئة، فلا یغیب عن الإمام شیء یخطر فی البال، إلا ما خرج بالدلیل العقلی، أی: ما کان خارجاً تخصصاً عن مسألتنا، کما تقدم ذلک فی الفصل الأول.

بل ذکر بعض من العلماء، أن هذه المسألة من المسائل التی اتفق علیها علماء الإمامیة، مستنداً فی ذلک إلی صریح عبائر بعضهم، ومستظهراً من عبائر مَن خالف فی هذه المسألة فی مواضع أُخر، أُرید من خلالها إثبات العلم المطلق لهم علیهم السلام(1).


1- أُنظُر: الجلالی، محمد رضا، مقالة علم الأئمة بالغیب والاعتراض علیه بالإلقاء إلی التهلکة والإجابات عنه عبر التاریخ، مجلة تراثنا، ج 37، ص 62؛ حیث إنه جمع بین کلام العلماء الذی یظهر منه القول بعدم علمهم علیهم السلام، وبین ما یُثْبت علمهم فی فقرات أُخر من کلامهم.

ص: 84

قال صاحب المعارف السلمانیة قدس سره:«... والمثبت لعموم کمیَّته وفعلیة کیفیته هو ظاهر المشهور، بل کل الإمامیة...» (1).

وقد صرح صاحب مستدرک السفینة رحمه الله، بأن القول بإحاطة الإمام بجمیع ما کان وما یکون أمر مجمع علیه بین علماء مدرسة أهل البیت علیهم السلام، فقال قدس سره:«... روایة علم فاطمة علیها السلام بما کان وبما یکون إلی یوم القیامة، ما یظهر منه أن علم الإمام بما یکون مجمع علیه بین الإمامیة...»(2).

فبما أنه لم یُعلِّق علی ما ذکره من إجماع علی هذه المسألة، فیُستفاد من کلامه أنه من القائلین بهذا الرأی أیضاً، وأنه لم یخالفهم فی ذلک.

وکیف کان، فقد صرَّح کثیر من العلماء والمحقِّقین بإطلاقیة علم الأئمة علیهم السلام فی کتبهم، وإلیک بعض العبائر علی ذلک:

أولاً: ابن جریر الطبری (المتوفی فی القرن الرابع ه_) 

قال رحمه الله: «وقوله: (فلله الحجة البالغة). یوجب أنه لیس فوقها أبلغ، ولا أتم، ولا أکمل منها، وأنها بالغة التمام والکمال فی جمیع وجوه الاحتجاج. ویوجب باضطرار - لا محیص عنه - أن حججه، والداعین إلیه، والناطقین عنه علیهم السلام معصومون، قادرون علی کل شیء، عالمون بما کان وبما یکون إلی آخر الزمان...»(3)


1- اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص 50.
2- الشاهرودی، علی، مستدرک سفینة البحار، ج 7، ص 339.
3- الطبری، محمد بن جریر، نوادر المعجزات، ص11.

ص: 85

فقوله قدس سره:«... عالمون بما کان وما یکون إلی آخر الزمان...». صریح بما نروم إثباته فی مقامنا، وهو أن هذا العَلَم من القائلین: بأن علمهم علیهم السلام حاضر وغیر مقید بالإشاءة.

ثانیاً: الشیخ المفید (م 413 ه_) 

قال رحمه الله: «القول فی علم الأئمة علیهم السلام بالضمائر والکائنات وإطلاق القول علیهم بعلم الغیب وکون ذلک لهم فی الصفات.

وأقول: إن الأئمة من آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم قد کانوا یعرفون ضمائر بعض العباد، ویعرفون ما یکون قبل کونه، ولیس ذلک بواجب فی صفاتهم، ولا شرطا فی إمامتهم، وإنما أکرمهم الله تعالی به، وأعلمهم إیاه للُّطف فی طاعتهم، والتمسک بإمامتهم، ولیس ذلک بواجب عقلاً، ولکنه وجب لهم من جهة السماع. فأما إطلاق القول علیهم: بأنهم یعلمون الغیب. فهو مُنکَر بیِّنُ الفساد؛ لأن الوصف بذلک إنما یستحقه مَن علم الأشیاء بنفسه، لا بعلم مستفاد، وهذا لا یکون إلا الله عز وجل، وعلی قولی هذا جماعة أهل الإمامة، إلا مَن شذ عنهم من المفوضة، ومَن انتمی إلیهم من الغلاة» (1).

فإنه قدس سره یقول بعلمهم المطلق والحاضر، وإن کان یختلف عن بعض الأعلام الذین أثبتوا علمهم علیهم السلام عقلاً ونقلاً؛ حیث إنه رحمه الله لا یعتقد بوجوبه بالأدلة العقلیة، بل یری أنه دل علیه النقل فقط، إلا أنه یتفق معهم فی النتیجة، فهو لا ینکر العلم بالغیب الذی یثبته العلماء للأئمة علیهم السلام، وإنما ینکر ذلک علی مَن یقول بذاتیة علمهم علیهم السلام، وهذا النحو من العلم لا یریده أحد من علمائنا، بل لم أرَ مَن قال به إطلاقاً. 


1- المفید، محمد بن محمد، أوائل المقالات، ص 67.

ص: 86

ثالثاً: المولی محمد صالح المازندرانی (م 1081ه_) 

من القائلین بهذا الرأی هو المولی محمد صالح المازندرانی رحمه الله؛ حیث قال:«... قوله: (کأنه فی کفِّی، وأنا أُنظُر فیه)، وفیه تأکید لما مرَّ من قوله: (والله) إلی آخره، مع الإشارة إلی الزیادة فی الإفادة هنا بسبب تشبیه الإدراک العقلی بالإدراک الحسی؛ لقصد زیادة الإیضاح؛ لأن إدراک المحسوس أظهر من إدراک المعقول، تنبیهاً علی أن علمه بما فی الکتاب علم شهودی بسیط، واحد بالذات، متعلق بالجمیع، کما أن رؤیة کف واحدة متعلقة بجمیع أجزائه، والتعدد إنما هو بحسب الاعتبار» (1).

وهذا الکلام منه رحمه الله ظاهر فی اعتقاده بما ذکره من خصائص للإمام علیه السلام؛ حیث إنه لم یعلق علیه ولم یرده، بل یستفاد من تقریره وتوضیحه للحدیث الذی أدرجه تحت عنوان: (أنه لم یجمع القرآن کله إلا الأئمة علیهم السلام وأنهم یعلمون علمه کله) خیر دلیل علی اعتقاده بهذه العقیدة، بل إنه قدس سره صرح بذلک فی موضع آخر أیضاً، فقال:«... قوله (أمر الله عز وجل بسؤالهم) هذا الأمر دل علی إحاطة علمهم بجمیع الأشیاء، وإلا لم ینفع السؤال عند الجهل فی شیء ما...» (2).

رابعاً: العلاَّمة المجلسی (م 1111 ه_)

قال رحمه الله:«... والمعنی: ولم نعلم توکیلک إیاه بأی أمر من أمورک.

وفیه بعض المنافاة؛ لما یظهر من أکثر الأخبار من سعة علمهم علیهم السلام، واطلاعهم علی جمیع العوالم أو المخلوقات، وأن الله أراهم ملکوت الأرضین والسماوات، إلا أن یقال إنه علیه السلام قال ذلک علی سبیل التواضع والتذلل، أو


1- المازندرانی، محمد صالح، شرح أصول الکافی، ج5، ص 314.
2- المصدر نفسه، ج6، ص142.

ص: 87

المعنی: لا نعلمهم من ظاهر الکتاب والسنة، وإن علمنا من جهة أخری لا مصلحة فی إظهارها، أو لا نعلم فی هذا الوقت خصوص مکانه وعمله، فإنه لا استبعاد فی عدم علمهم علیهم السلام ببعض تلک الخصوصیات الحادثة، أو قال علیه السلام ذلک بلسان غیره ممن یتلو الدعاء، فإنه علیه السلام جمع الأدعیة وأملاها لذلک، بل هو من أعظم نعمهم علی شیعتهم صلوات الله علیهم...»(1).

والمستفاد من هذه العبارة - بمجموعها - أنه رحمه الله یعتقد بحضور علمهم علیهم السلام، وأنه غیر مقید بالإشاءة، وهذه العقیدة من الثوابت المسلمة عنده؛ بحیث جعلته یذکر مجموعة من الوجوه والمحتملات لهذا الحدیث المعارض للأخبار الکثیرة - علی حد تعبیره - وإن کان فی ثالثها یوهم بأنه یقول بعدم حضور علمهم فی کل وقت؛ حیث إنه لم یستبعده.

ولکن هذا التوهم مندفع بأدنی تأمل فی عبارته أجمع، فإن الظاهر أنه یرید من عدم استبعاده أن هذا الرأی غیر مستحیل ثبوتاً، فیکون رأیه متحداً مع ما ذکره الشیخ المفید قدس سره من عدم وجوب علمهم بالدلیل العقلی وإن ثبت لهم نقلاً.

خامساً: المحدِّث النوری (م 1320 ه_)

ومن ضمن الذین ذهبوا إلی کون علمهم علیهم السلام حاضراً، وغیر مقید بالإشاءة، المحدِّث النوری رحمه الله؛ حیث قال: «... ولا یخفی أن علمهم علیهم السلام بما یحتاجون إلیه من الأصول والفروع، وما یحتاج إلیه العباد کان معهم فی صغرهم، علَّمهم الله تعالی بالطرق التی اختصهم بها، وفی الظاهر کانوا یتعلمون بعضهم من بعض، ویتلقونه منهم کما یتلقی غیرهم منهم - أو من غیرهم - بالسؤال


1- المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 56، ص 239.

ص: 88

الظاهر فی جهالة صاحبه، أو بالإلقاء من غیر مسألة...» (1).

وهذا الکلام منه رحمه الله أوضح من أن یُبیَّن - أو یوضح - للقارئ.

سادساً: السید عبد الحسین اللاری (م 1342 ه_)

 وقد ذهب إلی هذا الرأی - بل دافع عنه وأثبته بالأدلة العقلیة والنقلیة فی کتابه المعارف السلمانیة - السید عبد الحسین اللاری قدس سره، فقال: «... والمثبت لعموم کمیَّته وفعلیة کیفیته هو ظاهر المشهور، بل کل الإمامیة...» (2).

وبعد أن ذکر هذا المطلب، وبیَّن ما یدخل فی محل النزاع مما هو خارج عنه عند العلماء، تبنَّی هذا الرأی واستدل بمختلف الأدلة علیه.

سابعاً: العلاَّمة محمد حسین المظفر (م 1381 ه_)

ومن الذین کتبوا حول هذا الموضوع - متبنین لإطلاقیة علم الأئمة علیهم السلام بالحجج العقلیة والنقلیة - هو العلاَّمة محمد حسین المظفر رحمه الله فقال فی کتابه (علم الإمام): «إن البرهان العقلی دلَّ - نظراً لحاجة الناس الماسة إلی وجود الهادی بین ظهرانیهم، والمصلح لشؤونهم، والحاکم بالعدل بینهم، إلی ما سوی هذا مما یتطلبه صالح أمورهم وفی الدارین -: علی أن الله تعالی یجب علیه لطفاً بعباده، أن یجعل فیهم - وقد جعل - من یکون العالِم بالکائنات کافة، والعلوم والفنون... ویستطیع الجواب عن مسألة کل سائل، بالکشف عن الحقیقة، وإماطة الستار عن الواقع، لیکون حقاً هو الحجة البالغة من الخالق علی الخلق، والهادی لهم بعد ذلک الرسول المنذر. وإن النقل قد عاضد هذا البرهان العقلی، وفصَّل، وأبان غامضه؛ حتی


1- النوری، حسین، خاتمة المستدرک، ج 1، ص 290.
2- اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص 50.

ص: 89

لا یبقی لذی وهمٍ ریب، ولذی مسکةٍ عذر فی الاعتقاد بوجوب وجود ذلک الهادی فی الأُمَّة...» (1).

وقد صرح قدس سره بحضور علمهم علیهم السلام وعدم توقفه علی المشیئة فی مواضع کثیرة من کتابه یطول المقام بذکرها.

ثامناً: السید عبد الرزاق المقرَّم (م 1391 ه_) 

ومن الذین ذهبوا إلی هذا الرأی - تبعاً لمشهور علمائنا - هو العلاَّمة والمحقق السید المقرَّم، فقال رحمه الله: «کما أفاد المتواتر من الأحادیث: بأنّ الله عز شأنه أودع فی الإمام المنصوب - حجّة العباد ومنار یهتدی به الضالون - قوةً قدسیة نوریة، یتمکن بوساطتها من استعلام الکائنات، وما یقع فی الوجود من حوادث وملاحم. فیقول الحدیث الصحیح:«إذا ولِد المولود منّا، رُفع له عمود نور یری به أعمال العباد، وما یحدث فی البلدان»... فمن الممکن أن تکون تلک القوة بالغة أقصی مداها، فلا یتوقف من أُفیضت علیه عن جمیع المغیبات، حتّی کأن الأشیاء کلَّها حاضرة لدیه - علی حدِّ تعبیر الإمام الصادق علیه السلام _... ولا غلوّ فی ذلک بعد قابلیة تلک الذوات المطهرة بنصّ الذکر الحمید:

((... إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا)).

لتحمل الفیض الأقدس، وعدم الشحِّ فی (المبدأ الأعلی) تعالت آلاؤه... والمغالاة فی شخص عبارة عن إثبات صفة له، إمّا أن یحیلها العقل، أو لعدم القابلیة لها، والعقل لا یمنع الکرم الإلهی. کیف والجلیل عزَّ لطفه یدرُّ النعم علی المتمادین فی الطغیان، المتمردین علی قدس جلاله حتّی کأن المنّة لهم علیه؟! فلم یمنعه ذلک من الرحمة بهم والإحسان


1- المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص95.

ص: 90

إلیهم والتفضل علیهم، لا تنفذ خزائنه، ولا یفوته من طلبه...»(1).

فهذه العبارة واضحة الدلالة - بل هی تدل صراحة - علی ما نروم إثباته منها، وهو أن هذا العَلَم یقول بحضور علم الأئمة علیهم السلام، وأنه غیر مقید بالإشاءة.

تاسعاً: العلاَّمة الأمینی (م 1392 ه_) 

قال رحمه الله:«... نحن ندرس من هذه القصة، أن فکرة إحاطة علم الإمام بالأشیاء کلها، أو جلها - فضلاً عن الشرائع والأحکام - فکرة بسیطة عامة، یشترک فی لزومها الرجال والنساء، فهی غریزة لا تعزب عن أی ابن أنثی، وقد فقدها الخلیفة، واعترف بأن کل واحد أفقه منه...»(2).

فمن خلال قوله رحمه الله:«... أن فکرة إحاطة علم الإمام بالأشیاء کلها...» أنه من القائلین بحضور العلوم عند الإمام، بل إنه یعتقد بأنها من المعتقدات التی صارت مسلمة عند الناس أجمع.

عاشراً: المیرزا أبو الحسن الشعرانی (م 1393 ه_) 

ذکر المیرزا أبو الحسن الشعرانی رحمه الله فی تعلیقته علی شرح أصول الکافی کلاماً دالاً علی أنه من القائلین بهذه النظریة أیضاً؛ فقال:«... أو أکل الرضا علیه السلام البیض التی قومر بها جاهلاً، ثم تقیأ، وما التزم به بعض فقهائنا المتأخرین، من أن علم الإمام بالموضوعات غیر واجب، فیجوز أن لا یعلم انطباق وزن الکر علی مساحته مثلا. فلا عبرة بجمیع ذلک.

أما الروایات؛ فلعدم تواترها، ولا حجة لغیر المتواتر فی أصول الدین. وأما قول 


1- المقرَّم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسین علیه السلام، ص45.
2- الأمینی، عبد الحسین، الغدیر، ج6، ص 144.

ص: 91

مَن لم یتدبر فی الأصول الاعتقادیة، فلا یُعتنی به فیما لا یتعلق بفنِّه...» (1).

وهذا الکلام الذی ذکره رحمه الله یدل علی أنه یری أن علم الأئمة علیهم السلام بجمیع الأشیاء - حتی الموضوعات منها - واجب لهم، ثم أنکر کل ما یتنافی مع هذه المسألة الاعتقادیة التی علیها جل علمائنا الأعلام.

الحادی عشر: السید محمد علی القاضی (م 1399 ه_) 

ومن الذین تصدوا للدفاع عن هذه العقیدة، من خلال تدوین کتاب أسماه ب_: (مقدمة علی کتاب علم الإمام)، وصرح فیه بهذا الرأی - تبعاً لمشهور علمائنا الأعلام - هو السید محمد علی القاضی رحمه الله؛ حیث قال: «... وتمام أوصاف الإمام علیه السلام وکمالاته فی مقام، ومرحلة الفعلیة، والوجود الفعلی، یعنی أن الإمام عالم فعلاً...»(2).

الثانی عشر: الشیخ النمازی الشاهرودی (م 1405 ه_) 

ذهب الشیخ علی النمازی فی مسترک سفینة البحار إلی القول بحضوریة علمهم، وعدم توقفه علی المشیئة، فقال رحمه الله: «الروایات الشریفة الدالة علی أن الدنیا ممتثلة للإمام کفلقة الجوزة، والمعنی أن جمیع الدنیا حاضرة عند علم الإمام، یعلم ما یقع فیها، وینظر إلیها - لأنه عین الله الناظرة فی خلقه - کنصف جوزة فی ید أحدکم ینظر إلیها...» (3).

فإن فی کلامه هذا دلالة واضحة علی ما نروم إثباته؛ خصوصاً وأنه علَّل ضرورة علم الإمام وقرَّبها للأذهان بعبارته الأخیرة. 


1- المازندرانی، محمد صالح، شرح أصول الکافی، ج5، ص 236، هامش 1.
2- القاضی، محمد علی، مقدمه أی بر علم إمام، ص20، (نقلاً بالترجمة).
3- النمازی، علی، مستدرک سفینة البحار، ج 3، ص 376.

ص: 92

الثالث عشر: السید هاشم الحسینی الطهرانی (م 1411 ه_) 

من ضمن الذین ذهبوا إلی أن علم الإمام علیه السلام مطلق، هو السید الهاشم الطهرانی رحمه الله؛ حیث علَّق علی الحدیث الوارد عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی توحید الصدوق قدس سره بقوله:«... ظاهر کلامه علیه السلام أن علمه علیه السلام دون البداء، ولکن الآیات والأخبار تدل علی أنه شامل له، فلا بد من صرفه عن ظاهره، بل الظهور ممنوع...»(1).

الرابع عشر: الشیخ لطف الله الصافی 

«قال بعض المحققین: قوله علیه السلام: (کأنه فی کفِّی). تنبیه علی أن علمه علیه السلام بما فی الکتاب علم شهودی بسیط، واحد بالذات، متعلق بالجمیع، کما أن رؤیة ما فی الکف رؤیة واحدة متعلقة بجمیع أجزائه، والتعدد إنما هو بحسب الاعتبار.

وقوله علیه السلام: (فیه خبر السماء). یعنی أحوال الأفلاک وحرکاتها وأحوال الملائکة ودرجاتها...» (2).

الخامس عشر: المحقِّق محمد جمیل حمُّود

من جملة مَن کتب حول موضوع علم الإمام علیه السلام - متبنیاً لما ذهب إلیه مشهور العلماء - هو المحقق محمد جمیل حمُّود، فی کتابه الموسوم ب_: (شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها)؛ حیث قال: «بعد الفحص والتتبع فی الآیات والأخبار، وردِّ العام إلی الخاص، والمطلق إلی المقید، والمتشابه إلی المحکم، دلت البراهین


1- الصدوق، محمد بن علی، التوحید، ص305، هامش رقم 1.
2- الصافی، لطف الله، مجموعة الرسائل، ج2، ص35.

ص: 93

- وأخذت بعنقی - إلی أن علم الإمام حضوری وفعلی...» (1).

السادس عشر: السید کمال الحیدری

من الذین تطرقوا لموضوع علم الإمام علیه السلام العلامة السید کمال الحیدری؛ حیث قُرِّر له کتاب تحت عنوان (علم الإمام علیه السلام) وقد توصل فی نهایة المطاف - عند بحثه عن کیفیة علم الإمام علیه السلام - إلی أن الأئمة علیهم السلام یعلمون الأشیاء بالفعل لا بالقوة، فقال: «عند إجراء مسح میدانی للروایات الواردة فی علم الإمام، نجد أنها ظاهرة - بشکل واضح - أنهم یعلمون کل شیء بالفعل لا بالقوة...»(2).

السابع عشر: العلامة السید محمد رضا الجلالی

من ضمن مَن تبنَّی هذا الرأی فی مسألة علم الأئمة علیهم السلام - بل وکتب حولها بحثاً مدافعا فیه عنها - العلامة السید محمد رضا الجلالی.

قال: «... فنسبة القول: بأن الأئمة یعلمون الغیب... فهی نسبة ظالمة باطلة یقصد بها تشویه سمعة هذه الطائفة المؤمنة، التی أجمعت علی اختصاص علم الغیب بالله تعالی، تبعاً لدلالة الآیات الکریمة، والتزمت بما دلت علیه الآیات الأخری من إیصال ذلک العلم إلی الرسول، وما دلت علیه الآثار والأخبار من وصول ذلک العلم إلی الأئمة...» (3).


1- حمُّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، ج2، ص 45.
2- العبادی، علی حمود، علم الإمام بحوث فی حقیقة ومراتب علم الأئمة المعصومین علیهم السلام، ص 395، تقریراً لأبحاث السید کمال الحیدری.
3- الجلالی، محمد رضا، مقالة حول علم الأئمة بالغیب... مجلة تراثنا، ج 37، ص 17.

ص: 94 

ص: 95

المبحث الثانی: فی الأدلة التی ذُکرِت علی رأیهم

تمهید

اشارة

ینبغی التنبیه علی أن المسائل المهمة - والتی یصعب تصوُّرها علی الناس - یجب أن تکون أول خطوة یخطوها المستدل هو بیان إمکانها، وأنها لیست من الأمور المستحیلة، فهذا الشیء یُذلل أمامه الطریق فی استدلاله وتقبُّل الناس کلامه، وقد أشار بعض المحققین إلی هذه النکتة المهمة، فی صدد البحث عن مسألة مشابهة لمسألتنا هذه.

قال السید الهاشمی:«... وفی أمثال هذه المسائل المستعصیة والشائکة، یکون الطریق لإثباتها - وإزاحة غموضها وغرابتها عن الأذهان - بأن نثبت إمکانها أولاً، فإن ثبت أنها ممکنة ولیست مستحیلة ممتنعة؛ فسوف یسهل اعتقادها...» (1).

وما نرید تنقیحه فی هذا المقام، هو مطلب یکون جواباً عن السؤال التالی، وهو: هل أن الله تعالی احتجب علی بعض الأُمور لنفسه، بحیث لم یُطلِع أحداً من المخلوقین علیها إطلاقاً؟ 


1- الهاشمی، هاشم، نظرة فی منهج المعرفة العقائدیة، مجلة صوت الإسلام، العدد الأول، السنة الأُولی، محرم الحرام، ص 38.

ص: 96

وقبل الإجابة عن هذا السؤال، نجیب عن تساؤل قبله - یکون موطِّداً لنا فی مقام معرفة النتیجة فی هذا المطلب - وهو: هل احتجاب الله علی بعض الأُمور یعود له بنفع؟ وهل کشف جمیع الحقائق مضر به تعالی؟

والجواب بالنفی قطعاً؛ وذلک لأنه غنی عن کل شیء، فلا ینفعه وجود شیء، کما لا یضره عدمه، وهذا المعنی أکدته الآیات القرآنیة (1).

لکن السؤال الأهم الذی یجب أن یُطرح هو: أن انکشاف جمیع الحقائق لبعض هؤلاء هل ینفعهم أم یضرهم؟

لا شک ولا ریب بأن العلم نفع لهم؛ حیث إنه به ترفع درجات الإنسان، وبه یکون أفضل من جمیع المخلوقات، فعلمهم بشیء یعود علیهم بالنفع.

وأما أنه لا یکون مضراً لهم؛ لأنهم وصلوا درجات لا یهمهم معها کل شیء، فانکشاف العلم لهم ینفعهم؛ باعتبار أنهم محتاجون، ولأنهم موقنون.

إلا أنه قد تقدم فی الفصل الأول، أن بعض المسائل خارجة تخصصاً، کما فی إحاطة المعلول بالعلة، فأمثال هذه المسألة غیر منظور إلیها فی کلامنا هذا.

الجواب عن السؤال الرئیسی

وبعد أن عرفنا ما تقدم - من أن الله تعالی غنی لا یضره علم المخلوقات بجمیع الحقائق، وأن الأئمة علیهم السلام محتاجون للعلم، وأنه تنفعهم معرفته ولا تضرهم، إلا ما أخرجناه عن البحث - یکون الجواب عن السؤال المتقدم هو: أن المقتضی للاحتجاب علی علمه غیر متوفر، فلا توجد أی حزازة من إبداء علمه للإنسان، فیبقی رفع الموانع والحجب الموجودة فی القابل، وهذه الموانع هی ارتباطه بالمادة والمادیات،


1- کما فی قوله تعالی: (( یَا أَیُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَی اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ)). فاطر: 15.

ص: 97

واقترافه الذنوب والمعاصی؛ بحیث تجعله عاجزاً عن إدراک الحقائق العالیة، وتکون مانعاً بینه وبینها، إلا أن هذه الحجب لیست مطردة فی کل الناس، فهناک مَن ثبت تجرُّده عن المادة، أو أنه غیر محکوم لها، أو أنه معصوم عن ارتکاب المعصیة، فحینها یجب علی الله - بحکم لطفه - أن یُعلمه جمیع العلوم، وهذا الحکم لا یمکن أن یختلف ولا یتخلف، بل یثبت لهم بمقتضی ثبوت المعلول بثبوت علته، وهناک کلام للمفسر النیسابوری - نقله عنه بعض المحققین - حول مسألة نظیر مسألتنا یؤکد لنا هذا المعنی.

قال النیسابوری: «إن امتناع الکرامة عن الأولیاء، إما لأن الله لیس أهلاً لأن یُعطی المؤمن ما یرید، وإما لأن المؤمن لیس أهلاً لذلک، وکلٌّ منهما بعید؛ فإن توفیق المؤمن لمعرفته لَمِنْ أشرف المواهب منه تعالی لعبده، فإذا لم یبخل الفیاض بالأشرف، فلأن لا یبخل بالأدون أوْلی...»(1).

الأدلة القرآنیة

اشارة

الدلیل الأول: الاستدلال بآیة التطهیر: قوله تعالی:

((... إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا))(2).

لقد استدل بهذه الآیة بعض العلماء الذین تطرقوا لهذا الموضوع، من دون أن یبینوا کیفیة الاستفادة منها لإثبات المطلوب(3).

ونحن هنا نبسط الکلام، ونبین الاستدلال بها من خلال النقاط التالیة: 


1- العیدروسی، العبد القادر، النور السافر فی أعیان القرن العاشر، ص85. (نقلاً عن المقرم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسین علیه السلام، ص54).
2- الأحزاب: 33.
3- أُنظُر: اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص59.

ص: 98

1 - لا شک بأن المقصود من أهل البیت هم المعصومون علیهم السلام، وقد تواترت الروایات فی کتب المسلمین لإثبات ذلک؛ بحیث بلغت الروایات عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم حد التواتر، کما هو واضح لمن راجع بعض الکتب الروائیة، فضلاً عن جمیعها (1).

وقد ورد فی بعضها عن أنس بن مالک: «أن النبی (صلی الله علیه [وآله] وسلم) کان یمر ببیت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلی الفجر، فیقول:

الصلاة یا أهل البیت، إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیراً»(2).

2 - إن الآیة تُصرِّح بأن الله تعالی أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً، فلا یوجد شیء من الأشیاء التی تدخل تحت عنوان الرجس ولم یذهبه الله عنهم؛ فکل شیء یکون من الرجس یجب تنزیههم عنه.

3 - إن الجهل نوع من أنواع الرجس، فلو لم یعلموا بشیء من الأشیاء - ولو


1- أُنظُر: الکوفی، محمد بن سلیمان، مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام، ج1، ص157، و ج2، ص132. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص287و423. وکذا: النعمان المغربی، أبو حنیفة، شرح الأخبار، ج2، ص300و 339و479. وأیضاً: الصدوق، محمد بن علی، الأمالی، ص559 و574. والخصال، ص561. وکمال الدین وتمام النعمة، ص278. وأیضاً: الخزاز القمی، علی بن محمد، کفایة الأثر، ص66. وأما من کتب مدرسة الخلفاء فانْظُر: ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد،ج1، ص331و ج4، ص107. وأیضاً: الترمذی، محمد بن عیسی، سنن الترمذی، ج5، ص31. وأیضاً: النیسابوری، الحاکم، المستدرک، ج3، ص158.
2- ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد، ج3، ص 259. والترمذی، محمد بن عیسی، سنن الترمذی، ج5، ص31. والنیسابوری، الحاکم، المستدرک، ج3، ص158.

ص: 99

قبل مشیئتهم - لما صحت الآیة فی حقهم علیهم السلام، فلا یمکن تصور الجهل فیهم(1).

النتیجة: فیثبت لنا أن علمهم مطلق وحاضر عندهم، غیر معلق علی أی شیء.

مناقشة هذا الدلیل

نحن لا نسلم هذه الکلیة (أی کل جهل رجس)، وإنما نقبلها فی حدود معیَّنة، وهی أن کل جهل بشیء من شأنه أن یُعلَم یکون رجساً.

وأما الجهل بالأشیاء التی لا تنالها عقول البشر، أو جهل الشخص لعدم قابلیته لحضور الأشیاء عنده، فلیس من الرجس بشیء.

وبعبارة أخری: إن عدم علم الأئمة علیهم السلام ببعض الأمور - أو توقف علمهم علی المشیئة - لا یستوجب أی نقص فی مقامهم ومنزلتهم؛ وذلک لأنهم لیس من شأنهم أن یعلموا هذه الأشیاء، بل ولا من شأن الأشیاء أن تُعلَم، وما کان هذا حاله لا یعاب علیه بأن فیه منقصة، ألا تری أن الأئمة لیسوا واجبی الوجود وأنهم ممکنو الوجود باتفاق الجمیع، ولکن لم یدَّعِ أحد من العلماء أن ذلک منفی عنهم بهذه الآیة؛ لأنها نفت عنهم الرجس، والإمکان رجس فیهم لا بد أن ننزههم عنه؟!

رد هذه المناقشة

ویمکن أن ترد هذه المناقشة بأحد وجهین:

أولاً: نحن لا نسلم بإن الجهل لعدم القابلیة لا یکون رجساً؛ لأن عدم القابلیة التی تکون مانعاً من العلم فی بعض الأحیان هی رجس فی حقیقة الأمر، فیکون عدم علم الشخص بشیء لوجود الرجس فیه، وهذا ما نفته الآیة عنهم علیهم السلام. 


1- أُنظُر: اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص60.

ص: 100

ثانیاً: لو سلمنا الإشکال، وقلنا: بأنه صحیح إلی حد، وإننا نوافقه بأن لیس کل جهل رجس بإطلاقها، بل عدم التعلم مع وجود القابلیة لذلک یکون رجساً، فالجمادات التی لیست قابلة للتعلم لا یعد عدم علمها رجساً فی حقها، ولکن مع ذلک لا یصح کلامه فی حقهم علیهم السلام؛ إذ أننا بعد أن ذکرنا - فیما سبق عند ذکر التمهید - أن الإنسان یستطیع أن یکون محطة للفیض الإلهی - فیما لو هیأ نفسه وطهرها من الشوائب - بحکم أن الله فیاض معطاء، وقلنا: إن أهل البیت علیهم السلام ثبت تقبلهم لذلک الفیض؛ فعلی هذا الأساس صح لنا أن نقول: إن عدم علمهم وعدم حضوره عندهم یعد رجساً، وشائبة من الشوائب التی نزههم الله تعالی عنها.

الدلیل الثانی: آیة الشهداء یوم القیامة

اشارة

أحد الأدلة النقلیة التی استُدل بها علی علم الإمام (1)، هو ما دل علی أن أهل البیت هم الشهود یوم القیامة علی الناس، وبیان هذا الدلیل یکون من خلال المقدمات التالیة:

المقدمة الأُولی: قد ثبت بالأدلة القطعیة أن فی یوم القیامة یکون النبی شاهداً علی جمیع الخلائق، وهذا ما صرَّح به القرآن فی آیات متعددة:

قال تعالی:

(( فَکَیْفَ إِذَا جِئْنَا مِن کُلِّ أمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَجِئْنَا بِکَ عَلَی هَ_ؤُلاء شَهِیدًا))(2).

وکذا فی قوله تعالی:


1- أُنظُر: المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص42.
2- النساء: 41.

ص: 101

((وَیَوْمَ نَبْعَثُ فِی کُلِّ أُمَّةٍ شَهِیدًا عَلَیْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِکَ شَهِیدًا عَلَی هَ_ؤُلاء...))(1).

المقدمة الثانیة: إن المراد من الضمیر وإن کان خصوص النبی صلی الله علیه وآله وسلم، إلا أن الأئمة علیهم السلام یشارکونه بهذه الوظیفة، وهذه المقدمة نأخذها أصلاً مسلماً، نعتمد فیه علی ما ثبت فی محله، من أن وظیفة النبی وأهل بیته واحدة إلا ما خرج بالدلیل، والروایات التی دلَّت علی ذلک کثیرة جداً، وبما أن هذه الوظیفة غیر خارجة، وإنما هی مشترکة بینهم، کما صرَّحت روایات کثیرة علی أن الأئمة علیهم السلام شهود علی الناس یوم القیامة، حتی جعل ثقة الإسلام الکلینی باباً کاملاً فی الکافی بعنوان (فی أن الأئمة شهداء الله عزَّ وجل علی خلقه) أورد فیه الروایات الدالة علی ذلک (2)؛ فیکون المراد من الآیة الأئمة أیضاً.

المقدمة الثالثة: یوجد تلازم بین کونهم شهوداً علی جمیع الخلائق، وبین کونهم عالمین بکل شیء - کان أو سیکون -؛ لعدم إمکان کون غیر العالم شاهداً علی ما لا یعلم(3).

النتیجة: فیثبت لنا أن الأئمة علیهم السلام یعلمون بجمیع الأشیاء مطلقاً، علماً حاضراً، وأن علمهم غیر متوقف علی المشیئة.

شبهة وردُّها: إن أدنی تأمل فی الآیات القرآنیة یبطل الملازمة المزعومة؛ حیث


1- النحل: 89.
2- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 190.
3- قال جلال الدین الصغیر:« ولا أعتقد أن ثمة عسر فی الوصول إلی تلازم آخر، وهو تلازم أمر الشهادة مع وجود المعاینة، فلیس من معنی للشهادة بمعزل عن أن یکون الشاهد معایناً لما سیشهد به...». جلال الدین، علی الصغیر، مَن عنده علم الکتاب ؟، ص 46.

ص: 102

ثبت أن الأیدی والأرجل تشهد علی الإنسان بما عمل، قال تعالی:

حَتَّی إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَیْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنْطَقَ کُلَّ شَیْءٍ وَهُوَ خَلَقَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (1).

فإذا أمکن أن تکون هذه الجوارح غیر الشاعرة شاهدة علی الإنسان، أمکن أن یکون غیر العالم شاهداً کذلک، ولا تبقی الملازمة المدعاة.

جواب الشبهة: إن ما توهمه المستشکل غیر قادح فی الاستدلال؛ وذلک لإمکان أن تکون حواس الإنسان شاعرة بما یعمل، عالمة بجمیعها، فلا دلیل علی عدم علمها، بل الدلیل القرآنی قائم علی أن کل شیء فی الوجود له شعور، وأنه یعبد الله ویسبحه کذلک؛ وهذا ما جاء فی قوله تعالی:

(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِیهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ إِنَّهُ کَانَ حَلِیمًا غَفُورًا) (2).

مناقشة الدلیل

وهذا الدلیل وإن کان سالماً عن النقاش من هذه الجهة المتقدمة، إلا أن ما ینبغی أن یقال فیه: أنه أخص من المدعی أیضاً؛ حیث إنه غایة ما یثبته هو علمهم بأفعال المخلوقین المکلفین منهم فقط، ومنذ زمن تکلیفهم الشرعی فقط، وهذا المقدار من الوظیفة یکفی فی تحققه أن یعلموا بأنهم شهداء علی الناس یوم القیامة، فتتحقق عندهم المشیئة لعلم ما یحتاجونه من أفعال العباد، فلا نستطیع أن نقول: إنهم یعلمون


1- فُصِّلت: 20_ 21.
2- الإسراء: 44.

ص: 103

بأفعالهم کلها علماً حاضراً، ولا أنهم عالمون بأفعال المخلوقات الأخری التی لم یکن علیها تکلیف کذلک، فضلاً عن أفعال الله تعالی، فإن الآیة لا تثبت ذلک قطعاً؛ لأنها لیست فی مقام الکلام عنه، فلا یمکن إثباته علمهم المطلق من خلال هذا الدلیل.

الدلیل الثالث

اشارة

التمسک بقوله عزَّ وجل:

((وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَیَرَی اللّهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَی عَالِمِ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ فَیُنَبِّئُکُم بِمَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ))(1).

والاستدلال بهذه الآیة یتم من خلال رسم النقاط التالیة:

الأُولی: إن المراد من المؤمنین فی الآیة هم خصوص الأئمة علیهم السلام، کما ورد فی الکافی الشریف، بسنده إلی یعقوب بن شعیب قال: «سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عز وجل:

((فَسَیَرَی اللّهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)).

قال:

هم الأئمة» (2).

وکذا ما روی فی الفقیه: «أن أعمال العباد تعرض علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وعلی الأئمة علیهم السلام کل یوم، أبرارها وفجارها فاحذروا، وذلک قول الله عز وجل:


1- التوبة: 105.
2- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص220.

ص: 104

((وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَیَرَی اللّهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ))»(1).

وهذا الشیء واضح لمن راجع الروایات المفسرة لهذه الآیة، فقد جعل بعض المحدثین طائفة خاصة بهذا الباب، ذکر فیها الروایات التی فسرت لنا المراد من الذین آمنوا(2).

الثانیة: إن الآیة تثبت الرؤیة لهم علیهم السلام بوجه مطلق وغیر مقید.

الثالثة: إن الرؤیة تساوی العلم فی الخارج، فمَن یری شیئاً یعلم به.

إذاً؛ فالأئمة یعلمون بجمیع ما یصدر منَّا من أفعال علماً حاضراً لدیهم، ولا یختلف الحال فی ذلک بین الأحکام والموضوعات.

مناقشة الدلیل

وهذا الدلیل کسابقه من حیث الإشکال المتقدم؛ إذ إنه لا یثبت المدعی - وهو علمهم الحاضر - حیث إنه یکفی لهذه الوظیفة أن تحصل منهم المشیئة؛ فیعلمون بأعمال العباد.

الدلیل الرابع

اشارة

التمسک بقوله تعالی:

((... وَنَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ تِبْیَانًا لِّکُلِّ شَیْءٍ وَهُدًی وَرَحْمَةً وَبُشْرَی لِلْمُسْلِمِینَ))(3).


1- الصدوق، محمد بن علی، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص191.
2- أُنظُر: الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص444. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص 219. وأیضاً: النعمان المغربی، أبو حنیفة، دعائم الإسلام، ج1، ص21. وکذا: الصدوق، محمد بن علی، من لا یحضره الفقیه، ج1، ص191.
3- النحل: 89.

ص: 105

ذکر بعض العلماء والمحققین(1)، أن هذه الآیة تدل علی علمهم الحاضر عندهم علیه السلام، ووجه الاستدلال بها یکون کالتالی:

أولاً: إن هذه الآیة - بإطلاقها - دلت علی وجود کل معلوم فی الکتاب الکریم، فلا یخلو من شیء یخطر فی البال، وقد أشبع بعض المحققین هذا المضمون تفصیلاً فی مقام البحث عن علم الإمام (2).

ثانیاً: إن أهل البیت علیهم السلام حوت صدورهم کل ما کان فی الکتاب، فهناک آیات کثیرة جداً، جاءت تحمل عنوان (من عنده علم الکتاب)، فسرها لنا أهل البیت علیهم السلام وصرحوا بأن المقصود منها هم علیهم السلام، وهناک روایات أیضاً دلت علی أن علم الکتاب عندهم (3).

ففی قوله تعالی:

(( بَلْ هُوَ آیَاتٌ بَیِّنَاتٌ فِی صُدُورِ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ...))(4).

وردت طائفة من الروایات تقول: «هم الأئمة خاصة...» (5).

ولیت شعری! مَن الذی یکون مصداقاً لهذه الآیة لو لم یکن الأئمة علیهم السلام مصداقاً لها؟ فلم یدَّعِ أحد من المسلمین غیرهم أن فی صدره هذه الآیات البیِّنات. 


1- أُنظُر: المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص43. وأیضاً: العبادی، علی حمود، علم الإمام بحوث فی حقیقة ومراتب علم الأئمة المعصومین علیهم السلام، ص 84، تقریراً لأبحاث السید کمال الحیدری.
2- أُنظُر: العبادی، علی حمود، علم الإمام بحوث فی حقیقة ومراتب علم الأئمة المعصومین علیهم السلام، ص84، تقریراً لأبحاث السید کمال الحیدری.
3- أُنظُر: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 1، ص228، باب: إنه لم یجمع القرآن کله إلا الأئمة علیهم السلام  وإنهم یعلمون علمه کله.
4- العنکبوت: 49.
5- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص 226.

ص: 106

وهناک الکثیر من الآیات الأخری، التی یقطع من خلالها بأن أهل البیت علیهم السلام یعلمون الکتاب کله، کما سیأتی الحدیث عنها فی الأدلة الأخری.

النتیجة: إذاً؛ أهل البیت علیهم السلام یعلمون الأشیاء علماً مطلقاً غیر معلق علی شیء.

مناقشة الدلیل

إن هذا الدلیل وإن کان من امتن الأدلة، ولکنه یواجه مشکلة واحدة یصعب من خلالها المحافظة علی تمامیة الدلیل حینئذ، وهذه المشکلة هی أن العلماء - وتبعاً للروایات - ذکروا أن للقرآن مراتب وجودیة متعددة، فی کل مرتبة منها یختلف الکتاب عن غیره فی المرتبة الأخری، وأن الکتاب الذی یحتوی علی کل شیء لیس ما هو فی أیدینا، بل ما هو فی مرتبة أم الکتاب، والذی لم تنله ید المخلوقات علی الإطلاق.

قال صدر المتألهین رحمه الله: «... وبالجملة إن للقرآن درجات ومنازل - کما للإنسان - وأدنی مراتب القرآن، وهو ما فی الجلد والغلاف، کأدنی مراتب الإنسان، وهو ما فی الإهاب والبشرة، وللقرآن فی کل مرتبه ومقام حمله یحفظونه ویکتبونه، ولا یمسونه الا بشرط طهارتهم عن حدثهم، أو عن حدوثهم ونزاهتهم... » (1).

وقال العلاَّمة الطباطبائی قدس سره - فی تفسیره لقوله تعالی:

(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِیًّا لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ) (2).

«... وجَعْلُ رجاء تعقله غایة للجعل المذکور یشهد بأن له مرحلة من الکینونة والوجود، لا ینالها عقول الناس، ومن شأن العقل أن ینال کل أمر فکری، وإن بلغ من


1- الشیرازی، صدر الدین محمد، الحکمة المتعالیة فی الأسفار العقلیة الأربعة، ج 3، ص 39.
2- الزخرف: 3.

ص: 107

اللطافة والدقة ما بلغ، فمفاد الآیة: أن الکتاب بحسب موطنه الذی له فی نفسه أمر وراء الفکر، أجنبی عن العقول البشریة، وإنما جعله الله قرآناً عربیاً، وألبسه هذا اللباس رجاء أن یستأنس به عقول الناس فیعقلوه»(1).

وقال فی موضع آخر أیضاً: «... قوله تعالی:

(وَإِنَّهُ فِی أُمِّ الْکِتَابِ لَدَیْنَا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ)

تأکید وتبیین لما تدل علیه الآیة السابقة، أن الکتاب فی موطنه الأصلی وراء تعقل العقول. والضمیر للکتاب، والمراد بأم الکتاب اللوح المحفوظ کما قال تعالی:

(بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِیدٌ (21) فِی لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)البروج: 22.

وتسمیته بأم الکتاب؛ لکونه أصل الکتب السماویة یستنسخ منه غیره... والمراد بکونه علیَّا - علی ما یعطیه مفاد الآیة السابقة - أنه رفیع القدر والمنزلة من أن تناله العقول، وبکونه حکیما أنه هناک محکم غیر مفصل ولا مجزی إلی سور وآیات وجمل وکلمات کما هو کذلک بعد جعله قرآنا عربیا، کما استفدناه من قوله تعالی:

(کِتَابٌ أُحْکِمَتْ آَیَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ خَبِیرٍ)هود: 1.

وهذان النعتان أعنی کونه علیا حکیما هما الموجبان لکونه وراء العقول البشریة، فإن العقل فی فکرته لا ینال إلا ما کان من قبیل المفاهیم والألفاظ أولا، وکان مؤلفا من مقدمات تصدیقیة یترتب بعضها علی بعض کما فی الآیات والجمل القرآنیة... فمحصل معنی الآیتین: أن الکتاب عندنا فی اللوح المحفوظ ذو مقام رفیع وإحکام لا تناله العقول لذینک الوصفین وإنما أنزلناه بجعله مقروا عربیا رجاء أن یعقله الناس» (2).


1- الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج 18، ص 83.
2- المصدر نفسه، ص84. وانْظُر: العبادی، علی حمود، علم الإمام بحوث فی حقیقة ومراتب علم الأئمة المعصومین علیهم السلام، ص 93، تقریراً لأبحاث السید کمال الحیدری.

ص: 108

وقال السید کمال الحیدری: «لعل أوضح نص قرآنی یدل علی وجود عوالم متعددة هو قوله تعالی:

((وَإِن مِّن شَیْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ))(1)...»(2).

وإذا کان القرآن له مراتب وجودیة؛ فإثبات أن هذه المرتبة منه تحتوی علی کل شیء یحتاج إلی دلیل، وبما أن ما تقدم من کلام العلماء یدل علی أن المرتبة الوجودیة فی عالمنا أضعف المراتب للقرآن؛ فلا یمکننا ادعاء احتوائه علی جمیع العلوم.

جواب الإشکال

إن المستشکل یفترض عدم وجود الدلیل علی احتواء القرآن علی جمیع العلوم من الأمور المسلمة، مع أن قوله تعالی:

((... وَنَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ تِبْیَانًا لِّکُلِّ شَیْءٍ)).

یدل بکل وضوح علی ما نروم إلیه من مطلب، فحتی مَن ذکر المراتب الوجودیة للقرآن لم ینکر احتواءه علی کل شیء، بل تقدم أن العلاَّمة الحیدری من الذین أثبتوا هذا الشیء من دون أی تردید.

الاستدلال بالآیة بطریقة أُخری

ثم إنه یمکن التمسک بهذه الآیة -:

((وَنَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ تِبْیَانًا لِّکُلِّ شَیْءٍ وَهُدًی وَرَحْمَةً وَبُشْرَی لِلْمُسْلِمِینَ))(3).


1- الحجر: 21.
2- العبادی، علی حمود، علم الإمام بحوث فی حقیقة ومراتب علم الأئمة المعصومین علیهم السلام، ص 90، تقریراً لأبحاث السید کمال الحیدری.
3- النحل: 89.

ص: 109

أو قوله:

((... مَّا فَرَّطْنَا فِی الکِتَابِ مِن شَیْءٍ...))(1).

من جهة أخری، مع الاستناد إلی حدیث الثقلین، وهو قول النبی صلی الله علیه وآله وسلم: «إنی قد ترکت فیکم أمرین، لن تضلوا بعدی ما إن تمسکتم بهما: کتاب الله، وعترتی أهل بیتی؛ فإن اللطیف الخبیر قد عهد إلیَّ أنهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض کهاتین - وجمع بین مسبحتیه - ولا أقول: کهاتین - وجمع بین المسبحة والوسطی - فتسبق إحداهما الأخری؛ فتمسکوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا، ولا تقدموهم فتضلوا»(2).

ولقد استدل بعض علمائنا المعاصرین(3) بهذا الدلیل علی علم الأئمة علیهم السلام المطلق؛ وذلک من خلال بیان أمور:

1 - إن النبی صلی الله علیه وآله وسلم قرنهم مع القرآن، وجعل أحدهما لا یفترق عن الآخر.

2 - لا خلاف بین العلماء، أن القرآن فیه العلم المطلق بأجمعه.

کما وری فی الکافی بسنده إلی أبی جعفر علیه السلام قال:

«إذا حدثتکم بشیء فاسألونی من کتاب الله» (4).

وقد ذکر المحدث المازندرانی فی بیان معنی هذه الروایة ما نصه: «أی: فاسألونی


1- الأنعام: 38.
2- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج2، ص 415.
3- أُنظُر: العبادی، علی حمود، علم الإمام بحوث فی حقیقة ومراتب علم الأئمة المعصومین علیهم السلام، ص19، تقریراً لأبحاث السید کمال الحیدری.
4- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص60.

ص: 110

عن موضعه ومأخذه من کتاب الله. وفیه تنبیه علی أن کل شیء - کان أو یکون أو کائن - فهو فی القرآن; لأنه برهان کل علم، ودلیل کل شیء، ونور کل حق، وصراط کل غائب، وشاهد کل حکم، وضیاء کل صدق، فکل فعل لا یطابقه فهو باطل، وکل قول لا یوافقه فهو کاذب، وکل من تمسک برأیه فهو خاسر».

3 - إن عدم افتراقهم مع الکتاب لا یمکن تصوره إلا إذا کان علمهم مطلقا؛ وفی غیر هذه الصورة فسوف تقع المخالفة شاءوا أم أبوا.

النتیجة: فثبت لنا أن علمهم علیهم السلام مطلق وفعلی.

ولا یضر فی الاستدلال ما یمکن ذکره من الفوارق المتصورة بین کتاب الله وبینهم علیهم السلام؛ إذ یکون مقطوعاً أنه فی غیر هذه الجهة؛ لاستحالة ثبوته بینهما.

ولعمری، فما أکثر الفوارق - غیر المخلة فی مقامهما - بینهما، فهذا صامت وهذا ناطق، وهذا کلام الله وهؤلاء عباد الله...

الدلیل الخامس

التمسک بقوله تعالی:

((وَیَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ کَفَی بِاللّهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ))(1).

والاستدلال بها یتوقف علی بیان أمور:

1 - فی المراد من الکتاب:

فإن الاستدلال بهذه الآیة لإثبات العلم المطلق یبتنی علی کون الکتاب لیس هو


1- الرعد: 43.

ص: 111

خصوص التوراة والإنجیل، أو لا أقل یتوقف الاستدلال بها علی إثبات أنه شامل للقرآن ولغیره من الکتب السماویة.

وهذا الشیء سهل الإثبات؛ حیث إن مَن ادعی کون الآیة ناظرة إلی خصوص التورات والإنجیل إنما هو لأجل توهم أن مَن عنده علم الکتاب هو عبد الله بن سلام، فإذا أبطلنا ذلک زال التوهم المذکور، وثبت أنها دالة علی أن الکتاب غیر التوراة والإنجیل؛ لأن الآیة مکیة، وإذا کانت مکیة یبطل الادعاء المزعوم بأنها جاءت بخصوص عبد الله بن سلام، وتمیم الداری؛ لکی یکون المراد من الکتاب خصوص التوراة والإنجیل، کما ورد فی کتب التفسیر استنکار ذلک(1)، وقد أشبع بعض المحققین هذا المطلب فی کتاب مستقل(2)، ومن ضمن الأمور التی ذکرها فیه هو ما أسلفنا به من آراء المفسرین، کما أن الروایات الآتیة فی تفسیر المراد بمن عنده أهل الکتاب خیر دلیل علی ذلک.

2 - فی إن المراد ممن عنده علم الکتاب هم أهل البیت علیهم السلام، وعلی رأسهم علی بن أبی طالب علیه السلام، وهذا ما تکفلت به الروایات الکثیرة والصحیحة، کما جاء فی الکافی بسنده عن برید بن معاویة قال: قلت لأبی جعفر علیه السلام:

((... قُلْ کَفَی بِاللّهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ)).


1- جاء فی تفسیر مجاهد، ج1، ص33، قوله: «... وسئل سعید بن جبیر: أهو عبد الله بن سلام؟ فقال: هذه السورة مکیة، فکیف یکون عبد الله بن سلام؟». وفی تفسیر ابن جریر الطبری، ج13، ص232 قال: «حدثنی المثنی، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبی بشر، قال: قلت لسعید بن جبیر: ومن عنده علم الکتاب: أهو عبد الله بن سلام ؟ قال: هذه السورة مکیة، فکیف یکون عبد الله بن سلام ؟ قال: وکان یقرؤها: ومن عنده علم الکتاب. یقول: من عند الله...».
2- أُنظُر: جلال الدین، علی الصغیر، من عنده علم الکتاب؟، ص37.

ص: 112

قال:

«إیانا عنی، وعلی أولنا وأفضلنا وخیرنا بعد النبی صلی الله علیه وآله وسلم»(1).

 أو ما ذکره الطوسی فی تفسیره - بعد أن ذکر الأقوال فی الآیة -:«... وقال أبو جعفر وأبو عبد الله علیهما السلام:

هم أئمة آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم؛ لأنهم الذین عندهم علم الکتاب بجملته، لا یشذ عنهم شیء من ذلک دون من ذکروه...»(2).

وقد وردت روایات کثیرة - ومعظمها معتبرة - فی الکافی(3) وغیره(4) تفسر هذه الآیة بما یتحد مع مضمون هذه الروایة؛ مما یدل - وبوضوح - علی أن من عنده علم الکتاب هم أهل البیت علیهم السلام خاصة.

الدلیل السادس

قوله تعالی:

((... وَمَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ...))(5).

من الآیات التی استدل بها بعض العلماء (6) لإثبات أن علمهم علیهم السلام حاضر مطلق - غیر متوقف علی الإشاءة - قوله تعالی: 


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص 229.
2- الطوسی، محمد بن الحسن، التبیان، ج6، ص268.
3- أُنظُر: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص 229.
4- أُنظُر: الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص234. وأیضاً: القاضی النعمان، أبو حنیفة، دعائم الإسلام، ج1، ص22.
5- آل عمران: 7.
6- أُنظُر: اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص57.

ص: 113

((... وَمَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ...)).

والاستدلال بهذه الآیة یتوقف علی مقدمات:

المقدمة الأُولی: ثبت فی علم الأصول أن إطلاق المشتق علی ما سوف یتلبس بالمبدأ إنما یکون علی نحو المجاز لا الحقیقة، وهذا أمر متفق علیه بین العلماء(1)، وقد استعمل الله عز وجل هذه الصیغة فی الآیة المبارکة بقوله: (( وَالرَّاسِخُونَ ))، فلو لم یکونوا راسخین فی العلم فعلاً؛ لکان استعمال هذه الصیغة، أی: المشتق فی ذات لم تتلبس بالمبدأ بعد، وهذا من استعمال اللفظ فی غیر ما وضع له، وهذا الاستعمال یحتاج إلی قرینة تدل علیه؛ لما سوف یأتی فی المقدمة الثانیة، مع أنها مفقودة فی المقام.

المقدمة الثانیة: إن الأصل فی الکلام أن یحمل علی الحقیقة لا المجاز؛ لأصالة الحقیقة (2).

المقدمة الثالثة: إن الراسخین فی العلم هم الأئمة المعصومون علیهم السلام؛ کما وردت روایات معتبرة تدل علی ذلک، فقد أورد الکلینی رحمه الله فی الکافی باباً خاصاً تحت عنوان: (ان الراسخین فی العلم هم الأئمة علیهم السلام) (3)، قال فیه:

 1 - عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«نحن الراسخون فی العلم ونحن نعلم تأویله».

2 - عن برید بن معاویة، عن أحدهما علیهما السلام فی قوله الله عز وجل:

«(( وَمَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ )).


1- أُنظُر: الآخوند، محمد کاظم، کفایة الأصول، ص38.
2- أُنظُر: العلامة الحلی، الحسن بن یوسف، مختلف الشیعة، ج6، ص347. وأیضاً: الرازی، محمد تقی، هدایة المسترشدین، ج1، ص209. وأیضاً: الوحید البهبهانی، محمد باقر، الرسائل الفقهیة، ص245.
3- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص213.

ص: 114

«فرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أفضل الراسخین فی العلم، قد علَّمه الله عز وجل جمیع ما أنزل علیه من التنزیل والتأویل، وما کان الله لینزل علیه شیئاً لم یعلمه تأویله، وأوصیاؤه من بعده یعلمونه کله، والذین لا یعلمون تأویله إذا قال العالم فیهم بعلم، فأجابهم الله بقوله:

(( یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا )).

والقرآن خاص وعام، ومحکم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، فالراسخون فی العلم یعلمونه».

3 - عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«الراسخون فی العلم: أمیر المؤمنین والأئمة من بعده».

النتیجة: فإذا علمنا أن الله تعالی استخدم صیغة المشتق فی الآیة المبارکة، وأن المشتق لا یستعمل فیما سوف یتلبس بالمبدأ یکون علی نحو المجاز لا الحقیقة، وعلمنا أیضاً أن الأصل فی الکلام أن یحمل علی الحقیقة، إلا أن تُعقد قرینة من قِبَل المتکلم، تصلح لأن تکون صارفة عن ذلک، ولم نجد قرینة فی المقام، فإذا ضممنا إلی ذلک أن المقصود من الراسخین هنا هم الأئمة خاصة؛ یثبت قهراً أن علم الأئمة علیهم السلام حاضر غیر متوقف علی المشیئة.

الدلیل السابع

اشارة

قوله تعالی:

(( بَلْ هُوَ آیَاتٌ بَیِّنَاتٌ فِی صُدُورِ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا یَجْحَدُ بِآیَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ))(1).


1- العنکبوت: 49.

ص: 115

الاستدلال بالآیة
اشارة

ویتضح الاستدلال بهذه الآیة من خلال ذکر النقاط التالیة:

النقطة الأُولی

إن هذه الآیة تصرح بأن هناک من أوتی العلم وحصل علیه، وأن العلم الذی ذُکر فی الآیة شامل لجمیع ما یمکن أن یؤتاه الإنسان، إما بالإطلاق - کما هو الصحیح - حیث إنه تعالی لم یقید العلم بقید، أو لا أقل بالعموم - علی قول ضعیف - لأن الألف واللام إذا دخلت علی الاسم تفید العموم والشمول، کما هو مذهب بعض العلماء(1).

النقطة الثانیة

إن الذین أوتوا العلم هم الأئمة خاصة من بعد النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وقد تکفلت بإثبات هذا المعنی روایات صریحة ومعتبرة.

فقد جاء فی کتاب الکافی الشریف، فی باب: (أن الأئمة قد أوتوا العلم وأثبت فی صدورهم) قال رحمه الله: «... عن أبی بصیر، قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول فی هذه الآیة:

(بَلْ هُوَ آَیَاتٌ بَیِّنَاتٌ فِی صُدُورِ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ)

فأومأ بیده إلی صدره»، وغیرها من الروایات المتحدة معها مضموناً (2).

النتیجة: فالأئمة علیهم السلام قد أوتوا العلم فعلاً، وحوته صدورهم، وهذا یساوی فی النتیجة کون علمهم حاضراً، غیر متوقف علی المشیئة. 


1- أُنظُر: الحائری، محمد حسین، الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص171.
2- أُنظُر: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص214.

ص: 116

الدلیل الثامن

اشارة

قوله تعالی:

(لِنَجْعَلَهَا لَکُمْ تَذْکِرَةً وَتَعِیَهَا أُذُنٌ وَاعِیَةٌ) (1).

ومن ضمن الآیات التی استدل(2) بها علی علمهم المطلق والحاضر هو قوله تعالی: (وَتَعِیَهَا أُذُنٌ وَاعِیَةٌ)، وکیفیة الاستدلال بها یکون بالبیان التالی:

أولاً: قد ثبت - فی محله - أن هذه الأذن التی ذکرها القرآن واعیةٌ لکل شیء، فقد وری الصفار فی بصائره بسنده عبد الرحمن بن کثیر، عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله تعالی: (وَتَعِیَهَا أُذُنٌ وَاعِیَةٌ) قال:

«وعت أُذن أمیر المؤمنین ما کان وما یکون» (3).

ثانیاً: قد جاء فی تفسیر هذه الآیة، أنّ الأُذن الواعیة هی أُذن أمیر المؤمنین علیه السلام؛ فقد ورد فی الکافی بسنده، عن یحیی بن سالم، عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«لما نزلت: (وَتَعِیَهَا أُذُنٌ وَاعِیَةٌ) ، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: هی أُذنک یا علی»(4).

وهناک روایات کثیرة ذکرت فی مصادر أخری، تدل علی هذا المعنی أیضاً(5).


1- الحاقة: 12.
2- أُنظُر: المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص42.
3- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص537.
4- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص423.
5- أُنظُر: الکوفی، محمد بن سلیمان، مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام، ج1، ص196. وأیضاً: علی بن جعفر، مسائل علی بن جعفر، ص330. وأیضاً: الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص156. وکذا: الصدوق، محمد بن علی، عیون أخبار الرضا، ج1، ص67. ومعانی الأخبار، ص60.

ص: 117

ثالثاً: إن کل ما علمه أمیر المؤمنین علیه السلام قد وصل إلی الأئمة من بعده قاطبة، کما دلَّت علی ذلک روایات کثیرة أیضاً، منها ما جاء فی الکافی، کقول أبی جعفر علیه السلام قال:

«إن العلم الذی نزل مع آدم علیه السلام لم یرفع، والعلم یتوارث، وکان علی علیه السلام عالم هذه الأُمَّة، وإنه لم یهلک منا عالم قط إلا خلفه من أهله من علم مثل علمه، أو ما شاء الله».

إلی غیر ذلک من الروایات المماثلة لها فی نفس الباب (1).

النتیجة: أنَّ أُذن الأئمة علیهم السلام وعت علم ما کان وما یکون، وهذا معناه أن علمهم علیهم السلام حاضر عندهم، غیر معلق علی المشیئة.

خلاصة الاستدلال بالآیات القرآنیة

إن المتحصل - من بعد هذه الجولة مع الأدلة القرآنیة علی علم الأئمة علیهم السلام - أن فی الآیات القرانیة الکفایة لإثبات هذا الموضوع، ومن دون أی حاجة إلی دلیل آخر، وإذا کان هناک دلیل فی البین، فنور علی نور.

الأدلة الروائیة

توجد مجموعة من الروایات التی دلت صراحة - أو ظاهراً - علی أن علمهم علیهم السلام حاضر عندهم، وغیر مقید بالإشاءة، وقد ذُکِر الکثیر منها فی أُمهات المصادر المعتبرة، فجاء فی الکافی الشریف - وغیره من المصادر الحدیثیة الأخری -


1- أُنظُر: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص222.

ص: 118

مجموعة من الطوائف التی یحصل معها الاطمئنان بثبوت هذا المعنی، فقد وردت مجموعة من الطوائف الدالة علی أن علمهم علیهم السلام حاضر، وغیر مقید بالمشیئة، جاء فی کل طائفة منها مجموعة من الروایات بأسانید مختلفة، تبلغ بمجموعها حد التواتر المعنوی علی أقل التقادیر - علی أن بعضاً منها معتبر وصحیح - وسوف نقتصر فی ذلک علی مواضع الحاجة فقط؛ خوفاً من الإطالة:

الطائفة الأُولی

(أن الأئمة علیهم السلام یعلمون علم ما کان وما یکون وأنه لا یخفی علیهم علیهم السلام شیء).

1 - روی الکلینی بسنده، عن أبی عبد الله علیه السلام فی حدیث:

«... ورب الکعبة، ورب البنیة - ثلاث مرات - لو کنت بین موسی والخضر لأخبرتهما أنی أعلم منهما، ولأنبئتهما بما لیس فی أیدیهما؛ لأن موسی والخضر علیهما السلام أعطیا علم ما کان، ولم یعطیا علم ما یکون وما هو کائن حتی تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وراثةً» (1).

2 - وعنه علیه السلام:

«إنی لأعلم ما فی السماوات، وما فی الأرض، وأعلم ما فی الجنة، وأعلم ما فی النار، وأعلم ما کان وما یکون. قال: ثم مکث هنیئة، فرأی أن ذلک کبر علی من سمعه منه؛ فقال: علمت ذلک من کتاب الله عز وجل، إن الله عز وجل


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص260. وأیضاً: الحلی، حسن بن سلیمان، المحتضر، ص206.

ص: 119

یقول: {فیه تبیان کل شیء}(1)» (2).

3 - عن جماعة بن سعد الخثعمی أنه قال: «کان المفضل عند أبی عبد الله علیه السلام، فقال له المفضل: جعلت فداک، یفرض الله طاعة عبد علی العباد ویحجب عنه خبر السماء؟ قال:

لا، الله أکرم وأرحم وأرأف بعباده من أن یفرض طاعة عبد علی العباد، ثم یحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً» (3).

4 - عن ضریس الکناسی، قال: «سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول - وعنده أناس من أصحابه -:

عجبت من قوم یتولونا ویجعلونا أئمة، ویصفون أن طاعتنا مفترضة علیهم کطاعة رسول الله علیه السلام، ثم یکسرون حجتهم، ویخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فینقصونا حقنا، ویعیبون ذلک علی من أعطاه الله برهان حق


1- استدل علیه السلام بالآیة المبارکة، ولکنها لم تکن نص ما جاء فی الکتاب الکریم؛ ولذا ذکر العلماء عدة حتمالات فی توجیه ما جاء فی هذه الروایة: منها: أن الراوی قد نقل الآیة بالمعنی. أُنظُر: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص261، هامش رقم1. ومنها: أن الإمام علیه السلام قرأ هذه الآیة علی قراءة عندهم علیهم السلام. أُنظُر: المصدر نفسه. ومنها: أن الإمام علیه السلام أراد المعنی لا النص بعینه. أُنظُر: الحسینی، شرف الدین، تأویل الآیات، ج1، ص103، هامش رقم 3.
2- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص145. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص261.
3- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص148. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص261.

ص: 120

معرفتنا والتسلیم لامرنا، أترون أن الله تبارک وتعالی افترض طاعة أولیائه علی عباده، ثم یخفی عنهم أخبار السماوات والأرض، ویقطع عنهم مواد العلم فیما یرد علیهم مما فیه قوام دینهم؟!...»(1).

5 - وعن أبی عبد الله علیه السلام - أنه قال مخاطباً هشام فی حدیث عنه - قال:

«... ویک یا هشام، لا یحتج الله تبارک وتعالی علی خلقه بحجة لا یکون عنده کل ما یحتاجون إلیه»(2).

وقد ذکر الصفار رحمه الله حدیثاً مشابهاً لما أوردناه، إلا أن فیه:

«وتشک یا هشام؟! من شک أن الله یحتج علی خلقه بحجة لا یکون عنده کل ما یحتاجون إلیه، فقد افتری علی الله»(3).

6 - وعن الرضا علیه السلام أنه قال لابن هذاب:

«إن أنا أخبرتک أنک ستُبتلی فی هذه الأیام بدم ذی رحم لک، أکنت مصدقاً لی؟

قال: لا، فإن الغیب لا یعلمه إلا الله تعالی. قال علیه السلام:

أوَ لیس الله یقول: 


1- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص144. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص262. وأیضاً: الراوندی، قطب الدین، الخرائج والجرائح، ج2، 870.
2- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص262. والصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص143.
3- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص143

ص: 121

(عَالِمُ الْغَیْبِ فَلَا یُظْهِرُ عَلَی غَیْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَی مِنْ رَسُولٍ) (1).

فرسول الله عند الله مرتضی، ونحن ورثة ذلک الرسول الذی أطلعه الله علی ما شاء من غیبه، فعلمنا ما کان وما یکون إلی یوم القیامة...» (2).

6 - عن أبی حمزة، قال: «سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول:

لا والله، لا یکون عالم جاهلاً أبداً، عالماً بشیء جاهلاً بشیء. ثم قال: الله أجل وأعز وأکرم من أن یفرض طاعة عبد یحجب عنه علم سمائه وأرضه. ثم قال: لا یحجب ذلک عنه»(3).

دلالة هذه الطائفة من الأخبار

إن هذه الأخبار أبلغ وأصرح دلیل علی أن علمهم علیهم السلام مطلق وحاضر عندهم، وغیر معلق علی الإشاءة؛ حیث یصرح الإمام علیه السلام بأن: «الله أجل وأعز وأکرم من أن یفرض طاعة عبد یحجب عنه علم سمائه وأرضه». ثم یجیب علیه السلام بنفسه ویقول: «لا یحجب ذلک عنه»، وهذا الکلام صریح فی فعلیة علمهم علیهم السلام.

الطائفة الثانیة

(أن الأئمة علیه السلام یعلمون جمیع العلوم التی خرجت إلی الملائکة والأنبیاء والرسل علیهم السلام).

ذکر الکلینی قدس سره فی کتاب الحجة - وغیره من المحدثین - طائفة من


1- الجن: 26 - 27.
2- أُنظُر: الطوسی، ابن حمزة، الثاقب فی المناقب، ص189.
3- المصدر نفسه، ص144. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص262.

ص: 122

الروایات، تحت عنوان: (أن الأئمة علیهم السلام یعلمون جمیع العلوم التی خرجت إلی الملائکة والأنبیاء والرسل علیهم السلام) قال فیه:

1 - عن أبی عبد الله علیه السلام، قال:

«إن الله (1) تبارک وتعالی علمین: علماً أظهر علیه ملائکته وأنبیاءه ورسله، فما أظهر علیه ملائکته ورسله وأنبیاءه، فقد علمناه، وعلماً استأثر به فإذا بدا لله فی شیء منه أعلمنا ذلک، وعرض علی الأئمة الذین کانوا من قبلنا» (2).

2 - وعنه علیه السلام، قال:

«إن الله (3) عز وجل علمین: علماً عنده لم یطلع علیه أحداً من خلقه، وعلماً نبذه إلی ملائکته ورسله، فما نبذه إلی ملائکته ورسله، فقد انتهی إلینا»(4).

3 - عن ضریس، قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول:

«إن لله عز وجل علمین: علم مبذول، وعلم مکفوف، فأما المبذول؛ فإنه لیس من شیء تعلمه الملائکة والرسل إلا نحن نعلمه، وأما المکفوف، فهو الذی عند الله عز وجل فی أم الکتاب، إذا خرج نفذ» (5).


1- هکذا ورد فی بعض المصادر، والظاهر أن هناک خطأً مطبعیاً، وأن الصحیح هو« لله» کما فی بصائر الدرجات.
2- علی بن جعفر، مسائل علی بن جعفر، ص326. وأیضاً: الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص414. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص255.
3- هکذا ورد فی الکافی، وقد تقدم الوجه الصحیح فیه.
4- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص130. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص255.
5- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص131. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص255.

ص: 123

4 - عن أبی بصیر، عن أبی جعفر علیه السلام قال:

«إن الله (1) عز وجل علمین: علم لا یعلمه إلا هو، وعلم علمه ملائکته ورسله، فما علمه ملائکته ورسله علیهم السلام، فنحن نعلمه» (2).

5 - عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«إن لله علمین: علم مکنون مخزون، لا یعلمه إلا هو، من ذلک یکون البداء، وعلم علمه ملائکته ورسله وأنبیاءه، فنحن نعلمه» (3).

دلالة أحادیث هذه الطائفة

إن الذی یُمعن النظر فی هذه المجموعة من الروایات، یری أنها تدل - بظاهرها - علی أن علم الأئمة علیهم السلام حاضر ومطلق، غیر معلق علی المشیئة؛ وذلک من خلال قول الإمام علیه السلام «فقد علمناه»، أو «انتهی إلینا»، أو قوله: «نحن نعلمه»، أو «فنحن نعلمه»، وهذه الطریقة فی التعبیر واضحة فیما نروم إثباته، وهو أن العلم الذی أمکن وصوله إلیهم یکون حاضراً عندهم، غیر محجوب عنهم علیهم السلام.

الطائفة الثالثة

(أن الله عز وجل لم یعلم نبیه علماً إلا أمره أن یُعلِّمه أمیر المؤمنین وأنه کان شریکه فی العلم). 


1- هکذا ورد فی الکافی، وقد تقدم الوجه الصحیح فیه.
2- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص256.
3- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص131. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص147.

ص: 124

وردت فی کتب الحدیث مجموعة من الروایات یجمعها عنوان: (أن الله عز وجل لم یعلم نبیه علماً إلا أمره أن یعلمه أمیر المؤمنین، وأنه کان شریکه فی العلم)، وإلیک ما ذکر فی المقام:

1 - عن أبی جعفر علیه السلام، قال:

«نزل جبرئیل علیه السلام علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم برمانتین من الجنة، فأعطاه إیاهما، فأکل واحدة، وکسر الأخری بنصفین، فأعطی علیاً علیه السلام نصفها فأکلها، فقال: یا علی، أما الرمانة الأُولی التی أکلتها فالنبوة، لیس لک فیها شیء، وأما الأخری فهو العلم، فأنت شریکی فیه»(1).

2 - عن أبی عبد الله علیه السلام - فی حدیث - قال:

«... لم یُعلم الله محمداً صلی الله علیه وآله وسلم علماً، إلا وأمره أن یُعلمه علیاً علیه السلام » (2).

3 - عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام - فی حدیث - یقول:

«... فلم یعلم - والله - رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حرفاً مما علمه الله عز وجل، إلا وقد علمه علیاً، ثم انتهی العلم إلینا، ثم وضع یده علی صدره» (3).


1- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص313. وأیضاً: الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص263.
2- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص313. وأیضاً: الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص263.
3- الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص263. وأیضاً: المفید، محمد بن محمد، الاختصاص، ص279.

ص: 125

دلالة أحادیث هذه الطائفة

إن ما تفیده هذه الروایات هو أن علم الأئمة علیهم السلام حاضر ومطلق، غیر مقید بالمشیئة؛ حیث إن قوله علیه السلام:

«فلم یعلم - والله - رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حرفاً مما علمه الله عز وجل، إلا وقد علمه علیاً، ثم انتهی العلم إلینا، ثم وضع یده علی صدره».

وما یماثلها من الفقرات المتقدمة تدل - وبصراحة - علی أن کل علم علمه الله رسوله صلی الله علیه وآله وسلم إنما وصل إلی الأئمة جمیعاً، وهذا الشیء هو عین ما نرید إثباته فی مقامنا، وهو أن علمهم علیهم السلام بالأشیاء فعلی حضوری، لا أنه بالقوة ومقید بشیء ما.

الطائفة الرابعة

(أن الأئمة علیهم السلام خزنة علمه) 

1 - عن عبد الرحمن بن کثیر، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول:

«نحن ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وعیبة وحی الله» (1).

2 - عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال:

«والله، إنا لخزان الله فی سمائه وأرضه، لا علی ذهب ولا علی فضة إلا علی علمه»(2).

3 - وعنه علیه السلام، قال: قلت له: جعلت فداک، ما أنتم؟ قال:


1- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص81. وأیضاً: الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص192. وأیضاً: ابن شهرآشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب، ج3، ص336.
2- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص124. وأیضاً: الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص192. وأیضاً: الطبرسی، الفضل بن الحسن، إعلام الوری بأعلام الهدی، ج1، ص509.

ص: 126

«نحن خزان علم الله، ونحن تراجمة وحی الله، ونحن الحجة البالغة علی من دون السماء، ومن فوق الأرض» (1).

وقد رواه الطبرسی عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام (2).

4 - وعنه علیه السلام أیضاً - فی حدیث - قال:

«قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: قال الله تبارک وتعالی:... وهم خزانی علی علمی من بعدک. ثم قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: لقد أنبأنی جبرئیل علیه السلام بأسمائهم وأسماء آبائهم» (3).

5 - عن أبی عبد الله علیه السلام - فی حدیث - قال:

«... فنحن حجج الله فی عباده، وخزانه علی علمه، والقائمون بذلک» (4).

6 - وعنه علیه السلام أیضاً:

«إن الله عز وجل خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا خزانه فی سمائه وأرضه...» (5).


1- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص124. وأیضاً: الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص192.
2- أُنظُر: الطبرسی، الفضل بن الحسن، إعلام الوری بأعلام الهدی، ج1، ص509.
3- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص74. وأیضاً: الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص193.
4- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص81 و124. وأیضاً: الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص193.
5- علی بن جعفر، مسائل علی بن جعفر، ص316. وأیضاً: الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص193.

ص: 127

دلالة الروایات فی هذه الطائفة

إن هذه الطائفة من الروایات، تدل علی أن الأئمة علیه السلام قد حووا علوم الله؛ حیث إنها تصرح بأنهم: «خزان علمه فی سمائه وأرضه» تارة، وأخری بقوله علیه السلام: «خزانه علی علمه»، أو: «نحن خزان علم الله»، إلی غیر ذلک من النصوع الواضحة فی کونهم قد تحملوا العلم فعلاً، لا أنه محجوب عنهم، ومتوقف علی إرادتهم.

الطائفة الخامسة

(أن الکتاب فیه کل شیء وأن الأئمة علیهم السلام عندهم کل ما فیه)(1).

وردت طائفة من الروایات، تصلح أن تکون دلیلاً علی ما ذکرنا؛ حیث دلت هذه الطائفة علی أن الکتاب الکریم احتوی علی کل شیء، وأن الأئمة علیهم السلام یعلمون کل ما فی الکتاب، ومن هذه الروایات:

1_ عن أبی عبد الله علیه السلام، قال:

«کتاب الله فیه نبأ ما قبلکم، وخبر ما بعدکم، وفصل ما بینکم، ونحن نعلمه» (2).

2_ عن عبد الأعلی بن أعین، قال: «سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول:

قد ولدنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أعلم کتاب الله، وفیه بدء الخلق، وما هو کائن إلی یوم القیامة، وفیه خبر السماء، وخبر الأرض، وخبر الجنة،


1- المصدر نفسه، ص59.
2- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص216. وأیضاً: الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص61.

ص: 128

وخبر النار، وخبر ما کان، وخبر ما هو کائن، أعلم ذلک کما أُنظُر إلی کفی...» (1).

دلالة الروایات فی هذه الطائفة

إن هذه الطائفة التی تتکلم عن ما یحتوی علیه الکتاب الکریم، دلت - بالضمن - علی أن ذلک کله عند أهل البیت علیهم السلام، وأنهم علموا ذلک منذ أن وُلدوا؛ کما فی قوله علیه السلام:

«ولدنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أعلم کتاب الله» أو قوله علیه السلام أیضاً: «ونحن نعلمه»، ففی هاتین الفقرتین دلالة واضحة علی أن علمهم علیهم السلام مطلق وحاضر، وغیر مقید بالإشاءة.

الطائفة السادسة

(أن الأئمة لا یحجب عنهم شیء من أمر...).

وقد وردت فیه مجموعة من الروایات فی هذا الباب، ذکرها الصفار فی بصائره، ونحن نکتفی بنقل بعض منها:

1 - عن أبی عبد الله علیه السلام، قال:

«إن الله أحکم وأکرم، وأجل وأعلم من أن یکون احتج علی عباده بحجة، ثم یُغیِّب عنهم شیئاً من أمرهم»(2).

2 - عن أبی عبد الله علیه السلام، قال:


1- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص218. وأیضاً: الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص61.
2- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص142.

ص: 129

«أتری مَن جعله الله حجة علی خلقه یخفی علیه شیء من أمورهم؟!» (1).

دلالة هذه الطائفة من الأخبار

إن هذه الطائفة واضحة الدلالة علی أن کل شیء - أمکن العلم به - قد أعطاه الله تعالی للأئمة علیهم السلام، وأنه لا یمکن أن یحجب عنهم علیهم السلام شیئاً مما یحتاجون إلیه؛ إتماماً لحجته علی خلقه.

الطائفة السابعة

(أن الأئمة یعلمون بما فی السماوات والأرض والجنة و النار وما کان وما هو کائن إلی یوم القیامة).

1 - عن أبی جعفر علیه السلام، قال:

«سئل علی علیه السلام عن علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال: علم النبی علم جمیع النبیین، وعلم ما کان، وعلم ما هو کائن إلی قیام الساعة. ثم قال: والذی نفسی بیده، إنی لأعلم علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وعلم ما کان، وما هو کائن فیما بینی وبین قیام الساعة»(2).

2 - عن عبد الأعلی وعبیده بن بشیر، قال:

«قال أبو عبد الله علیه السلام - ابتداءً منه -: والله، إنی لأعلم ما فی السماوات وما فی الأرض، وما فی الجنة وما فی النار، وما کان وما یکون إلی أن تقوم الساعة...»(3)


1- المصدر نفسه، ص143.
2- المصدر نفسه، ص147.
3- المصدر نفسه. وأیضاً: ابن شهرآشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب، ج3، ص373.

ص: 130

دلالة هذه الطائفة من الأخبار

تدل هذه الروایة - صراحة - علی أن علم الإمام علیه السلام من حیث الکیفیة حاضر عنده، کما أنه یعم جمیع الأشیاء من حیث الکمیة؛ فالروایة صالحة لإثبات المطلوب.

الطائفة الثامنة

(أن أمیر المؤمنین علیه السلام أعلم من أُولی العزم).

عن عبد الله بن الولید قال: قال لی أبو عبد الله علیه السلام:

«أی شیء یقول الشیعة فی عیسی وموسی وأمیر المؤمنین علیه السلام؟

قلت: یقولون: إن عیسی وموسی أفضل من أمیر المؤمنین علیه السلام. قال: فقال:

أیزعمون أن أمیر المؤمنین علیه السلام قد علم ما علم رسول الله؟

قلت: نعم، ولکن لا یقدمون علی أُولی العزم من الرسل أحداً. قال أبو عبد الله علیه السلام:

فخاصمهم بکتاب الله.

قال: قلت: وفی أی موضع منه أخاصمهم؟ قال:

قال الله تعالی لموسی:

(وَکَتَبْنَا لَهُ فِی الْأَلْوَاحِ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ مَوْعِظَةً) (1).

إنه لم یکتب لموسی کل شیء، وقال الله تبارک وتعالی لعیسی:


1- الأعراف: 145.

ص: 131

(وَلِأُبَیِّنَ لَکُمْ بَعْضَ الَّذِی تَخْتَلِفُونَ) (1).

وقال الله تعالی لمحمد صلی الله علیه وآله وسلم:

(وَجِئْنَا بِکَ شَهِیدًا عَلَی هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ تِبْیَانًا لِکُلِّ شَیْءٍ) (2)»(3).

دلالة هذه الطائفة من الأخبار

دلت هذه الطائفة من الأخبار، علی أن أمیر المؤمنین علیه السلام کان علمه حاضراً مطلقاً، غیر متوقف علی مشیئة؛ وذلک لأنه علیه السلام قد عَلِمَ عِلْم النبی صلی الله علیه وآله وسلم، والنبی قد حوی صدره کتاب الله عز وجل، وکتاب الله فیه تبیان لکل شیء، أی: أن کتاب الله تعالی قد حوی کل شیء؛ فتکون النتیجة أن أمیر المؤمنین علیه السلام حوی صدره کل شیء وبالفعل.

الطائفة التاسعة

(أن العبد إذا اختاره الله عز وجل أعلمه کل شیء) 

روی عن الإمام الرضا علیه السلام - فی حدیث - إنه قال:

«... إن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلک، وأودع قلبه ینابیع الحکمة، وألهمه العلم إلهاماً، فلم یعِ بعده بجواب ولا یحیر فیه عن الصواب»(4)


1- الزخرف: 63.
2- النحل: 89.
3- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص147.
4- الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص202. وأیضاً: الصدوق، محمد بن علی، الأمالی، ص778. وأیضاً: الطبرسی، الفضل بن الحسن، الاحتجاج، ج2، ص230.

ص: 132

دلالة الروایة

إن هذه الروایة دالة بظاهرها فی کون علم الإمام علیه السلام حاضراً عنده من الله عز وجل، ألهمه له إلهاماً؛ حیث إن الإمام علیه السلام یقول:

«... إن العبد إذا اختاره الله عز وجل... فلم یعِ بعده بجواب، ولا یحیر فیه عن الصواب».

ولا خلاف - بین علمائنا - فی أنهم علیهم السلام قد اختارهم الله تعالی، فیکونون قد حووا علی جمیع ما ذکر فی الروایة.

الطائفة العاشرة

(أن أمیر المؤمنین علیه السلام یعلم بکل شیء تعلیماً من النبی صلی الله علیه وآله وسلم).

1 - ورد فی روایة عن أمیر المؤمنین علیه السلام یخاطب نصرانیاً، فقال له:

«سل - یا نصرانی - فو الذی فلق الحبة وبرأ النسمة، لا تسألنی عما مضی، ولا ما یکون إلا أخبرتک به عن نبی الهدی محمد صلی الله علیه وآله وسلم »(1).

2 - ورد فی المناقب لابن شهرآشوب: عن زاذان، عن سلمان الفارسی - فی خبر طویل -: «إن جاثلیقا جاء فی نفر من النصاری إلی أبی بکر، وسأله مسائل عجز عنها أبو بکر، فقال عمر: کفَّ - أیها النصرانی - عن هذا العنت، وإلا أبحنا دمک. قال الجاثلیق: أهذا عدل علی مَن جاء مسترشداً طالباً، دلونی علی مَن أسأله عما أحتاج إلیه. فجاء علی واستسأله، فقال النصرانی: أسألک عما سألت عنه هذا الشیخ،


1- الطوسی، محمد بن الحسن، الأمالی، ص 219. وأیضاً: الراوندی، قطب الدین، الخرائج والجرائح، ج2، ص554.

ص: 133

خبرنی: أمؤمن أنت عند الله أم عند نفسک؟ فقال علیه السلام:

أنا مؤمن عند الله، کما أنا مؤمن فی عقیدتی.

قال: خبرنی عن منزلتک فی الجنة ما هی؟ قال:

منزلتی مع النبی الأُمی فی الفردوس الأعلی، لا أرتاب بذلک، ولا أشک فی الوعد به من ربی...

قال: فبما بنتَ أیها العالم عن الرعیة الناقصة عنک؟ قال:

بما أخبرتک به عن علمی بما کان وما یکون...» (1).

دلالة هذه الطائفة

إن الإمام علیه السلام فی الروایة الأُولی یتحدی النصرانی، بأنه لو سأله عن کل شیء - کان أم لم یکن - فإنه علیه السلام سوف یخبره به عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وأما الروایة الثانیة فیبین له فیها أنه یعلم بما کان وما یکون، وهذا معناه أن علم الإمام علیه السلام کان حاضراً عنده عن النبی؛ فیثبت - بالنتیجة - أن علمه علیه السلام حاضر غیر متوقف علی الإشاءة، وقد تقدم أن کل ما کان عند أمیر المؤمنین علیه السلام فقد وصل إلی باقی الأئمة علیهم السلام.

الطائفة الحادیة عشر

(ما اعترف به المأمون للإمام الرضا علیه السلام ولم ینفه الإمام عنه وعن آبائه).

جاءت فی عیون أخبار الرضا علیه السلام مجموعة من الروایات التی تدل علی علم بما کان وما یکون، بل ورد فی بعضها ما یدل علی أن هذا الأمر معلوم حتی عند


1- الطوسی، محمد بن الحسن، الأمالی، ص221. وأیضاً: ابن شهرآشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب، ج2، ص94.

ص: 134

أعدائهم؛ فقد ورد أن المأمون - مع ما یحمل من العداء لأهل البیت علیهم السلام - کان یعتقد بذلک، ونحن نکتفی بهذا الخبر فقط:

ورد فی عیون أخبار الرضا، أن المأمون قال - مخاطباً الإمام الرضا علیه السلام -:

«... أن آباءک موسی بن حعفر، وجعفر بن محمد، ومحمد بن علی، وعلی بن الحسین علیهم السلام کان عندهم علم ما کان وما هو کائن إلی یوم القیامة، وأنت وصی القوم ووارثهم، وعندک علمهم، وقد بدت لی إلیک حاجة...»(1).

دلالة هذه الطائفة

إن المأمون یذکر للإمام علیه السلام مقام آبائه المعصومین علیهم السلام، ویقول:

«... کان عندهم علم ما کان وما هو کائن إلی یوم القیامة...».

وهذا الکلام یعنی أن أهل البیت علیهم السلام علمهم مطلق وحاضر، والملاحظ أن الإمام علیه السلام لم ینفِ ذلک، ولم یرده بما یستنکر علیه، بل أقره وقضی له ما کان یطلب من حاجة؛ مما یدل علی أن هذه المسألة من المسائل غیر المنکرة علیهم علیهم السلام، وتقریر الإمام حجة، خصوصاً فی مثل هذا المورد الذی لا یمکن أن یکون سکوته علیه السلام لأجل التقیة.

الطائفة الثانیة عشر

(أن أمیر المؤمنین علیه السلام عین الله ولسانه).

ورد فی مدینة المعاجز - فی خبر طویل - قال علیه السلام: 


1- الصدوق، محمد بن علی، عیون أخبار الرضا علیه السلام، ج1، ص241.

ص: 135

«أنا عین الله الناظرة فی أرضه، أنا لسانه الناطق فی خلقه، أنا نور الله الذی لا یطفی، أنا باب الله الذی یؤتی منه، وحجته علی عباده...» (1).

دلالة هذه الطائفة

یستفاد من هذه الروایة، أن علم الإمام علیه السلام کعلم الله عز وجل؛ من حیث کیفیته، وأنه حاضر عنده علیه السلام؛ حیث إنه مطلع علی الأشیاء، کما اطلع الله تعالی علیها، ولا شک ولا ریب فی أن الله عز وجل لم یغِبْ عنه شیء أطلاقاً، فهو محیط بجمیع الأشیاء، فکذلک الإمام علیه السلام، غایة الأمر أن علم الله یختلف عن علم الإمام بما ذکرنا فی الفصل الأول.

خلاصة الاستدلال بالروایات

إن الذی یتتبع الروایات الواردة فی هذا الموضوع - وفی مواضیع أخری لها علاقة بموضوعنا - یری أن هذه الروایات بلغت من الکثرة حد التواتر الموجب للاطمئنان، بأن علمهم علیهم السلام حاضر، خصوصاً وأن هناک الکثیر منها صحیحة السند، وصریحة الدلالة، فلا یبقی بعد هذا أی شک - أو تردد - فی کون علمهم علیهم السلام حاضراً عندهم وفعلیاً. 


1- القمی، شاذان بن جبرئیل، الفضائل، ص84. وأیضاً: البحرانی، هاشم بن سلیمان، مدینة المعاجز، ج1، ص245.

ص: 136 

ص: 137

الفصل الثالث: النظریة الإشائیة روَّادها وأدلتها من الکتاب والسنة

اشارة

* الاتجاه الأول: أن علمهم متوقف علی مشیئة الله تعالی

* الاتجاه الثانی: أن علمهم متوقِّف علی مشیئتهم علیهم السلام

ص: 138 

ص: 139

تمهید

لیس خافیاً علی المتتبع لموضوع علم الإمام علیه السلام، أن هناک رأیاً آخر فی قبال ما تقدم فی الفصل الثانی، ویری أصحاب هذا الرأی، أن علم الإمام لیس حاضراً مطلقاً، بل هو مقید بالمشیئة، ومتوقف علیها، فبإمکانهم أن یعلموا الأشیاء، ولکن هذا العلم معلَّق علی المشیئة، وقد عبَّر بعض العلماء عن هذا الرأی ب_: (الإرادی أو الإشائی) (1)، کما بیّنا مرادهم من هذا المصطلح، فی الفصل الأول، عند الکلام عن المعنی الترکیبی للنظریة الإشائیة، وقد وجِد فی ضمن هذا الرأی اتجاهان ذُکِرا فی الکتب، وهما: 


1- أُنظُر: اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص 6. وکذا: المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص11. وأیضاً: حمُّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، ج 2، ص13.

ص: 140

الاتجاه الأول: أن علمهم علیهم السلام متوقف علی مشیئة الله تعالی

اشارة

ذهب صاحب هذا الاتجاه إلی أن علمهم علیهم السلام لیس مطلقاً، بل هو إشائی، ولکن الإشائیة هنا بمعنی أن علمهم علیهم السلام متوقف علی مشیئة الله عز وجل، إن شاء أن یعلموا أعلمهم، وإن لم یشأ لا یجدون إلیه سبیلاً.

وقد ذکر هذا الرأی بعضٌ فی رسالة کُتبت حول موضوع علم الإمام؛ حیث ذکر عنواناً لهذا الرأی أسماه ب_(علم الإمام مشروط بمشیئة الله)، وقال فیه:«... وفی هذا المقام توجد روایات کثیرة أیضاً»(1).

وهذا الأمر وإن کان مفروغا عنه ومتفق علیه بین المسلمین، فکل شیء فی الوجود متوقف علی مشیئة الله عز وجل، إلا أن هذا لا یلزم منه تفسیر هذه النظریة بالمعنی المتقدم. ثم إنه ذکر الأدلة التی تدل علیه، وما ینسجم معه من الروایات والآیات، ولم یردّ، ولم یناقش هذا الرأی إطلاقاً؛ مما یدل علی أنه یرتضیه فی حقهم علیهم السلام(2).

إلا أن الملفت للنظر أن هذا الرأی لم نجد له أثراً فی الکتب والبحوث التی تطرقت لموضوع علم الإمام علیه السلام غیر ما ذکرنا، ولعل السبب فی عدم ذکره هو وضوح بطلانه؛ حیث إن هذه المرتبة بالتصویر المتقدم تتساوی فیها جمیع الناس. 


1- أُنظُر: دلشاد، حسین هادی، علم إمام از دیدکاه قرآن وسنَّت، ص172 (نقلاً بالترجمة).
2- أُنظُر: المصدر نفسه.

ص: 141

أدلة الاتجاه الأول

اشارة

هناک طائفتان من الأدلة التی أُقیمت علی هذا الرأی، ذُکرتا فی رسالة علم الإمام من منظار الکتاب والسنة، وهاتان الطائفتان هما:

الطائفة الأُولی

ما کان من قبیل قول الإمام الصادق علیه السلام:

«إذا أراد الإمام أن یعلم شیئاً أعلمه الله ذلک»(1).

فقد استدل به بعض - وبما کان متحداً فی المعنی والمضمون مع هذه الروایة أیضاً - علی هذا القول(2)، وذلک بالبیان التالی:

1 - إن هذه الروایة - وما یشابهها من روایات - دلت علی أن علم الأئمة علیهم السلام متوقف علی شیء فی تحقّقه، وهذا الشیء هو مشیئة الإمام علیه السلام.

2 - إن المراد من مشیئة الإمام علیه السلام فی هذه الروایة هی نفسها مشیئة الله عزَّ وجل، فلا یشاء الإمام شیئاً إلا إذا شاء الله ذلک، ولا یرید الإمام ما لا یریده الله تعالی، وهذا ما نستفیده من قوله تعالی:

(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ یَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ) (3).

حیث إنها نفت مشیئة کل إنسان من دون مشیئة الله تعالی.

النتیجة

ثبت أن الإمام علیه السلام لا یمکن أن یعلم بشیء، إلا إذا أراد الله عز وجل ذلک، فعلمهم علیهم السلام متوقف علی مشیئته تعالی. 


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 258.
2- أُنظُر: دلشاد، حسین هادی، علم إمام أز دیدکاه قرآن وسنّت، ص 174.
3- التکویر: 29.

ص: 142

وعلی هذا البیان؛ یکون المراد من الروایات الآتیة فی الاتجاه الثانی - والتی تقول: إن الامام إذا شاء أن یعلم علم - بمعنی أن مشیئته علیه السلام هی المشیئة الإلهیة لا مشیئة الإمام علیه السلام، وذلک بضمیمة الآیة المبارکة التی ذکرناها فی الاستدلال المتقدم.

مناقشة هذه الطائفة

إن الاستدلال بهذا الدلیل لا یمکن القبول والتسلیم به، ولا یثبت ما ادعاه صاحب هذا الاتجاه؛ وذلک للأمور التالیة:

أولاً: إن الروایات التی ذکرها فی المقام أجنبیة عن مدعاه؛ لأنها صریحة فی إثبات مقام أسمی مما توهمه، حیث إنها واردة فی صدد الإجابة عن أسئلة موجهة من قبل أصحاب الأئمة علیهم السلام یستبینون فیها عن کیفیة علم الإمام علیه السلام - بعد اعتقادهم بأن الإمام له میزة عن باقی الناس؛ لما یراه من إخباره بالمغیبات وظهور المعجزات - فذکر الإمام أن علمه متواجد عندهم، غیر أنه متوقف فی حصوله وتحققه علی مقدمة، وهی التفاتهم لما یریدون، وهذا البیان منه علیه السلام کان بمعزل عن کون علمهم علیهم السلام متوقف علی مشیئة الله تعالی، بمعنی أن توقف مشیئتهم علیهم السلام علی مشیئة الله عز وجل أمر مفروغ عنه عند الجمیع، فضلاً عن أصحاب الأئمة، فمقتضی حمل الکلام علی ظاهره أن نحمله علی مشیئتهم علیهم السلام لا مشیئة الله.

ثانیاً: إن هذه الآیة غیر ناظرة إلی مقامنا بالخصوص، وإنما هی عامة من جهة توقف کل إرادة علی إرادته تعالی، فهی فی مقام بیان قدرة الله عز وجل، وعدم تفویض الأمر إلی الخلق مطلقاً، کما ذکر بعض المفسرین ذلک عند تفسیرهم للآیة(1)،


1- ذکر صاحب تفسیر الأمثل، فی صدد تفسیر قوله تعالی فی سورة التکویر، الآیة 29: ((وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن یَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ))، فقال: «... وعلی أیة حال، فالآیة تؤکد مرة أخری علی حریة الإنسان فی اختیاره الطریق الذی یرضاه، سواء کان طریق حق، أم طریق باطل. ویفهم من (یستقیم)، أن طریق السعادة الحقة، طریق مستقیم، وما دونه لا یکون کذلک، ولولا الإفراط والتفریط، والوساوس الشیطانیة، وأغشیة الضلال.. لسار الإنسان علی هذه السبل المنجیة، باستجابته لنداء الفطرة، واتباعه الخط المستقیم، والخط المستقیم هو أقصر الطرق الموصلة للهدف المنشود؛ ولکی لا یتصور بأن مشیئة وإرادة الإنسان مطلقة فی سیره علی طریق المستقیم، ولکی یربط الإنسان مشیئته بمشیئة وتوفیق الله عز وجل، وجاءت الآیة التالیة، ولتقول: وما تشاؤون إلا أن یشاء الله رب العالمین...». الشیرازی، ناصر مکارم، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج19، ص468.

ص: 143

وهذا مما لا إشکال فیه؛ فقد ثبت فی محله، أن الأفعال الاختیاریة للإنسان - والتی یستطیع القیام بها وتتحقق منه متی شاء کالأکل والشرب والنوم - لا تتحقق إلا بعد مشیئة الله تعالی لذلک، ولکن هذا لا یعنی أن الإنسان ممنوع عنها، فیصح القول: بأن الإنسان قادر علی أن یأکل متی شاء...

ثالثاً: علی کلام المستدل یکون الأئمة علیهم السلام حالهم - فی العلم - کحال غیرهم من الناس، فما هو الفرق بینهم علیهم السلام وبین مَن یلهمه الله بعض الأشیاء؛ نتیجة لخلوصه وصفاء نفسه؟!

الطائفة الثانیة

ما جاء من الأدلة الدالة - إما تصریحاً أو تلویحاً - علی کون علمهم علیهم السلام موقوفاً علی مشیئة الله عزَّ وجلَّ، وهی آیة ومجموعة من الروایات:

أما الآیة، فهی قوله تعالی:

(وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَیْنَاکَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِیمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ یَعْلَمُ أَعْمَالَکُمْ) (1).


1- محمد: 30.

ص: 144

وجه الاستدلال

إن هذه الآیة تُصرِّح بتوقف الإراءة - التی هی بمعنی العلم - علی مشیئته تعالی، فلو لم یشأ الله لم یعلم الإمام علیه السلام شیئاً أبداً.

مناقشة هذا الدلیل

إن هذا الدلیل لا یصلح لإثبات ما ادعی فی المقام؛ حیث إن الآیة المبارکة لا تنفی حصول المشیئة بذلک، وإنما تتکلم عن قدرة الله علی إراءة هؤلاء المنافقین بأعیانهم، وقد بیَّنت أن هناک علامات وصفات من خلالها علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم أشخاص هؤلاء، وقد تحقق علمه بهم کما ذکر المفسرون ذلک(1)، مضافاً إلی أن الکلام المتقدم فی الآیة السابقة یأتی بعینه هنا.

وأما الروایات التی استدل بها علی هذا الاتجاه فهی:

1 - ما جاء فی الکافی، عن الإمام أبی جعفر علیه السلام:

«یُبسط لنا العلم فنعلم، ویُقبض عنا فلا نعلم».

وقال:

«سر الله عز وجل أسره إلی جبرئیل علیه السلام، وأسره جبرئیل إلی محمد صلی الله علیه وآله وسلم، وأسره محمد إلی مَن شاء الله» (2).

2 - ما ورد عنه علیه السلام أیضاً:

«... فذلک - یا حمران - علم موقوف عنده، إلیه فیه المشیئة، فیقضیه إذا أراد،


1- أُنظُر: الزمخشری، جار الله، الکشاف عن حقائق التنزیل وعیون الأقاویل، ج3، شرح ص537. وأیضاً: الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج18، ص243.
2- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، 256.

ص: 145

ویبدو له فیه فلا یمضیه، فأما العلم الذی یقدره الله عز وجل، فیقضیه ویمضیه، فهو العلم الذی انتهی إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ثم إلینا»(1).

دلالة هذه الطائفة

بیَّن الإمام علیه السلام للسائل أن علمهم یُعطی لهم فی حالات خاصة، ففی حالة یُبسط لهم فیعلمون، ویُقبض أخری فیُمنعون، ولا قابض للعلم عنهم إلا مفیضه، وهذا معناه أن علمهم علیهم السلام موقوف علی مشیئته عز وجل.

مناقشة الروایات

إن هذه الروایات وإن کان بعضها معتبراً، إلا أنه بالإمکان توجیهها والقول: بأنها لا تصلح للاستدلال علی ما یدعیه المستدل؛ بل یمکننا أن ندعی دلالتها علی علمهم علیهم السلام الحاضر لا المعلق علی المشیئة؛ خصوصاً إذا لاحظنا ذیل الروایة، التی یصرح فیها الإمام علیه السلام بأن هذا العلم قد وصل إلیهم، کقوله:«... وأسره محمد إلی مَن شاء الله»، أو قوله: «... انتهی إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ثم إلینا»، وهذا یعنی أن العلم قد وصل وانتهی إلیهم، فلا یصح الاستدلال بها.

خلاصة الکلام عن الاتجاه الأول

بعد أن تقدم ذکر الأدلة لهذا الاتجاه، وعرفنا المناقشة فی جمیع ما ذُکر من أدلة؛ انکشف لنا أنَّ هذا الاتجاه لا یمکن أن یُصار إلیه، والاعتماد علیه والقول به؛ لکون ذلک من القول بدون علم ودلیل معتبر شرعاً، وتبقی النظریة الإطلاقیة - إلی الآن - خالیة عن المعارضة والمصادمة بنظریة أُخری.


1- المصدر السابق.

ص: 146 

ص: 147

الاتجاه الثانی: أن علمهم متوقف علی مشیئتهم علیهم السلام

اشارة

هناک اتجاه آخر فی علم الأئمة علیهم السلام، یری أصحابه أن الإمام إذا شاء أن یعلم الشیء علم به، إکراماً له من الله عز وجل، أما إذا لم یشأ ذلک یحجب عنه، وقد ذهب إلی هذا الاتجاه جمع من العلماء الأعلام أعلی الله مقامهم.

عبائر العلماء الذین اختاروا هذا الاتجاه

اشارة

ذکر بعض العلماء من الشیعة، أن علم الأئمة علیهم السلام متوقف علی مشیئتهم، وإلیک ما ذُکر فی المقام:

أولاً: الحر العاملی (م1104 ه_)

صرَّح الحر العاملی فی الفوائد الطوسیة، بأن علم الأئمة علیهم السلام إشائی، متوقف علی إرادتهم، لا أنه حاضر ومطلق؛ حیث قال:

«... بل علمهم بجمیع أفراده غیر معلوم، أو معلوم العدم؛ لکونه من علم الغیب، فلا یعلمه إلا الله، وإن کانوا یعلمون منه ما یحتاجون إلیه، وإذا شاؤوا أن

ص: 148

یعلموا شیئاً علموه»(1).

فکلامه قدس سره صریح فی أن علم الأئمة علیهم السلام إرادی وإشائی، ولیس حاضراً.

ثانیا: العلامة الأشتیانی (م1319 ه_)

قال الأشتیانی - فی مقام الجواب علی مَن قال: بأنه لا یجوز للإمام الحکم بعلمه -: «... وفیه أولاً: المنع من علم المعصوم بجمیع جزیئات أفعال المکلفین وأقوالهم فعلاً، غایة الأمر أنهم قادرون علی العلم بهما، إن شاؤوا علموا...» (2).

وهذا الکلام منه قدس سره صریح بتبنیه لهذه النظریة.

إلا أن المشکلة تکمن فیما ذکره رحمه الله فی حاشیته علی الرسائل؛ حیث إنه صرح هناک بأن الصحیح عنده - حسب ما تُفضی به الأدلة - أن علمهم علیهم السلام حضوری، وغیر مقید بالإشاءة، فقال قدس سره:«... أما الشبهة الموضوعیة، فإنما یسأل عن حکمها الظاهری، لا عنها، من غیر فرق بین أن یکون علم النبی والأئمة علیهم السلام بها علی الوجه الذی ذکره الشیخ، بزعم أن علمهم الحضوری - بجمیع الموضوعات الخارجیة - من علم الغیب المختص بالباری تعالی، وإن کان مقتضی الآیة کونهم عالمین بالغیب أیضاً؛ من حیث کونهم من الراسخین فی العلم یقیناً، أو علی غیره من الوجوه التی أشار إلیها فی الکتاب، وإن کان الحق - وفاقاً لمن له إحاطة بالأخبار الواردة فی باب کیفیة علمهم صلوات الله علیهم أجمعین وخلقهم - کونهم عالمین بجمیع ما کان وما یکون وما هو کائن، ولا یعزب عنهم مثقال ذرة، إلا اسم واحد من


1- الحر العاملی، محمد بن حسن، الفوائد الطوسیة، ص 520.
2- الأشتیانی، محمد حسن، کتاب القضاء، ص51.

ص: 149

أسمائه الحسنی تعالی شأنه، المختص علمه به تبارک وتعالی، سواء قلنا: بأن خلقتهم من نور ربهم أوجب ذلک لهم، أو مشیة إفاضیة باریهم فی حقهم أودعه فیهم، ضرورة أن علم العالمین من أُولی العزم من الرسل والملائکة المقربین، فضلاً عمن دونهم فی جمیع العوالم ینتهی إلیهم؛ فإنه الصادر الأول، والعقل الکامل الممحض، والإنسان التام التمام، فلا غرو فی علمهم بجمیع ما یکون فی تمام العوالم، فضلا عما کان، أو ما هو کائن، کما هو مقتضی الأخبار الکثیرة المتواترة جداً، ولا ینافیه بعض الأخبار المقتضیة لکون علمهم علی غیر الوجه المذکور؛ لأن الحکمة قد تقتضی بیان المطلب علی غیر وجهه، من جهة قصور المخاطب ونقصه، أو من جهة أخری من خوف ونحوه، مع عدم کذبهم من جهة التوریة، ولولا مخافة الخروج عن وضع التعلیقة - بل عن الفن - لفصلنا لک القول فی ذلک، وأسأل الله التوفیق لوضع رسالة مفردة فی هذا الباب»(1).

فهذه العبارة تدل - بالصراحة - بأن علم الأئمة علیهم السلام حضوری، وغیر متوقف علی المشیئة.

وهذا الکلام لا یقبل توجیهاً یجمع بین القولین، إلا أن نقول: إنه قدس سره تراجع عما ذکره فی حاشیته؛ فمال إلی القول بالإشائیة؛ حیث إن کتاب القضاء متأخر عن الحاشیة، فیکون من الذین صرحوا بکون علمهم علیهم السلام إشائی لا حضوری.

ثالثاً: العلاَّمة محمد رضا المظفر (1388)

وکذا ما ذکره العلاَّمة المظفر فی عقائد الإمامیة؛ حیث قال:«... وإذا استجد شیء لابد أن یعلمه من طریق الإلهام، بالقوة القدسیة التی أودعها الله تعالی فیه، فإنْ


1- الأشتیانی، محمد حسن، بحر الفوائد فی شرح االفرائد، ج4، ص459.

ص: 150

توجَّه إلی شیء، وشاء أن یعلمه علی وجهه الحقیقی لا یخطأ فیه ولا یشتبه» (1).

فقوله قدس سره:«... فإنْ توجَّه إلی شیء وشاء أن یعلمه علی وجهه الحقیقی لا یخطأ فیه ولا یشتبه»، صریح فی أنه یتبنَّی هذا الاتجاه.

رابعاً: السید عبد اللطیف الکوهکمری

قال السید عبد اللطیف الکوهکمری، فی هامش نضد القواعد للسیوری - بعد نقله کلام المحشی -:«... قال المحشی فی توضیحه: لما کان علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم والإمام علیه السلام بالنسبة إلی الوقائع الحادثة أمراً مفروغاً، التجأ فی مقام فرض عدم العلم لهم علیهم السلام إلی أن ثبت بقول بطریق مجهول عندنا استبهام کیفیة تلک الواقعة عندهم، بمعنی أنه علمنا بطریق من الطرق عدم علمهم بکیفیة الطرق الواقعة.

ودعوی امتناع ذلک مع معلومیة ثبوت علمهم بالوقایع علی ما هی علیه، غیر مسموعة، بعد معلومیة أن علمهم بالوقائع إرادی لا حضوری، کما هو مذهب أهل الحق، ویظهر ذلک للمتأمل...»(2).

ففی تعلیقته قدس سره علی توضیح المحشی لکلام السیوری ما یدل بوضوح وصراحة علی أن علمهم لیس حضوریاً.

خامساً: السید الکلبایکانی

ومن ضمن الذین تبنَّوا هذا الرأی فی علم الأئمة علیهم السلام هو السید الگلبایگانی قدس سره؛ حیث جاء فی کتاب قضائه ما نصه:«... قال المحقق: (ولو لم


1- المظفر، محمد رضا، عقائد الإمامیة، ص 314.
2- السیوری، المقداد، نضد القواعد الفقهیة، ص 152، هامش رقم 1.

ص: 151

یعلم به الإمام وجب أن یعرف نفسه...)

أقول: علم الإمام علیه السلام بالأمور یکون فی ظرف إرادته واشاءته لأنْ یعلم به، فعلم الإمام کبصر البصیر» (1).

فقوله قدس سره: «... ظرف إرادته واشاءته...»، صریح فیما ذکرنا، وإنما مثل لذلک ببصر البصیر لإیضاح الفکرة أکثر؛ حیث إن الذی یمتلک عینین، بإمکانه أن ینظر بهما متی شاء أن یری الأشیاء.

سادساً: السید محمد کلانتر

ومن الذین ذهبوا إلی القول بالإشائیة فی علم الإمام علیه السلام هو شارح الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة، السید محمد کلانتر؛ حیث قال:«... ثم اعلم أن عدم علم الإمام علیه السلام بذلک بحسب الظاهر بالموضوعات الخارجیة، إن أراد وشاء، فمَن قال - والعیاذ بالله - بجهل الإمام بالموضوعات الخارجیة، فهو جاهل وخارج عن الأوصاف»(2).

وهذا الکلام یدل صراحة علی أن علم الإمام علیه السلام غیر حاضر عندهم.

وقد تردد الشیخ الأعظم قدس سره - فی مبحث البراءة - ولم یذکر ما هو مختاره فی هذه المسألة؛ حیث إنه قال:«وأما مسألة مقدار معلومات الإمام علیه السلام، من حیث العموم والخصوص، وکیفیة علمه بها من حیث توقفه علی مشیتهم، أو علی التفاتهم إلی نفس الشیء، أو عدم توقفه علی ذلک، فلا یکاد یظهر من الأخبار المختلفة


1- الگلبایگانی، محمد رضا، کتاب القضاء، ج1، ص 74.
2- العاملی، محمد بن جمال الدین، شرح اللمعة (تعلیقة علی الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة)، ج3، ص 61، هامش رقم 2.

ص: 152

فی ذلک ما یطمئن به النفس، فالأوْلی وکول علم ذلک إلیهم صلوات الله علیهم أجمعین»(1).

کما ذکر السید الخوئی قدس سره فی مصباح الفقاهة - عند تعرضه لروایة عن الإمام الرضا علیه السلام، من أکل البیضة المراهن علیها ثم تقیؤ ذلک - کلاماً مشابهاً لما ذکره الشیخ الأعظم، یدل علی تردده أیضاً؛ حیث إنه قال:«... ویمکن أن یقال: إن الاعتراض علی الروایة مبنی علی کون علم الأئمة علیهم السلام بالموضوعات حاضراً عندهم، من غیر توقف علی الإرادة، وقد دلت علیه جملة من الروایات، کما أن علمهم بالأحکام کذلک، وأما بناء علی أن علمهم بالموضوعات تابع لإرادتهم واختیارهم، کما دلت علیه جملة أُخری من الروایات، فلا یتوجه الإشکال علی الروایة؛ لإمکان صدور الفعل عنهم علیهم السلام جهلاً قبل الإرادة، ولکن الذی یسهل الخطب أن البحث فی علم الإمام علیه السلام من المباحث الغامضة، والأوْلی رد علم ذلک إلی أهله، کما ذکره المصنف رحمه الله، علی أن الروایة المذکورة ضعیفة السند»(2).

وعلی هذا الأساس؛ فلا یمکن لنا أن نُدرج رأیهما فی طرف من أطراف النزاع فی المسألة.

نعم، إن هذا الکلام کافٍ لجعلهما من الذین یقولون بعلم الإمام والمعتقدین به؛ بناء علی أن کون مسألتنا من المسائل الاعتقادیة، التی یکفی فی ثبوتها الموافقة الإجمالیة أیضاً، فضلاً عن الدلیل الظنی المعتبر - کما تقدم فی الفصل الأول - لکن هذا الکلام غیر معرفة مختارهما فی المسألة، ونسبته إلی جهة من جهات النزاع. 


1- الأنصاری، مرتضی، فرائد الأصول، ج2، ص134.
2- الخوئی، أبو القاسم، مصباح الفقاهة، ج1، ص583.

ص: 153

أدلة الاتجاه الثانی

اشارة

أما مَن ذهب إلی أن علمهم علیهم السلام متوقف علی مشیئتهم، فإن عمدة أدلته هی طائفة من الروایات الواردة عن أهل البیت علیهم السلام، وهذه الطائفة - التی لا تبلغ عدد أصابع الید - ذکرها الکلینی (أعلی الله مقامه) فی باب خاص فی الکافی، تحت عنوان (باب أن الأئمة علیهم السلام إذا شاؤوا أن یعلموا علموا)(1)، وفی غیره من أبواب النوادر، وقد ذکر فیه الروایات التالیة:

1 - علی بن محمد وغیره، عن سهل بن زیاد، عن أیوب بن نوح، عن صفوان بن یحیی، عن ابن مسکان، عن بدر بن الولید، عن أبی الربیع الشامی، عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«إن الإمام إذا شاء أن یعلم علم».

2 - أبو علی الأشعری، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ابن مسکان، عن بدر بن الولید، عن أبی الربیع، عن أبی عبد الله علیه السلام، قال:

«إن الإمام إذا شاء أن یعلم أُعلم».

3 - محمد بن یحیی، عن عمران بن موسی، عن موسی بن جعفر، عن عمرو بن سعید المدائنی، عن أبی عبیدة المدائنی، عن أبی عبد الله علیه السلام، قال:

«إذا أراد الإمام أن یعلم شیئاً أعلمه الله ذلک».

4 - أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن أحمد بن الحسن بن علی، عن عمرو بن سعید، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطی، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الإمام؟ یعلم الغیب؟ فقال: 


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص258.

ص: 154

«لا، ولکن إذا أراد أن یعلم الشیء أعلمه الله ذلک»(1).

دلالة هذه الطائفة من الروایات

لا إشکال فی دلالة هذه الروایات - صراحة - علی أن علمهم علیهم السلام متوقف علی إرادتهم وتوجههم إلیه، بمعنی أن الإمام علیه السلام إذا أراد معرفة شیء تجلَّی أمامه فی حینه، أما الفترة والزمان الذی قبل هذه الحالة، فلا یوجد عنده علم عن هذا شیء، وهذا المعنی یتنافی - بظاهره - مع الروایات الواردة فی الرأی الأول، والتی دلت - صراحة أو ظاهراً - علی أن علمهم علیهم السلام فعلی وحاضر عندهم.

سند روایات الاتجاه الثانی

بعد أن تمَّت روایات هذا الاتجاه الثانی، من حیث دلالتها علی المطلوب، وعرفنا أنها صریحة فی ذلک، تعیَّن علینا الکلام فی جهة صدورها واعتبار سندها؛ لأنها لم تصل - من حیث کثرتها - إلی حد یُستغنی بها عن البحث السندی، کما فی روایات النظریة الإطلاقیة، والتی بلغت بکثرتها حد التواتر، فهی أخبار آحاد، لا یصلح الاستدلال بها ما لم یثبت اعتبارها، فنقول:

سند الروایة الأُولی

وهذه الروایة ضعیفة بسهل بن زیاد، وهو أبو سعید الآدمی، فهو مختلف فیه، حیث ضعَّفه النجاشی(2)، وابن الغضائری(3)، والشیخ الطوسی فی الفهرست(4)، وابن


1- المصدر السابق، ص257. ذکر هذه الروایة فی باب من أبواب نوادره.
2- أُنظُر: النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی، ص185.
3- أُنظُر: ابن الغضائری، أحمد بن الحسین، رجال ابن الغضائری، ص59.
4- أُنظُر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست، ص142، برقم 339.

ص: 155

داوود فی رجاله(1)، وقد وثَّقه الطوسی فی الرجال(2)، ولجهالة بدر - أو زید - بن الولید؛ فإنه مجهول الحال، کما ذکر السید الخوئی فی معجم رجاله (3).

سند الروایة الثانیة

وهذه الروایة ضعیفة السند أیضاً ببدر بن الولید، وقد تقدم الکلام عنه فی الروایة الأُولی.

سند الروایة الثالثة

وهذه الروایة ضعیفة السند أیضاً؛ لورود موسی بن جعفر فی سندها، فهو إما الحائری، أو البغدادی، أو الکوفی، وقد ضعفهم الشیخ الطوسی(4)، وأبی عبیدة المدائنی فی سندها، وهو مجهول الحال (5).

سند الروایة الرابعة

أما أحمد بن محمد، فهو إما العاصمی(6)، وقد وثقه النجاشی بقوله: «أحمد بن محمد بن أحمد، بن طلحة، أبو عبد الله، وهو ابن أخی أبی الحسن علی بن عاصم


1- أُنظُر: ابن داوود، الحسن بن علی، رجال ابن داوود، ص 249.
2- أُنظُر: الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی، ص387.
3- أُنظُر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث، ج4، ص182.
4- أُنظُر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست، ص287و325و343.
5- أُنظُر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث، ج22، ص256.
6- إنما عیِّن لقبه فی المقام، مع أنه مردد بینه وبین أحمد بن محمد بن عیسی، لما ذکره الحر العاملی فی کتابه الفصول المهمة؛ ولبعض القرائن الدالة علی ذلک أیضاً، وقد ذکر الکلباسی فی رسائله وجوهاً لإثبات ذلک، وعین الکلام أیضاً یأتی فی ابن فضال، فقد ذکر الحر العاملی قدس سره  فی هامش فصوله أنه ابن فضال. أُنظُر: الکلباسی، محمد بن محمد، الرسائل الرجالیة، ج3، ص83. وأیضاً: الحر العاملی، محمد بن الحسن، الفصول المهمة فی أصول الأئمة، ج1، هامش رقم 1 من ص 396.

ص: 156

المحدِّث، یقال له: العاصمی. کان ثقة فی الحدیث سالماً خیِّرا، أصله کوفی، وسکن بغداد، روی عن الشیوخ الکوفیین...» (1)، ووثقه الشیخ الطوسی فی فهرسته أیضاً(2)، أو أحمد بن محمد بن عیسی، وهو ثقة أیضاً، فإنه شیخ القمیین ووجههم وفقیههم(3)، وقد وثقه السید الخوئی بقوله: «أحمد بن محمد، بن عیسی، بن عبد الله الأشعری، ثقة، له کتب...» (4)، وأما محمد بن الحسن، فهو محمد بن الحسن بن علی بن فضال، وقد وثقه النجاشی بقوله: «محمد بن الحسن، بن علی، أبو عبد الله المحاربی، جلیل من أصحابنا، عظیم القدر، خبیر بأمور أصحابنا، عالم ببواطن أنسابهم» (5)، فهو المحاربی نفسه، کما ذکر السید الخوئی قدس سره فی رجاله (6)، وأما أحمد بن الحسن بن علی، فقد وثقه النجاشی بقوله: «أحمد بن الحسن بن علی، بن محمد، بن علی، بن فضال، بن عمر، بن أیمن، مولی عکرمة بن ربعی الفیاض، أبو الحسین، وقیل: أبو عبد الله. یقال: إنه کان فطحیاً، وکان ثقة فی الحدیث...» (7)، وقال الطوسی فی فهرسته: «أحمد بن الحسن، بن علی، بن محمد، بن فضال، بن عمر، بن أیمن، مولی عکرمة بن ربعی الفیاض، أبو عبد الله، وقیل: أبو الحسین، کان فطحیاً، غیر أنه ثقة فی الحدیث...» (8)، وأما عمرو بن سعید، فهو ثقة، وثقه النجاشی بقوله: «عمرو بن سعید المدائنی ثقة،


1- النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی، ص93.
2- أُنظُر: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست، ص73.
3- أُنظُر: النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی، ص82. وأیضاً: الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست، ص68. وأیضاً: الأردبیلی، محمد علی، جامع الرواة، ج1، ص69.
4- الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث، ج13، ص85.
5- النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی، ص350.
6- أُنظُر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث، ج16، ص243.
7- النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی، ص80.
8- الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست، ص67.

ص: 157

روی عن الرضا علیه السلام...»، وأما مصدق بن صدقة، فهو ثقة أیضاً (1)، وأما عمار الساباطی، فقد وثقه النجاشی قدس سره بقوله:«عمار بن موسی الساباطی، أبو الفضل مولی، وأخواه قیس وصباح، رووا عن أبی عبد الله وأبی الحسن علیهما السلام، وکانوا ثقات فی الروایة...» (2).

فهذه الروایة معتبرة السند إذن، والنتیجة التی توصلنا إلیها - من خلال البحث فی أسانید الروایات - هی أنه لم یتم من الروایات إلا الروایة الرابعة من هذه الطائفة، وأما الروایات الأخری، فلا یصح الاعتماد علیها فی المقام.

ثم إنه یمکن أن یکون مَن تبنَّی هذا الرأی فی علم الإمام علیه السلام قد صحح الروایات بطریقة أخری، وهی أن یکون قد اعتمد - لمعرفة حال الرواة أو صحة الروایة واعتبارها - علی تجمیع القرآئن التی تدل علی عدالة الراوی أو عدمها، وقد انتهج هذه الطریقة - فی معرفة حال الرواة، أو الروایة بصورة عامة - جمع من علمائنا أیضاً، کالمامقانی(3) وبعض من علمائنا المعاصرین(4)، وعلی هذا المسلک یمکن أن یصحح


1- أُنظُر: العلامة، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال، ص282.
2- النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی، ص290.
3- وهو: عبد الله بن حسن، بن عبد الله، بن محمد باقر المامقانی النجفی، وهو مؤرخ متأدب، متفقه إمامی، من أهل النجف، ولد فیها سنة 1290 ه_، وتوفِّی فیها أیضاً سنة 1351 ه_.، ومن مؤلفاته المطبوعة (تنقیح المقال فی أحوال الرجال) ثلاثة مجلدات، و(مناهج المتقین) ثلاثة أجزاء، و(مجمع الرسائل)، وتنقیح المقال هذا من أبسط الکتب الرجالیة، کما هو واضح لمن طالعه، وقد انتهج فیه توثیق أو تضعیف الرواة بواسطة تجمیع القرائن الدالة علی ذلک،. أُنظُر: الزرکلی، خیر الدین، الأعلام، ج4، ص79. وأیضاً: غفاری، علی أکبر، دراسات فی علم الدرایة، ص5.
4- کالشیخ محمد السند فی کتابه (فی رحاب الزیارة الجامعة الکبیرة)؛ حیث إنه تطرق لهذا الموضوع عند کلامه حول أحد رواة الزیارة الجامعة. أُنظُر: السند، محمد، فی رحاب الزیارة الجامعة الکبیرة، ص13 - 17.

ص: 158

أسانید الروایات التی تقدم تضعیف رواتها؛ وذلک لأن المشکلة التی من أجلها خدشنا فی اعتبار الروایة هی فی بعض الرواة، الذین وردوا فی أسانید الروایات المذکورة، وتضعیف رواتها إنما کان اعتماداً علی قول الرجالیین، والحال أن قولهم إنما یؤخذ به من باب حجیة خبر الثقة، وهی لا تشمل الإخبار عن حدس، کما قرره علماؤنا فی کتبهم الأصولیة(1)، بل ذهب بعض الأعلام إلی أن الأخذ بکلام الرجالی لیس هو إلا التقلید(2).

خلاصة الکلام عن الاتجاه الثانی

وبعد أن تبیَّن لنا أن لهذا الاتجاه دلیلاً صحیحاً وتاماً - سنداً ودلالة -؛ بحیث یُسوِّغ لمَن توصَّل إلیه الاعتماد علیه فی تبنِّی هذه النظریة - أی أن علم الأئمة علیهم السلام متوقف علی مشیئتهم معرفة الشیء -؛ نعرف أن النظریة الأُولی - وهی إطلاقیة علم الأئمة علیهم السلام وعدم توقفه علی المشیئة - قد واجهت مشکلة تصطدم مع الأخذ بها، فإن هذه النظریة تتنافی مع ما تقدم معنا فی الفصل السابق؛ لأن مؤدی تلک النظریة هو أن علم الأئمة علیهم السلام حاضر عندهم وفعلی لدیهم، ومضمون ومؤدی هذه النظریة هو أن علمهم علیهم السلام لیس حاضراً عندهم بالفعل، وإنما حضوره لدیهم متوقف علی أن یریدوا معرفة الشیء فیعرفونه، وهذه النظریة وإن کان دلیلها روایة واحدة، وهی غیر صامدة أمام أدلة النظریة السابقة علیها، إلا أننا بحاجة إلی التوفیق بینهما وإیجاد حلٍّ عقلائی یصلح معه الأخذ بأحد النظریتین


1- أُنظُر: الأنصاری، مرتضی، فرائد الأصول، ج1، ص183. وأیضاً: الآخوند، محمد کاظم، کفایة الأصول، ص290. وأیضاً: الحائری، عبد الکریم، درر الفوائد، ج2، ص374. وأیضاً: الإیروانی، علی بن عبد الحسین، نهایة النهایة، ج2، ص179.
2- أُنظُر: السند، محمد، فی رحاب الزیارة الجامعة الکبیرة، ص13 - 17.

ص: 159

من دون محذور الترجیح من دون مرجح، لکننا نترک الکلام عنه هنا، ونؤجل ذلک إلی الفصل الرابع إن شاء الله تعالی؛ حیث إننا سوف نعقد مبحثاً خاصاً نتکلم فیه عن التوفیق بین هاتین النظریتین.

تنبیه: فی الثمرة المترتبة علی القول بعلمهم المطلق والإشائی

هناک مجموعة من الثمرات المترتبة علی الخلاف فی مسألة علم الإمام علیه السلام، بحیث تترتب علی بعض الآراء دون غیرها، وقد صرح بعض العلماء بذلک، ومن أبرزها:

1 - لو التزمنا بأن الأئمة علیهم السلام یعلمون بالأشیاء مطلقا، بمعنی أن علمهم فعلی وحاضر، سوف تواجهنا کثیر من الإشکالات التی تتنافی مع هذه النظریة، مما یُلجئ صاحب هذا الرأی إلی توجیه مواقف الأئمة علیهم السلام، وما صدر عنهم، من قول أو فعل یتنافی مع مبناه، أما لو قلنا: بأن علمهم علیهم السلام إشائی ولیس فعلیاً، بل هو متوقف علی إرادة معرفة الشیء، فعند ذلک تنجلی کثیر من الإشکالات العالقة فی الأذهان؛ نتیجة ما یترآی للمتتبع لسیرة المعصومین علیهم السلام.

ومن أوضح الإشکالات التی تصلح أن تکون مثالاً فی مقامنا، هو ما ذُکر من شبهة حول استشهاد الأئمة علیهم السلام؛ حیث إنه علی القول: بأن علمهم علیهم السلام حاضر وفعلی، یُوهِم بعضهم بأنهم علیهم السلام ألقوا بأنفسهم إلی التهلکة؛ وهو أمر منهی عنه بصریح القرآن الکریم(1)، وهذه الشبهة لیس لها مجال علی النظریة الأخری - أی أن علمهم علیهم السلام متوقف علی المشیئة - لاحتمال أن یکونوا لم یشاؤوا ذلک، فلم یعلموا بآجالهم، ولسنا فی صدد الإجابة عن ذلک - أو توجیهه - فی


1- وذلک فی قوله تعالی: ((وَأَنفِقُواْ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ...)) (البقرة: 195).

ص: 160

هذا المقام، وإنما نترکه إلی محله - فی الفصل الرابع إن شاء الله تعالی -؛ حیث إننا سوف نذکر الشبهات الواردة علی علم الإمام علیه السلام.

ویمکن جعل ما ذکره السید الخوئی قدس سره - فی مقام توجیه ما ورد عن الإمام الرضا علیه السلام من أکله البیضة المراهن علیها ثم تقیؤه ذلک - أحد صغریات هذه الثمرة؛ حیث إنه قال: «... ویمکن أن یقال: إن الاعتراض علی الروایة مبنی علی کون علم الأئمة علیهم السلام بالموضوعات حاضراً عندهم، من غیر توقف علی الإرادة، وقد دلت علیه جملة من الروایات، کما أن علمهم بالأحکام کذلک، وأما بناء علی أن علمهم بالموضوعات تابع لإرادتهم واختیارهم، کما دلت علیه جملة أخری من الروایات، فلا یتوجه الإشکال علی الروایة؛ لإمکان صدور الفعل عنهم علیهم السلام جهلاً قبل الإرادة، ولکن الذی یسهل الخطب أن البحث فی علم الإمام علیه السلام من المباحث الغامضة، والأوْلی رد علم ذلک إلی أهله...»(1).

2 - إن فی إثبات الرأی الأول منزلة ومقاماً أفضل من الرأی الثانی؛ حیث إنه یصبح کل فعل یقوم به المعصوم علیه السلام عن علم واطلاع به، ومع ذلک یختاره، أما علی القول بالإشاءة، فلا یقطع بکونه عالماً بما قام به، إلا إذا دل دلیل علی ذلک، فمسألة استشهادهم علیهم السلام تکون مختارة لهم عن درایة واطلاع بتفاصیلها علی القول بالعلم المطلق والفعلی، وأما علی الإشائیة، فقد لا یشاؤون ذلک؛ وبالتالی فلا یعلمون.

وقد ذکر هذه الثمرة السید الجلالی فی بحثه حول علم الأئمة بالغیب؛ حیث قال:«... ویترتب علی القول بالتفصیل کونهم علیهم السلام مختارین فی انتخاب الموت


1- الخوئی، أبو القاسم، مصباح الفقاهة، ج1، ص583.

ص: 161

لأنفسهم، وقد دلت علی ذلک الأحادیث والآثار المنقولة»(1).

3 - إن القائل بالرأی الأول - أی أن علمهم علیهم السلام مطلق - یمکنه الاستدلال علی بعض المسائل الحادثة فی زمن الغیبة بسکوت النبی صلی الله علیه وآله وسلم، والمعصومین من الأئمة علیهم السلام، فکل مسألة من المسائل لم تکن لها جذور فی زمنهم وکانت من الأهمیة بمکان، بحیث لو کان المعصوم حاضراً فی وقت حدوثها لما أمکن أن یسکت علیها، بل یواجهها کما واجهوا علیهم السلام القیاس فی الدین وغیره من المسائل، فإذا لم یردع عنها، ولم یُشِرْ إلیها نستکشف أنها ممضاة من قبلهم، وبالتالی تکون حجة معتبرة، کما استدل السید الإمام الخمینی قدس سره علی اعتبار وحجیة العرف الحادث - أی العرف الذی لم یحدث فی زمان ظهور المعصوم علیه السلام - بذلک، فقال قدس سره:«... وأما الأمر الثانی: أی عدم ردعهم عن هذا الارتکاز کاشف عن رضاهم بذلک، فهو أیضاً واضح، ضرورة أن ارتکازیة رجوع الجاهل فی کل شیء إلی عالمه، معلومة لکل أحد، وأن الأئمة علیهم السلام قد علموا بأن علماء الشیعة فی زمان الغیبة، وحرمانهم عن الوصول إلی الإمام، لا محیص لهم من الرجوع إلی کتب الأخبار والأصول والجوامع، کما أخبروا بذلک، ولا محالة یرجع عوام الشیعة إلی علمائهم بحسب الارتکاز والبناء العقلائی المعلوم لکل أحد. فلولا ارتضاؤهم بذلک لکان علیهم الردع، إذ لا فرق بین السیرة المتصلة بزمانهم وغیرها، مما علموا وأخبروا بوقوع الناس فیه، فإنهم أخبروا عن وقوع الغیبة الطویلة، وأن کفیل أیتام آل محمد (صلی الله علیه وعلیهم) علماؤهم، وأنه سیأتی زمانٍ هرج ومرج، یحتاج العلماء إلی کتب أصحابهم، فأمروا بضبط الأحادیث وثبتها فی الکتب»(2)


1- الجلالی، محمد رضا، مجلة تراثنا، ج 37، مقالة حول علم الأئمة بالغیب... ص 98.
2- الخمینی، روح الله، الاجتهاد والتقلید، ص82.

ص: 162

فقد فهم بعض المحققین أن هذا النکتة، قد استفیدت علی أساس القول بأن علمهم علیهم السلام حاضر مطلق، حیث ذکر فی کلامه عن العرف: أن من قال: بأن علم الأئمة فعلی ومطلق استطاع أن یستدل علی الکثیر من المسائل العلمیة بإمضائهم لذلک (1)، أما الرأی الذی یتبنَّی أن علمهم علیهم السلام إشائی متوقف علی إرادتهم لمعرفة الأشیاء، فلا یمکنه أن یستند إلی هذه النکتة؛ إذ لعلهم علیهم السلام لم یلتفتوا إلی هذه الأمور، ولم یعلموا بها؛ لعدم مشیئتهم العلم بها، وبالتالی لا یصح الاعتماد علی سکوتهم لإثبات حجیة مثل هذه المسائل المتاخرة عن عصرهم.

4 - یمکن أن یقال: إنه یلزم من الرأی الأول - نظریة الإطلاقیة - أن تکون مسؤولیتهم ودائرة تکلیفهم علیهم السلام واسعة وشاملة لکل العصور المتأخرة عنهم؛ بحیث یجب علیهم - بما أنهم رسالیون وحماة للشریعة - أن یشیروا إلی کل شیء له دخالة فی دورهم، فکل شیء یحصل من وجوده - أو عدمه - ضرر فی الدین، یتعین علیهم أن یعلموا الناس به، کما هو دیدنهم فی الإخبار عن بعض الأمور التی تحدث فیما یأتی بعدهم من الأزمنة مثلا، کقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:«یأتی زمان علی أُمتی، أمراؤهم یکونون علی الجور، وعلماؤهم علی الطمع، وعبادهم علی الریاء، وتجارهم علی أکل الربا، ونساؤهم علی زینة الدنیا، وغلمانهم فی التزویج، فعند ذلک کساد أُمتی ککساد الأسواق، ولیس فیها مستام، أمواتهم آیسون فی قبورهم من خیرهم، ولا یعیشون الأخیار فیهم، فإن فی ذلک الزمان الهرب خیر من القیام»(2)،


1- أُنظُر: گلبانی، علی جبار، عرف أز دیدگاه إمام، مجلة حضور، ص 57؛ حیث شرح مراد السید مفصَّلاً. وأیضاً: فیض، علی رضا، عرف عقلا، بحث منشور فی مجلة برهان وعرفان ص 144.
2- النوری، المیرزا حسین، مستدرک الوسائل، ج11، ص376.

ص: 163

أو قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«یأتی علی الناس زمان یکون فیه حج الملوک نزهة، وحج الأغنیاء تجارة، وحج المساکین مسألة»(1).

أو ما ورد عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال:

«اکتب وبث علمک فی إخوانک، فإن متَّ فأورث کتبک بنیک، فإنه یأتی علی الناس زمان هرج لا یأنسون فیه إلا بکتبهم»(2).

وغیرها من الروایات الکثیرة.

أما علی النظریة الأخری - أی نظریة توقف علم الإمام علیه السلام علی المشیئة - فلا یلزم ذلک؛ لاحتمال أنهم لم یعلموا، نتیجة عدم التفاتهم إلی هذا الزمان، أو أنهم التفتوا إلیه لکن لم یلتفتوا إلی تفاصیله وجزئیاته.

5 - لو قلنا: بأن علمهم علیهم السلام مطلق وحاضر عندهم، فإنه یترتب علی ذلک أن کلامهم وقولهم بعدم علمهم بصفة من الصفات عن شخص معین - أو طائفة معینة، أو عن جهة معینة کذلک - یساوق عدم وجوده إطلاقا، لا أن کلامهم یکون ناشئاً عن عدم وجدان ذلک الشیء.

فقول الإمام الحسین علیه السلام:

«... فإنی لا أعلم أصحابا أوفی ولا خیراً من أصحابی، ولا أهل بیت أبر ولا أوصل من أهل بیتی...»(3)


1- الطوسی، محمد بن الحسن، تهذیب الأحکام، ج5، ص463.
2- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص52.
3- المفید، محمد بن محمد، الإرشاد، ج2، ص91.

ص: 164

فی حق أهل بیته وأصحابه (رضوان الله تعالی علیهم) یدل علی أنهم أفضل مَن علی الأرض إطلاقا - إما بمجموعهم أو بأفرادهم - علی القول بالإطلاقیة فی علمهم علیهم السلام، بخلافه علی الإشائیة؛ لاحتمال أن یکون علیه السلام غیر ناظر إلی هذه الجهة، لعدم إرادته العلم بذلک.

تذنیب: فی بعض الآراء الشاذة

تقدم فی کلامنا - فی الفصول السابقة - أن عمدة الآراء المذکورة فی مسألة علم الإمام علیه السلام هو عبارة عن قولین أساسیین، وهما:

أولاً: النظریة القائلة: بأن علم الأئمة علیهم السلام حاضر ومطلق، وغیر معلق ولا متوقف علی أی شیء، بل إن الله تعالی أکرمهم بهذا الشیء فعلاً.

ثانیاً: النظریة التی تری أن الله تعالی أکرمهم وأعطاهم درجة من العلم لم یحصل علیها غیر المعصوم علیه السلام، إلا أنها متوقفة علی الإشاءة.

وقد عرفنا أن مشهور العلماء علی الرأی الأول، کما أن هناک مجموعة أخری من علمائنا اختاروا الرأی الثانی أیضاً.

ولکن هذا لا یعنی عدم وجود آراء أخری - مخالفة لما هو سائد بین الإمامیة - تبنَّاها بعض من کبار علمائنا، کانت هذه الآراء منهم مثاراً للجدل والتأمل والاستغراب؛ فقد ذهب بعض مَن یعتد بکلامهم من علمائنا إلی عدم علمهم علیهم السلام بما کان وما یکون من الموضوعات، وإن کانوا عالمین بالأحکام، أی أن الإمام فی المسائل الخارجیة لیس له علم بها، أو أنه علیه السلام لا یعلم بالأشیاء مطلقا، أی أنهم لا یعلمون بطریقة استثنائیة، وإنما عندهم علم تعلموه، فما ادُعی لهم من علم، وما نسب إلی الشیعة غیر صحیح، فیمکن أن نقسم هذا الاتجاه إلی رأیین أساسیین، وهما: 

ص: 165

الرأی الأول: عدم علمهم بما کان وما یکون من الموضوعات دون الأحکام 

اشارة

ویوجد فیه قولان:

القول الأول: إن الإمام لا یعلم فی الموضوعات مطلقاً
اشارة

یری أصحاب هذا الرأی أن الإمام علیه السلام یجب أن یکون عالماً بالإحکام الشرعیة؛ باعتبار أنه موظف لتبیین أحکام الله عز وجل، فلا یمکن أن یکون غیر عالم بها، أما غیر الأحکام، فإنهم علیهم السلام غیر عالمین بها، ویظهر هذا الرأی من:

أولاً: رأی السید المرتضی 

ذکر الشریف المرتضی قدس سره فی رسائله جواباً - علی سؤال حاصله:«هل یجب علم الوصی ساعة وفاته أو قتله علی التعیین؟ أم ذلک مطوی عنه؟» - یدل صراحة علی أن الأئمة علیهم السلام غیر عالمین بالموضوعات؛ فقال رحمه الله: «قد بیَّنا فی مسألة أملیناها منفردة ما یجب أن یعلمه الإمام، وما یجب أن لا یعمله. وقلنا: إن الإمام لا یجب أن یعلم الغیوب، وما کان وما یکون؛ لأن ذلک یؤدی إلی أنه مشارک للقدیم تعالی فی جمیع معلوماته... وذلک محال. وبیَّنا أن الذی یجب أن یعلمه علوم الدین والشریعة. فأما الغائبات، أو الکائنات الماضیات والمستقبلات، فإن علم بإعلام الله تعالی شیئا فجائز، وإلا فذلک غیر واجب. وعلی هذا الأصل لیس من الواجب علم الإمام بوقت وفاته، أو قتله علی التعیین. وقد روی أن أمیر المؤمنین علیه السلام فی أخبار کثیرة کان یعلم أنه مقتول، وأن ابن ملجم (لعنه الله) قاتله. ولا یجوز أن یکون عالماً بالوقت الذی یقتله فیه علی التحدید والتعیین، لأنه لو علم ذلک لوجب أن یدفعه عن نفسه، ولا یلقی بیده إلی التهلکة، وأن هذا فی علم الجملة غیر واجب»(1)


1- المرتضی، علی بن الحسین، رسائل المرتضی، ج3، ص 312.

ص: 166

وهذه العبارة صریحة فی التفریق بین العلم بأحکام الشریعة، وبین الحوادث والأنباء الخارجیة - ماضیها ومستقبلها - حیث إنه یری أنهم یعلمون فی الأول دون الثانی، وعبارته الأخیرة صریحة بأن المعصوم علیه السلام لا یعلم وقت شهادته؛ لأنه لو علم ذلک لوجب علیه دفعه عن نفسه، وإلا لکان من الإلقاء بالید إلی التهلکة.

وقد ذکر فی الانتصار کلاماً لابن الجنید - یستدل به علی جواز حکم الحاکم بعلمه - ثم أجاب عن کلامه بقوله:«... وهذا غیر معتمد؛ لأنا أولاً: لا نسلم له أن الله تعالی قد أطلع النبی (علیه وآله السلام) علی مغیب المنافقین، وکل من کان یظهر الإیمان ویبطن الکفر من أُمته، فإن استدل علی ذلک بقوله تعالی:

(وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَیْنَاکَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِیمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ) (1).

فهذا لا یدل علی وقوع التعریف، وإنما یدل علی القدرة علیه، ومعنی قوله: (... وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ...) أی: لیستقر ظنک - أو وهمک - من غیر ظن ولا یقین...» (2).

وکلامه هذا فی غایة الغرابة؛ فإنه صریح فی أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم - فضلا عن الأئمة علیهم السلام - لم یُلْعمه الله علی غیب الأشیاء، وأن غایة ما یتوصل إلیه من معرفة، فهو لا یتجاوز حدود التوهم أو الظن.

ثانیاً: رأی الجواهری

وقد ذکر الجواهری النجفی قدس سره فی جواهر الکلام - عند کلامه عن تقدیر المعصوم علیه السلام لوزن الکر - عبارة یظهر منها أنه یتبنَّی عدم علمهم علیهم


1- محمد: 30.
2- المرتضی، علی بن الحسین، الانتصار، ص494.

ص: 167

السلام بالموضوعات مطلقا؛ حیث قال قدس سره:«... لکن قد یُشکل بأنه لا داعی إلی هذا التقدیر المختلف، بعد علمه بنقص الوزن عن المساحة دائماً، مع القدرة علی ضابط بغیر ذلک منطبق علیه. ویدفع أولاً: بأن دعوی علم النبی والأئمة علیهم السلام بذلک ممنوعة، ولا غضاضة؛ لأن علمهم علیهم السلام لیس کعلم الخالق عز وجل، فقد یکون قدَّروه بأذهانهم الشریفة وأجری الله الحکم علیه...» (1).

القول الثانی: إن الإمام علیه السلام لا یعلم بالموضوعات التی لا ترتبط بالأحکام الکلیة فقط

هناک مَن ذکر تفصیلاً فی مسألة علم الإمام علیه السلام بالموضوعات، فقال: إن هناک تفصیلاً بین أن یکون الموضوع من المواضیع التی تترتب علیها أحکام شرعیة، ککون هذا الرجل سیداً علویاً، فتحرم علیه الزکاة، ویجوز إعطاؤه من حق السادة، وبین غیرها من الموضوعات، ککون اسم هذا الرجل زیداً أم غیره، ففی الأول یجب أن یعلم بها؛ وذلک لوحدة المناط فیها، وأن فی عدم العلم بها منقصة لحجة الله علی العباد، وأما الثانی، فلیس من الواجب أن یکون عالماً بها.

قال اللاری قدس سره فی معارفه:«... التفصیل بین ما کان من تلک الموضوعات الجزئیة لکلیها حکم شرعی... فیلزم تعمیم علمه لها... وبین ما لم یکن منها لکلیه حکم شرعی، فلا یلزم تعمیم علمه له؛ لعدم رجوع الجهل به إلی الجهل بحکمه...»(2).

إلا أنه قدس سره لم یذکر مَن تبنَّی هذا القول، بل حتی مَن علق علی کتابه قدس سره لم یذکر ذلک أیضاً، ولم أجد - علی ما تتبعت فی هذا المیدان - مَن صرح بذلک أیضاً، فلعله قدس سره فَهِمَ هذا التفصیل من کلام الذین ذُکِروا فی القول الاول أو بعضهم. 


1- الجواهری، محمد حسن، جواهر الکلام، ج 1، ص 182.
2- اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص 49.

ص: 168

الرأی الآخر: عدم علمهم علیهم السلام بالأحکام والموضوعات معا

اشارة

ومن بین الآراء التی تُعدُّ نادرة فی البین، هو أن الأئمة علیهم السلام لا یعلمون شیئاً - إطلاقاً - عن الطرق غیر الطبیعیة، بل إنهم علیهم السلام تعلموا ما عندهم من طرقه المتعارفة بین الناس، بالاکتساب عن طریق آبائهم من النبی صلی الله علیه وآله وسلم، ومن أوضح ما یعُدُّ - أو ما عُدَّ - فی هذا العِداد هو:

1 - الشیخ الصدوق رحمه الله

ذکر الصدوق رحمه الله فی عیون أخبار الرضا علیه السلام عبارة استفاد منها بعض المحدثین، أنه قدس سره ینکر علم الأئمة علیهم السلام، وهذه العبارة هی قوله:«... إنما علم الرضا علیه السلام ذلک مما وصل إلیه عن آبائه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وذلک أن جبرئیل علیه السلام قد کان نزل علیه بأخبار الخلفاء وأولادهم من بنی أُمیة ووُلد العباس، وبالحوادث التی تکون فی أیامهم، وما یجری علی أیدیهم، ولا قوة إلا بالله» (1).

فقد فهم بعض محقِّقی بحار الأنوار للمجلسی قدس سره من کلام الصدوق هذا أنه إنکار لعلم الإمام علیه السلام بالأمور التی تقع علیه؛ فقال:«... والعجب من الصدوق قدس سره؛ حیث استغرب علمه علیه السلام بما فی بطون الأُمهات، فقال بعد هذا الحدیث: إنما علم الرضا علیه السلام ذلک مما وصل إلیه عن آبائه، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؛ وذلک أن جبرئیل علیه السلام قد کان نزل علیه بأخبار الخلفاء وأولادهم من بنی أُمیَّة ووُلد العباس، وبالحوادث التی تکون فی أیامهم، وما یجری علی أیدیهم، ولا قوة إلا بالله»(2)


1- الصدوق، محمد بن علی، عیون أخبار الرضا علیه السلام، ج1، ص242.
2- المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج49، ص30، هامش رقم 3.

ص: 169

إلا أن الذی یتأمل فی کلامه قدس سره، یری أنها غیر ناظرة إلی ما استفید منها، بل إنه فی مقام بیان أن أحد الطرق الموصلة لعلومهم علیهم السلام هی التعلم والتوارث عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وهذا لا یعنی أنهم علیهم السلام غیر عالمین، بل إنها دالة علی أن علم النبی الواسع والإلهی قد وصل إلیهم.

2 - الشیخ المفید قدس سره

بما أن الشیخ مغنیة رحمه الله استدل بکلام الشیخ المفید، وفَهِمَ منه أنه ینفی علم الإمام - وینفی نزول الوحی علیه - وجب علینا نقل نفس عبارته؛ لکی نری مدی دلالتها علی ما ذکره؛ لنری أن رأی المفید قدس سره فی هذه المسألة فی أی جهة یکون:

قال قدس سره فی المسائل العکبریة - فی مقام الجواب عن سؤال حول علم الأئمة علیهم السلام -:«قوله: إن الإمام یعلم ما یکون بإجماعنا. أن الأمر علی خلاف ما قال. وما أجمعت الشیعة قط علی هذا القول، وإنما إجماعهم ثابت علی أن الإمام یعلم الحکم فی کل ما یکون، دون أن یکون عالماً بأعیان ما یحدث ویکون...»(1).

وهذا الکلام وإن کان یدل - صراحة - علی أن علمهم علیهم السلام غیر مجمع علیه، لکن هذا لا یعنی أنه لا یقول بعلمهم بالموضوعات؛ فکلامه قدس سره إما فی صدد الرد علی دعوی الإجماع فقط، أو نفی کون علمهم بالغیب بلا واسطة - کما ذکر بعض المحققین ذلک، وسوف یأتی کلامه بعد قلیل إن شاء الله تعالی _.

ومما یؤکد هذا الشیء، ما ذکره فی أوائل المقالات؛ حیث قال:«القول فی علم


1- المفید، محمد بن محمد، المسائل العکبریة، ص69.

ص: 170

الأئمة علیهم السلام بالضمائر والکائنات وإطلاق القول علیهم بعلم الغیب وکون ذلک لهم فی الصفات.

وأقول: إن الأئمة من آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم قد کانوا یعرفون ضمائر بعض العباد، ویعرفون ما یکون قبل کونه، ولیس ذلک بواجب فی صفاتهم، ولا شرطاً فی إمامتهم، وإنما أکرمهم الله تعالی به، وأعلمهم إیاه؛ للطف فی طاعتهم، والتمسک بإمامتهم، ولیس ذلک بواجب عقلاً، ولکنه وجب لهم من جهة السماع. فأما إطلاق القول علیهم: بأنهم یعلمون الغیب، فهو منکر بیِّن الفساد؛ لأن الوصف بذلک إنما یستحقه مَن علم الأشیاء بنفسه، لا بعلم مستفاد، وهذا لا یکون إلا الله عز وجل، وعلی قولی هذا جماعة أهل الإمامة، إلا من شذ عنهم من المفوضة، ومَن انتمی إلیهم من الغلاة» (1).

وهذه العبارة لم یظهر منها أنه یتبنَّی عدم علمهم علیهم السلام بالغیب، بل هی ظاهرة فی کونه من القائلین بعلمهم علیهم السلام بذلک - کما ذکرنا ذلک فی الفصل الثانی - وإنما أراد من کلامه، أن نسبة ذلک إلیهم من دون واسطة تعلم، أو إلهام وغیره باطلة، ولا تقول بها الشیعة.

وقد ذهب إلی ما استفدناه - من توجیه لعبارته قدس سره - بعض المحققین لمسألة علم الإمام علیه السلام بالغیب، وذکر أن المفید من القائلین بذلک.

قال السید جلالی: «... وقد نقلنا فیما سبق (ص 93) رأی الشیخ المفید فی علم الأئمة بالغیب، مصرحاً بثبوت ذلک لهم مستفاداً، من دون کونه صفة ذاتیة لهم، ولا وجوب عقلی له، بل إنما هو کرامة من الله لهم، وأن السمع قد ورد به. وقد نسب هذا


1- المفید، محمد بن محمد، أوائل المقالات، ص 67.

ص: 171

القول إلی (جماعة أهل الإمامة)، ولم یستثنِ إلا شواذاً من الغلاة... فما نسب إلیه رحمه الله من أن الحسین علیه السلام لم یکن یعلم بمقتله، وأنه إنما توجه إلی الکوفة بغرض الاستیلاء علی الملک، وأنه لو کان عالماً بأنه یُقتل لما ذهب؛ لأنه إلقاء فی التهلکة !!! کلها نسب باطلة إلی الشیخ المفید رحمه الله، لم تدل علی ذلک عبارته المذکورة هنا التی استند إلیها الناسبون، وبتروا وقطعوا أوصالها، لتؤدی ما یریدون !...» (1).

وقال فی موضع آخر من مقالته:«... وقد أثبت الشیخ المفید الروایات المنقولة بالسمع، والدالة علی علم الأئمة علیهم السلام بالمغیبات - والتی هی دلائل علی إمامتهم واستحقاقهم للتقدیم - فی کتاب (الإرشاد) فی أحوال کل إمام، فلیراجع. فنسبة القول: بأن الأئمة یعلمون الغیب، بالإطلاق إلی الشیعة، ومن دون تفسیر وتوضیح: بأنه بتعلیم الرسول الآخذ له من الوحی، أو بالإلهام، والإیحاء، والقذف فی القلب، والنظر بنور الله - کما جاء فی الخبر عن المؤمن: أنه ینظر بنوره تعالی - فهی نسبة ظالمة باطلة، یُقصد بها تشویه سمعة هذه الطائفة المؤمنة، التی أجمعت علی اختصاص علم الغیب بالله تعالی، تبعاً لدلالة الآیات الکریمة، والتزمت بما دلت علیه الآیات الأخری، من إیصال ذلک العلم إلی الرسول، وما دلت علیه الآثار والأخبار من وصول ذلک العلم إلی الأئمة، فلم یکن فی تلک النسبة الظالمة إلا التقوُّل علی الشیعة، مضافاً إلی کشفها عن الجهل بأفکار الطائفة وعقائدها ومبادئها، فکیف یحق لمثل هذا المغرض المتقوِّل أن یتدخل فی إعادة قراءة التراث الشیعی؟!» (2).

وقد حاول أن یوجِّه مراد الشیخ المفید من العبارة التی ذُکرت فی المسائل العکبریة بقوله:«... والمستفاد من مجموع السؤال والجواب: أن الظاهر من السؤال، هو ما أکد 


1- الجلالی، محمد رضا، مجلة تراثنا، ج 37، مقالة حول علم الأئمة بالغیب... ص 17.
2- المصدر السابق، ص 52.

ص: 172

المفید علی نفیه، وهو دعوی (علم الأئمة للغیب بلا واسطة). وهذا أمر لم تقل به الشیعة، فضلاً عن أن تُجمع علیه، لما قد ذکرنا فی صدر هذه المقالة، من أن (علم الغیب بهذه الصورة) خاص بالله تعالی، ومستحیل أن یکون لغیره من الممکنات. والممکن علمه من الغیب بالنسبة إلی النبی والأئمة علیهم السلام هو الغیب بواسطة الوحی والإلهام من الله تعالی، وهذا لم ینفه المفید. والمجمع علیه - من هذا - بین الشیعة: أن الأئمة علیهم السلام یعلمون جمیع الأحکام الشرعیة بلا استثناء، لارتباط ذلک بمقامهم فی الخلافة عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، کما أُثبت ذلک فی علم الکلام. وأما غیر الأحکام، فالظاهر من المفید أنه وضع ذلک فی دائرة الإمکان، ووقفه علی ورود الخبر والأثر به، فما قامت علیه الآثار قُبِلَ والتُزِم به، ولیس أصله مستحیلاً عقلاً، ولا ممتنعاً من جهة آیة، أو سنَّة، أو عقل. وهکذا قال فی موضع (علم الأئمة بمقاتلهم وما جری علیهم): فالتزم بعلم أمیر المؤمنین علیه السلام بالمقدار الذی جاءت به الأخبار، فما کان منها وارداً بالتفصیل التزم بعلمه له بالتفصیل...» (1).

3 - الشیخ محمد جواد مغنیة

یظهر من کلام الشیخ مغنیة - فی کتابه الشیعة فی المیزان - أنه یذهب إلی أن الأئمة علیهم السلام لا یعلمون بشیء علماً إلهامیاً علی الإطلاق، بل کل ما حصل لهم وبانَ منهم إنما هو عن طریق الکسب والتعلم من خلال الطرق الطبیعیة، فقال رحمه الله:«... وبهذا یتبیَّن الجهل، أو الدس فی قول مَن قال: بأن الشیعة یزعمون أن علم الأئمة إلهامی، ولیس بکسبی، وترقَّی بعضهم، فنسب إلی الشیعة القول بنزول الوحی علی الأئمة. ویرد هذا الزعم - بالإضافة إلی ما نقلناه من أحادیث الأئمة الأطهار - ما


1- المصدر السابق، ص 49.

ص: 173

قاله الشیخ المفید فی کتاب (أوائل المقالات): قام الاتفاق علی أن مَن یزعم أن أحداً بعد نبینا یوحی إلیه، فقد أخطأ وکفر...» (1).

إلا أنه یمکن أن یکون کلامه قدس سره فی مقام نفی العلم بالموضوعات فقط؛ وذلک لأن إجماع العلماء منعقد علی علمهم بالأحکام مطلقاً، کما نقل ذلک عن المفید حیث قال:«... وإنما إجماعهم ثابت علی أن الإمام یعلم الحکم فی کل ما یکون» (2)، وقد أثبت ذلک بعض المحققین الذین بحثوا حول هذه المسألة من کلمات الأعلام؛ حیث قال:«... وقد عرفنا فیما نقله المفید إجماع الطائفة علی أن الإمام یعلم الأحکام کلها، ولا یعتمد فیها علی مجرد (الظن)... وکذلک ما حصل من حصر الطوسی أقوال الطائفة فی مسألة علم الأئمة بالغیب بین قولین فقط، ولم یختلفا فی أصل علم الأئمة بالغیب، وإنما اختلفا فی معرفة (وقت القتل) بین التفصیل والإجمال، واتفقا علی العلم بغیر ذلک بالتفصیل، فإنه یقتضی أن یکون الإمام عالماً بالأحکام. کما عرفت أن الطوسی نسب القول بالعلم الإجمالی بوقت القتل إلی خصوص المرتضی، مما یقتضی عدم مخالفته للطائفة فی التزام العلم فی غیر هذا، ومنه الأحکام...» (3)، إلی غیر ذلک من النصوص الدالة علی ما ذکرنا، ناهیک الأدلة العقلیة الدالة علی امتناع أن یکون الإمام علیه السلام غیر عالم بالأحکام، کما أثبت فی محله (4)، مما یدل علی أن هذا العَلَمَ غیر ناظر إلی الاحکام، خصوصاً وأنه استشهد بکلام المفید رحمه الله، فلا بد أن یکون ملتفتاً إلی ما ذکره من إجماع علی المسألة. 


1- مغنیة، محمد جواد، الشیعة فی المیزان، ص 45.
2- المفید، محمد بن محمد، المسائل العکبریة، ص69.
3- الجلالی، محمد رضا، مجلة تراثنا، ج 37، مقالة حول علم الأئمة بالغیب... ص 62.
4- أُنظُر: المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص21.

ص: 174 

ص: 175

الفصل الرابع: التوفیق بین أدلة العلم المطلق والإشائی والإجابة عن الشبهات

اشارة

ویقع البحث فی مقامین:

* المقام الأول: التوفیق بین أدلة العلم المطلق والإشائی

* المقام الثانی: فی الإجابة عن الشبهات 

ص: 176 

ص: 177

المقام الأول: التوفیق بین أدلة العلم المطلق والإشائی

اشارة

إن الملاحَظ من مجموع ما تقدم - فی الفصل الثانی والثالث - أن هناک نظریتین أساسیتین فی علم الإمام علیه السلام، تبنَّی کلاً منهما جمع من العلماء؛ نتیجة للأدلة التی دلت علی ذلک، وقد عرفنا أیضاً أن کلاً من النظریتین قد استُدل لها بأدلة تامة - وهی عبارة عن الآیات القرآنیة والروایات المتواترة للنظریة الأُولی، وبعض الروایات المعتبرة للنظریة الثانیة - صالحة لإثباتها.

وعلی هذا الأساس؛ فلا بد لنا من التوفیق والجمع بین هذه الادلة، بحیث یرتفع بذلک التنافی والتعارض الظاهر بین الأدلة، وما یمکن أن یقال فی هذا المقام عدة محاولات أهمها:

المحاولة الأُولی

أن یکون مراد الإمام علیه السلام من کلامه حول العلم المطلق، أن علمهم فی مرحلة الثبوت والواقع هو مطلق، بمعنی أنه حاضر عندهم غیر متوقف علی أمر، فهو فعلی فی الحقیقة، وأما الروایات التی ذکرت أن علمهم علیهم السلام متوقف ومقید بالمشیئة، فإنما کانت ناظرة إلی عالم الإثبات والإبراز للناس فی الخارج، بحیث یظهر

ص: 178

للناس أن علمهم علیهم السلام متوقف علی المشیئة(1).

وبعبارة أخری: إن علمهم فی حقیقة وواقع الأمر فعلی وموجود عندهم علیهم السلام، وأما مرحلة الإظهار للناس یکون بهذه الطریقة: بأن یومئ للناس الحاضرین بأنه علیه السلام یحتاج إلی التفات وتوجه لما یرید العلم به فیعلم؛ وإنما یشعر الناس بذلک لوجود مصلحة فی عدم اطلاع عموم الناس علی حقیقة علمهم علیهم السلام؛ لأن الناس لیسوا سواء فی مستویاتهم، بل هناک مَن إذا سمع کلام الإمام حول علمهم الحضوری لجعلهم آلهةً، ومنهم مَن یستکثره علیهم علیهم السلام؛ فیشکک فی کلامهم، أو یرده علیهم، فلیس الجمیع یتحمل ما یقوله الإمام علیه السلام، ولذا جاء فی بعض الروایات، عن أبی عبد الله علیه السلام - عندما کان یتکلم عن إحاطة علمهم بکل شیء فقال علیه السلام:

«إنی لأعلم ما فی السماوات وما فی الأرض، وأعلم ما فی الجنة، وأعلم ما فی النار، وأعلم ما کان وما یکون. قال: ثم مکث هنیئة، فرأی أن ذلک کبر علی مَن سمعه منه، فقال: علمت ذلک من کتاب الله عز وجل...»(2).

أو ما جاء فی الکافی - أیضاً - عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن القاسم بن محمد، عن الزیات، عن عبد الله بن أبان الزیات، وکان مکیناً عند الرضا علیه السلام قال: «قلت للرضا علیه السلام: ادعُ الله لی ولأهل بیتی. فقال:

أو لستُ أفعل؟ والله، إن أعمالکم لتعرض علیَّ فی کل یوم ولیلة.


1- إن هذه المحاولة غیر مذکورة فی کتب الأعلام، فلم نجد من سجلها حول هذا الموضوع أو غیره، وإنما استفدناها من خلال النظر فی الروایات المرتبطة بالمقام.
2- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص261.

ص: 179

قال: فاستعظمت ذلک، فقال لی:

أما تقرأ کتاب الله عز وجل:

(( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَیَرَی اللّهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ))؟

قال:

هو - والله - علی بن أبی طالب علیه السلام »(1).

ولذا قال علیه السلام:

«إن الإمام إذا شاء أن یعلم أُعلم»(2).

المحاولة الثانیة

أن نقول: إن الإمام علیه السلام کان فی مقام التقیة عندما تکلم حول العلم الإشائی؛ وذلک لأن الأئمة علیهم السلام کان لهم أعداء یتربصون بهم الفرص، ویحاولون أن یجدوا علیهم ما یجعل لهم منفذاً، من خلاله تتاح الفرصة للفتک بهم، من دون أن یتألب علیهم الجو العام، فلو سمعوا بأنهم علیهم السلام یدعون لأنفسهم هذا النحو من العلم لاتخذوه ذریعة لقتلهم - أو سجنهم - بحجة أن هذا العلم من مختصات الله عز وجل، وأن مَن یدعی هکذا علم، فإنما یدعی الربوبیة، فیأخذونهم علیهم السلام بذریعة أنهم یدعون الإلوهیة، أو النبوة، وغیر ذلک من الذرائع، ومن دون أن یکون للمسلمین - الذین لم یعرفوا حقیقة الأئمة علیهم السلام - حق للاعتراض علی هؤلاء الحکام، بعد سماعهم هذه الادعاءات من الأئمة أنفسهم. 


1- المصدر السابق، ص220.
2- المصدر نفسه، ص258.

ص: 180

وقریب من هذه المحاولة ما ذکره بعض المحققین بقوله:«... مسألة علم الغیب والإنباء عن المغیبات مسألة لا تتحملها العقول العامة، وإنما هی مسألة من مسائل خاصة الناس، ولهذا فقد یأتی النفی وهو یتخذ من التقیة ستاراً، خصوصاً وأن البواعث الموضوعیة للالتزام بذلک کانت متوفرة بشکل کبیر ودائم، وهذه البواعث لیست بالضرورة تتخذ صفة سیاسیة، بل لربما تتخذ صفة اتقاء جهل بعض العوام من الذین لا تحمل إفهامهم قدرة النظر إلی هذه الأمور، بالطریقة التی ینبغی النظر فیها إلیها، فیتجهون إما إلی التکذیب والتشنیع والاتهام، وإما إلی الغلو وکلاهما یتقیهما المعصوم علیه السلام، أو تتخذ صفة طائفیة؛ فیرتد الأمر بصورة سلبیة علیهم وعلی عقیدتهم (صلوات الله تعالی علیهم)...» (1).

دفع وهم أما التوهُّم فهو: إنه لو کانت العلة والسبب فی إخفاء هذا الأمر هو ما ذکر فی هذه المحاولة، لما جاز لهم علیهم السلام - بما أنهم فی مقام التقیة - أن یدَّعوا العلم الإشائی أیضاً؛ حیث إن هذا النحو من العلم منزلة عالیة، یشکِّل سماعها خطورة علیهم أیضاً، إذ لو سمع الحکام کلامهم هذا لأمکنهم أن یأخذوهم بنفس الذریعة التی ذکرت فی الکلام المتقدم، فیفترض أن یقولوا کلاماً لا یشکل علیهم خطورة، لا أنهم یتنزلوا عن مرتبة إلی مرتبة أخری لا تقل عنها خطورة.

وأما الدفع إلا أنه یندفع هذا التوهم، فیما لو عرفنا حقیقة العلم الإشائی؛ إذ إن هذا النحو من العلم لا یتوهم أحد من الناس أنه من مختصات الله تعالی، بل هو وإن کان درجة


1- الصغیر، جلال الدین، الولایة التکوینیة الحق الطبیعی للمعصوم، ص269.

ص: 181

ومرتبة أعلی مما حصل علیه سائر الناس، إلا أنه یحتاج فی حصوله إلی مفیض علی الإمام علیه السلام، والمفیض هو الله عز وجل، وعلی هذا الأساس ترتفع الخطورة المحتملة من هذا الکلام.

نعم، قد یقال: تبقی الخطورة فی هذا الکلام من جهة أخری، وهی أن یُتَّهموا علیهم السلام بأنهم یدَّعون النبوة، أو غیر ذلک من الافتراءات الأُخری، وهذه التُّهم ممکنة حتی فی مرتبة العلم الإشائی.

لکن هذه الخطورة غیر متصورة فی شأن الأئمة الأطهار، حیث إنه لم یذکر فی کلامهم ما یوهم ادعاءهم لمقام من المقامات المذکورة، علی أن العلم أُعطی لغیر الأنبیاء والرسل، کما حصل لآصف بن برخیا (1).

المحاولة الثالثة

اشارة

أنه من المحتمل أن یکون کلامهم علیهم السلام فی الروایات التی دلت علی علمهم المطلق، ناظرة إلی بعض الأشیاء التی حصلوا علیها، بمعنی أن هذه الروایات خاصة ببعض المعلومات التی علموها علیهم السلام، فهی حاضرة عندهم، وأما روایات النظریة الإشائیة، فهی ناظرة إلی بعض الأشیاء التی لم یحصلوا علیها، ولم تصل إلیهم بعد، فهم یحتاجون فی حصولهم علیها إلی توجه منهم علیهم السلام، وهذا هو معنی الإشاءة التی جاءت فی روایات النظریة الثانیة.

وعلیه؛ فلا یبقی تنافی وتعارض بین الروایات الواردة فی المقام، بل تکون کل طائفة منهما ناظرة إلی أمر لیس منظوراً إلیه فی الطائفة الأخری، ولا مشمولا لها أساساً. 


1- أُنظُر: القمی، علی بن إبراهیم، تفسیر القمی، ج2، ص128.

ص: 182

مناقشة المحاولة الثالثة

إن المحاولة الثالثة غیر مجدیة لحل المشکلة المذکورة؛ وذلک لأن الروایات فی الرأی الأول دلت بأطلاقها - بل بصریح بعضها - علی أن کل ما هو ممکن حضوره عند الأئمة علیهم السلام من الأشیاء، إنما هو حاضر عندهم وفعلی، فما ذُکر من توجیه فی هذه المحاولة إنما یکون طرحاً لهذه الروایات الکثیرة، وطرح هکذا روایات صریحة مدعومة بالأدلة القرآنیة والروائیة الأخری - من دون مسوغ لذلک - غیر ممکن إطلاقاً.

المحاولة الرابعة

اشارة

إن الروایات التی أثبتت أن علمهم علیهم السلام حاضر ومطلق - بالمعنی المتقدم - ناظرة إلی العلوم الظلیة، أی صور الأشیاء لا أعیانها، وأما ما ورد من أخبار تُبیِّن أن علمهم علیهم السلام متوقف علی المشیئة، فهی ناظرة إلی معرفتهم بأعیان الأشیاء، فالإمام یعلم بما فی البلاد الأخری مثلا، إلا أن علمه هذا مجرد صورة من ذلک المعلوم، وأما إذا أراد أن یعرفه أکثر، فیحضر فی البلد نفسه بولایته التکوینیة، والمرتبة الثانیة أکمل وأوضح من المرتبة الأُولی من دون شک.

مناقشة المحاولة الرابعة

إن هذه المحاولة إنما تصح وتکون تامة فیما لو کان علمهم علیهم السلام حصولیاً، بمعنی حصول صورة الشیء عند العالم، کما عرفه العلماء فی محله، أما لو قلنا: إن علمهم علیهم السلام حضوری فقط - کما أثبتنا أنه کذلک فی محل النزاع - فلا یتم کلامنا فی المقام؛ لعدم إمکان تصور تحقق علم کهذا عندهم، بل کله من قبیل حضور نفس الأشیاء عندهم، إلا ما خرج بالدلیل تخصصاً. 

ص: 183

وعلیه؛ فإن ما ذکر فی هذا المقام غیر صحیح، ولا ینفع لمعالجة المشکلة أساساً.

وقد ذکر کلا هذین الوجهین - الثالث والرابع - المولی محمد صالح المازندرانی قدس سره فی مقام رفع التنافی بین بعض أخبار هذا الباب، فقال رحمه الله: «فإن قلت: قد ثبت أن کل شیء فی القرآن، وأنهم عالمون بجمیع ما فیه، وأیضاً قد ثبت بالروایة المتکاثرة أنهم یعلمون جمیع العلوم، فما معنی هذا الکلام وما وجه الجمع؟

قلت: أولاً: الوجه فیه ما رواه سماعة، عن أبی عبد الله علیه السلام، قال:

«إن لله علمین: علم أظهر علیه ملائکته وأنبیاءه ورسله، فما أظهر علیه ملائکته ورسله وأنبیاء، فقد علمناه، وعلما أستأثر به فإذا بدا لله فی شیء منه أعلمنا ذلک، وعرض علی الأئمة الذین کانوا من قبلنا».

ویؤیده أیضاً ما روی عن أبی جعفر علیه السلام، قال:

«یبسط لنا العلم فنعلم، ویقبض عنا فلا نعلم».

الحدیث، وما رواه أبو الربیع الشامی، عن أبی عبد الله علیه السلام، قال:

«الإمام إن شاء أن یعلم علم».

وملخَّصه: أن علمهم ببعض الأشیاء فعلی، وببعضها بالقوة القربیة، بمعنی أنه یکفی فی حصوله توجه نفوسهم القدسیة، وهم یسمون هذا جهلاً لعدم حصوله بالفعل، وبهذا یجمع بین الروایات التی دل بعضها علی علمهم بجمیع الأشیاء،وبعضها علی عدمه، وما نحن فیه من هذا القبیل؛ فإنه یحصل لهم فی الیوم واللیلة عند توجه نفوسهم القادسة إلی عالم الأمر علوم کثیرة لم تکن حاصلة بالفعل.

وثانیاً: أن علومهم بالأشیاء التی توجد علوم إجمالیة ظلیة، وعند ظهورها علیهم فی الأعیان کل یوم ولیلة علوم شهودیة حضوریة، ولا شبهة فی أن الثانی مغایر

ص: 184

للأول، وأکمل منه، والله أعلم» (1).

المحاولة الخامسة

إن الروایات التی دلت علی أن علمهم إشائی لا تصلح لمعارضة ما دل علی أن علمهم حاضر مطلق؛ وذلک لأن هذه الروایات معظمها ضعیفة السند، بل لم یصح منها إلا روایة واحدة فقط، وفی قبال ذلک نجد أن روایات النظریة الأُولی - بالإضافة إلی الأدلة القرآنیة - بلغت بکثرتها حد التواتر، بل الکثیر منها صحیحة السند، فلا یبقی أی تردد فی تقدیمها علی أدلة الإشائیة (2).

المحاولة السادسة

أن نقول: إن علم الأئمة علیهم السلام بالأشیاء کان علی نحو الإجمال والکلیات، وأما علمهم بالأشیاء الجزئیة والتفصیلیة للشیء، فهی متوقفة علی مشیئتهم وإرادتهم ذلک، وقد أشار بعض المعاصرین إلی هذا التوجیه - صراحة -؛ حیث قال - بعد تطرقه للإخبار عن المغیبات فی نهج البلاغة -:«... وبهذا التفسیر وحده، نستطیع أن نلائم بین علم الإمام الواسع بالمغیبات، الذی یسنده إلی الرسول، وبین الظرف الزمانی الضیق نسبیاً، الذی جمع بینه وبین الرسول، ولیس هذا التفسیر اعتباطیاً، فلدینا علیه شاهد مقبول. وهذا الشاهد الذی نعنی، هو أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم خلا بالإمام، فأدخله فی ثوبه، وناجاه فی اللحظات القلیلة الأخیرة التی قُبض بعدها، فلما فرغ من نجواه خرج الإمام من عنده، فسأله الناس عما أفضی به إلیه، فقال: علمنی ألف باب، ینفتح لی من کل باب ألف باب. فمهما کانت اللحظات التی خلا بها


1- المازندرانی، محمد صالح، شرح أصول الکافی، ج5، ص337.
2- أُنظُر: اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص117.

ص: 185

النبی مع الإمام کثیرة، لا نستطیع أن نتصور کیف أفضی إلیه فیها بألف باب من العلم علی نحو التفصیل؛ لأنها مهما طال مداها، لا تتسع للإفضاء ببعض هذا العدد الکبیر، فلا بد من القول: بأنه أفضی إلیه بهذه الألف باب علی نحو الإجمال، وذلک بإعطاء الظوابط الکبری التی تشمل کثیراً من الأبواب. ولعل قوله: (ینفتح لی من کل باب ألف باب) أبلغ دلالة علی ما نقول من أنه علمه علی نحو الإجمال لاعلی نحو التفصیل، وأنه اتکل فی معرفة الجزئیات والتفاصیل إلی ما یتمتع به الإمام من مواهب تسعفه فی معرفة ما غاب، وتهدیه إلی شریعة الصواب» (1).

وعلی هذا الأساس؛ فتکون الروایات الواردة فی الفصل الثانی - والمثبتة لعلمهم علیهم السلام المطلق - ناظرة إلی أن علمهم بالکلیات والخطوط العریضة للأشیاء، فهی حاضرة عندهم غیر متوقفة علی شیء إطلاقاً، وأما الروایات الواردة فی الفصل الثالث - والتی تقول: إن علمهم لیس حاضراً، بل هو متوقف علی إرادتهم العلم به - فهی ناظرة إلی علمهم بالأمور الجزئیة للوقائع والحوادث والأشیاء، المعلومة لدیهم علی نحو الإجمال. 


1- شمس الدین، محمد مهدی، دراسات فی نهج البلاغة، ص173.

ص: 186 

ص: 187

المقام الثانی: فی الإجابة علی الشبهات

اشارة

ذکرنا فیما سبق - عند الکلام حول الثمرات المترتبة علی القولین - أن هناک مجموعة من الثمرات المترتبة علی الخلاف فی المسألتین، وقلنا: إن إحدی الثمرات التی تترتب علی ذلک، أن علی القول: بأن علم الأئمة علیهم السلام إشائی تندفع کثیر من الشبهات الواردة علی علم الإمام علیه السلام، بینما ترد علی النظریة الأُولی، فتبقی بحاجة إلی إجابة، وفی هذا المقام سوف نذکر الشبهات التی أوردت - أو ما یمکن أن یورد - ثم نذکر الإجابة عنها، ومن بین الشبهات المذکورة علی علم الإمام علیه السلام هی:

الشبهة الأُولی: لو کان علم الأئمة علیهم السلام مطلقا للزم منه إلقاؤهم أنفسهم فی التهلکة

اشارة

من أهم الإشکالات والشبهات التی تواجه النظریة الإطلاقیة - من بین النظریات - فی علم الأئمة علیهم السلام، هی أن هذا الرأی یستلزم لازماً فاسداً بالاتفاق، فلا بد من رفع الید عن القول: بأن علمهم علیهم السلام مطلق وحاضر، وحاصل هذه الشبهة هو: 

ص: 188

لا خلاف فی أن أکثر الأئمة علیهم السلام خرجوا من الدنیا قتلاً بالسیف أو السم، کما هو الحال فی أمیر المؤمنین، والإمام الحسن بن علی، وأخیه الحسین علیهم السلام، بل هناک رأی اختاره مشهور علماء الإمامیة، وهو أن جمیع الأئمة علیهم السلام قد قتلوا من قِبَل أعدائهم، ولم یمُتْ أحد منهم میتة طبیعیة، وقد وردت روایات کثیرة تقول:«... ما منَّا إلا مقتول شهید»(1)، أو: «ما منَّا إلا مقتول أو مسموم»(2)، مما یُنبِّه علی أن جمیع الأئمة علیهم السلام قد أُزهقت أنفسهم علی أیدی الظلمة.

وقد ذکر العلامة الطباطبائی هذه الشبهة بقوله:«... تظافرت الأخبار من طرق أئمة أهل البیت، أن الله سبحانه علَّم النبی صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة علیهم السلام علم کل شیء، وفسر ذلک فی بعضها أن علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم من طریق الوحی، وأن علم الأئمة علیهم السلام ینتهی إلی النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

... وقد أُصیبوا بمصائب لیس من الجائز أن یلقی الإنسان نفسه فی مهلکتها لو علم بواقع الأمر، کما أُصیب النبی صلی الله علیه وآله وسلم یوم أُحد بما أُصیب، وأُصیب علی علیه السلام فی مسجد الکوفة، حین فتک به المرادی لعنه الله، وأُصیب الحسین علیه السلام فقتل فی کربلاء، وأُصیب سائر الأئمة بالسم، فلو کانوا یعلمون ما سیجری علیهم؛ کان ذلک من إلقاء النفس فی التهلکة، وهو محرم...» (3).

وکیف کان، فیکفینا أن نتمسک بما جری علی الإمام الحسین علیه السلام،


1- الصدوق، محمد بن علی، من لا یحضره الفقیه، ج2، ص585. والأمالی، ص120، وعیون أخبار الرضا، ج1، ص287. وأیضاً: النیسابوری، الفتال، روضة الواعظین، ص233.
2- الخزاز القمی، علی بن محمد، کفایة الأثر، 162.
3- الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج18، ص 192.

ص: 189

حیث إن القائل بکون علمهم علیهم السلام مطلقاً وحاضراً، یعتقد بأن ذلک سارٍ فی جمیع الأئمة علیهم السلام، فلو أبطلناه فی أحدهم بطل فی الجمیع.

الجواب عن هذه الشبهة

وفی مقام الإجابة علی ذلک، ذکر علماؤنا عدة أجوبة، کان منها سدیداً مرضیاً، وبعضها الآخر قابلا للنقاش، بل هو خروج عن محل الکلام؛ لأنه التجأ إلی تبنی نظریة أُخری؛ فراراً من المحذور المذکور فی المقام، وقد أشبع هذا البحث تفصیلا بعض المحققین فی کتاب خاص ذکر فیه عدة أجوبة، نذکرها باختصار خوفاً من الإطالة:

فنقول: إن العلم بوقت مقتلهم لا یلزم منه ما توهم من محذور، بل مع الالتزام بما ذکرنا، من کون علمهم حاضر وفعلی یمکن التخلص مما أشکل فهمه علی الخصم، وذلک بأن نقول:

أولاً: إنهم علیهم السلام یعلمون بوقت مقتلهم، وبشخص قاتلهم أیضاً، لکنهم إنما أقدموا علی ذلک؛ لأنهم خُیِّروا بین البقاء فی الحیاة، وبین لقاء الله عز وجل، فاختاروا لقاء الله عز وجل، والسر فی اختیارهم، هو أنَّ تمنی الموت أمر مرغوب لله تعالی؛ ولکونه علامة لمَن کان عالماً بأن عاقبة أمره إلی الجنة، أو من علامات أولیاء الله عز وجل؛ کما دل علیه قوله عزَّ مِن قائل:

(قُلْ إِنْ کَانَتْ لَکُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ) (1).

أو قوله تعالی:

(قُلْ إِنْ کَانَتْ لَکُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ 


1- البقرة: 94.

ص: 190

کُنْتُمْ صَادِقِینَ) (1).

بل ورد أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم استأذن منه ملک الموت بقبض روحه، فأذن له (2)، فهل معنی هذا أن النبی - والعیاذ بالله - ألقی بنفسه إلی التهلکة؛ لقبوله ذلک وعدم رفضه الموت؟! فکان له أن یختار الحیاة، فیبقی حیاً، مع أنه اختار الموت، ولا قائل بین المسلمین کافة، بأن هذا مستلزم للإلقاء بالنفس إلی التهلکة، ومنه نستکشف أن إقدام الأئمة علیهم السلام علی الموت، مع العلم به کان نتیجة لمقایسة بین البقاء فی الدنیا، أو تحصیل الأجر العظیم بنیل الشهادة، فاختاروا الشهادة؛ لعلمهم أن الموت لا بد وأن یأتی، فلا مفرَّ منه؛ إذ أنهم یعلمون بأنهم لو خُیِّروا واختاروا البقاء لیس معناه أنهم مخلدون فی الدنیا (3)، أو أنهم علیهم السلام أمروا بالتسلیم لأمر الله عز وجل، وقبول هذا السبب وهذا الأجل، کما قال الکجوری فی خصائصه: «... وکذا کان علم الأئمة الطاهرین بالسموم المهلکة التی تناولوها، ومعرفتهم بالقاتل، فهم یعلمون بالعلم الباطن، إلا أنهم ((.. وَهُم بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ ))، فتلک الواردات کانت بحسب اختلاف الحالات» (4).

ویؤید الشق الأول مما ذکرنا فی هذا الوجه، ما ورد عن عبد الملک بن أعین، عن أبی جعفر علیه السلام، قال: 


1- الجمعة: 6.
2- أُنظُر: الصدوق، محمد بن علی، الأمالی، ص349. وأیضاً: النیسابوری، الفتال، روضة الواعضین، ص72.
3- لقد ذکر بعض المحققین هذا الوجه فی کتابه، ولکن ببیان آخر، واستشهد علیه بآیات أخری أیضاً. أُنظُر: حمُّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، ج1، ص28.
4- الکجوری، محمد باقر، الخصائص الفاطمیة، ص 199.

ص: 191

«أنزل الله تعالی النصر علی الحسین علیه السلام، حتی کان ما بین السماء والأرض، ثم خُیِّر: النصر، أو لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالی» (1).

وما ورد عن أبی جعفر علیهم السلام، قال:

«عجبت من قوم یتولونا ویجعلونا أئمةً، ویصفون أن طاعتنا مفترضة علیهم، کطاعة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ثم یکسرون حجتهم، ویخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فینقصون حقنا، ویعیبون ذلک علی مَن أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسلیم لأمرنا ! أترون أن الله تبارک وتعالی افترض طاعة أولیائه علی عباده، ثم یُخفی عنهم أخبار السماوات والأرض، ویقطع عنهم مواد العلم فیما یرد علیهم مما فیه قوام دینهم؟!

فقال له حمران: جُعلت فداک، أرأیت ما کان من أمر قیام علی بن أبی طالب والحسن والحسین علیهم السلام، وخروجهم، وقیامهم بدین الله عزَّ ذِکرُه، وما أُصیبوا من قتل الطواغیت إیاهم والظفر بهم حتی قُتِلوا وغُلبوا؟

فقال أبو جعفر علیه السلام: یا حمران، إن شاء الله تبارک وتعالی قد کان قدَّر ذلک علیهم وقضاه، وأمضاه وحتمه علی سبیل الاختیار (وفی نسخة الاختبار) ثم أجراه، فبتقدُّم علم إلیهم - من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - قام علی والحسن والحسین، وبعلمٍ صمت مَن صمت منَّا، ولو أنهم - یا حمران - حیث نزل بهم ما نزل من أمر الله عزَّ وجل، وإظهار الطواغیت علیهم، سألوا الله عزَّ وجل أن یدفع عنهم ذلک، وألحُّوا علیه فی طلب إزالة مُلک الطواغیت وذهاب ملکهم، إذاً لأجابهم ودفع ذلک عنهم، ثم کان انقضاء مدة الطواغیت وذهاب مُلکهم أسرع من سلک


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص260.

ص: 192

منظوم انقطع فتبدَّد، وما کان ذلک الذی أصابهم - یا حمران - لذنب اقترفوه، ولا لعقوبة معصیة خالفوا الله فیها، ولکن لمنازل وکرامة من الله أراد أن یبلغوها، فلا تذهبنَّ بک المذاهب فیهم» (1).

ثانیاً: إن المحرم فی الشریعة والعقل لیس هو مطلق إلقاء النفس بالتهلکة، بل فی بعض الموارد قد یکون الإلقاء واجباً علی الإنسان شرعاً، کما فی الجهاد الذی یعلم معه المکلف إلی درجة عالیة بأنه سوف یُقتل، ولکن مع ذلک لم یقل أحد: بأن هذا النوع من الجهاد هو إلقاء بالنفس فی التهلکة.

ثالثاً: إن إقدام الأئمة علیهم السلام علی القتل بالکیفیة التی علموا بها - واختیارهم - لذلک لیس إلقاءً فی التهلکة؛ لکون الإلقاء فی التهلکة - عرفاً وشرعاً - هو هدر الإنسان نفسه وإتلافها فی سبیل شیء لا یستحق ذلک، أما ما یستحق - أو ما یستوجب - ذلک، فلا ریب فی أنه لیس إلقاءً فی التهلکة، کالجهاد فی سبیل الله، والدفاع عن النفس، والعرض، والمال، فإن فاعله یستحق المدح والثناء عرفاً وشرعاً.

قال الجلالی فی مقالته: «... أن تسمیة الفعل الذی یقدم علیه الفاعل المختار سوءاً أو هلکة، إنما یتبع المفسدة الموجودة فی ذلک الفعل، فإذا خلا الفعل فی نظر فاعله عن المفسدة، أو ترتبت علیها مصلحة أقوی وأهم فی نظره من المفسدة، لم یُسمَ سوءاً ولا هلکة. فلیس لهذه العناوین واقعاً ثابتاً؛ حتی یقال: إن ما أقدم علیه الأئمة هو سوء وهلکة، بل هی أمور نسبیة تتبع الأهداف والأغراض والنیات، بل یراعی فی تسمیتها الأهم، فرب نفع فی وقت هو ضرر فی آخر، ورب ضرر لشخص هو نفع لآخر. قال تعالی: (وعسی أن تکرهوا شیئاً وهو خیر لکم، وعسی أن تحبوا شیئاً وهو شر لکم)...


1- المصدر السابق، ص 262.

ص: 193

وقال تعالی: (فعسی أن تکرهوا شیئاً ویجعل الله فیه خیراً کثیراً)... هذا فی المنظور الدنیوی المادی، وأما فی المنظار الإلهی والمثالی، وعالم المعنویات، فالأمر أوضح من أن یُذکر أو یُکرر، فهؤلاء الأبطال الذین یقتحمون الأهوال، ویسجلون البطولات فی سبیل أداء واجباتهم الدینیة والعقیدیة، أو الوطنیة والوجدانیة، أو الشرف، إنما یقدمون علی ما فیه فخرهم، مع أنهم یحتضنون (الموت) ویعتنقون (الفناء)، لکنه فی نظرهم (الحیاة) و(البقاء)» (1).

رابعاً: لا شک ولا ریب أن هناک قاعدة عقلیة اعتمد علیها علماء المسلمین فی موارد کثیرة(2)، وهی: (ترجیح الأهم علی المهم)، ومعناها: أنه لو دار الأمر بین حفظ شیء مهم أو أهم منه، فإن الواجب هو حفظ الأهم عند العقلاء، والعقل، والشرع، فلو دار الأمر بین بقاء المکلف حیاً أو یتقی ما توجه للمعصوم من خطر القتل، فالجمیع یعتبر إقدام المکلف علی الموت أمراً راجحاً - بل واجباً - اختیاره، فلو کان المکلف فی معرکة فی الصف الذی یقاتل فیه النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم، ورأی سهماً توجه إلی النبی، فاتقاه بصدره، فلا إشکال ولا شبهة فی أن إقدامه لیس إلقاءً فی التهلکة؛ لکون الإلقاء فی التهلکة هو هدر الإنسان نفسه وإتلافها فی سبیل شیء لا یستحق ذلک، کما تقدم فی الوجه المتقدم.

إلی غیر ذلک من الأجوبة الکثیرة التی سُجِّلت فی مقام الإجابة علی هذه الشبهة


1- الجلالی، محمد رضا، علم الأئمة بالغیب...، مجلة تراثنا، ج 37، ص 18.
2- أُنظُر: الرازی، الفخر الرازی، التفسیر الکبیر، ج21، ص119. وأیضاً: الخمینی، روح الله، کتاب الطهارة، ج2، ص81. وأیضاً: الخوئی، أبو القاسم، کتاب النکاح، ج1، شرح ص146. وأیضاً: البهبهانی، علی، الفوائد العلیة، ج2، ص440.

ص: 194

الواضحة الدفع، ومن أراد مزیداً من الاطلاع، فلیرجع إلی ما کتبه بعض المحققین فی کتابه(1).

ثم إن هذه الشبهة أخذت مأخذها فی الأوساط الإسلامیة علی مرِّ التأریخ، الأمر الذی دعا أصحاب الإمام الصادق علیه السلام یسألون منه عن سر وحقیقة ذلک، وقد نقلنا الروایات فی ذلک فی الفصل الأول، عند الحدیث عن السیر التأریخی للمسألة، وقد أجاب عنها علماؤنا الأعلام مراراً وتَکراراً فی کتبهم، بل أُلّف فیها کتاباً خاصاً، تحت عنوان (شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها)، وقد أشبع هذا الموضوع بحثاً علمیاً، یلقم الخصم حجراً.

الشبهة الثانیة: إن القول بالعلم الفعلی للأئمة یلزم منه عدم استحقاقهم المدح علی مآثرهم وقتالهم فی المعارک

اشارة

من بین الشبهات المهمة التی یمکن أن یروَّج لها ضد نظریة علم الإمام علیه السلام، هو أن هذه النظریة تنسف لنا کثیراً من فضائل الأئمة ومکرماتهم، فلا یمکن أن نصفهم بالشجاعة والکرم، وغیرهما من المناقب التی تسالم المسلمون علی نسبتها لهم، فمثلا: لو قلنا: بأن أمیر المؤمنین علیه السلام کان عالماً بمصیره حین مبیته فی فراش النبی صلی الله علیه وآله وسلم؛ بحیث إنه قاطع بعدم قتله، وأنه سوف یسلم من کل خطر، فلا فضل له ولا منقبة له فی مبیته فی فراش النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وکذلک الحال فی مبارزته لعمرو بن عبد ود العامری فی معرکة الخندق، وقتله مرحب فی معرکة خیبر، وهلمَّ جراً، فلا بد من صرف النظر ورفع الید عن النظریة المتقدمة، ولا أقل من القول: بکون علمهم علیهم السلام إشائیاً لا فعلیاً. 


1- أُنظُر: حمُّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، الجزء الأول؛ حیث خصه بالإجابة علی هذه الشبهة، وبأجوبة کثیرة ومطولة.

ص: 195

ویشهد لذلک قول المتنبی:

ولا فضل فیها للشجاعة والندی

وصبر الفتی لولا لقاء شعوب(1)

الجواب عن هذه الشبهة

ویمکن الإجابة عن هذه الشبهة بأمور:

الأول: إن هذا الأمر نظیر العصمة التی عصمهم الله بها، وما یرد علیها من إشکال أنهم علیهم السلام لا یستحقون المدح لترکهم المعاصی؛ لأنه یلزم أن یکون ترکهم للمحرم وفعلهم للواجب قهریاً.

فما یجاب به هناک نجیب به فی المقام أیضاً، وقد أجیب هناک: بأن الله عز وجل إنما اصطفاهم وعصمهم نتیجةً لعلمه بحقائق الأمور؛ بحیث علم منهم علیهم السلام الامتثال علی کل حال(2)، کما ورد فی الدعاء: «... بعد أن شرطت علیهم الزهد فی درجات هذه الدنیا الدنیة، وزخرفها وزبرجها، فشرطوا لک ذلک، وعلمت منهم الوفاء به...»(3)، حتی لو ترک حالهم کحالنا، فهم


1- الشیرازی، أحمد أمین، البلیغ فی المعانی والبیان والبدیع، ص159.
2- أُنظُر: الحکیم، محمد تقی، الأصول العامة للفقه المقارن، ص151. وأیضاً: المیلانی، علی، آیة التطهیر، ص28. قال: «وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة فی کتبهم بما ملخصه: إن الله سبحانه وتعالی لما علم أن هؤلاء لا یفعلون إلا ما یؤمرون، ولیست أفعالهم إلا مطابقة للتشریعات الإلهیة من الأفعال والتروک... فلما علم سبحانه وتعالی منهم هذا المعنی؛ لوجود تلک الحالات المعنویة فی ذواتهم المطهرة، تلک الحالة المانعة من الاقتحام فی الذنوب والمعاصی، جاز له سبحانه وتعالی أن ینسب إلی نفسه إرادة إذهاب الرجس عنهم».
3- المفید، محمد بن محمد، أوائل المقالات، ص309. وأیضاً: المشهدی، محمد بن جعفر، المزار الکبیر، ص574. مع اختلاف یسیر؛ حیث ورد فیه: «زخارف» بدل «درجات». وأیضاً: ابن طاووس، علی بن موسی، إقبال الأعمال، ج1، ص504.

ص: 196

عاهدوا الله بأن یمتثلوا کل طاعاته، ویترکوا کل المعاصی، وإن لم یکرمهم تعالی بالعصمة، وقد علم منهم الوفاء (1)، والکلام نفسه یأتی فی موردنا؛ حیث إن الله عندما أمرهم بهذه الأوامر - کالمبیت فی فراش النبی صلی الله علیه وآله وسلم - واشترطوا له الامتثال، وعلم منهم الوفاء بذلک، فعندها أعلمهم علیهم السلام بحقیقة هذا التکلیف وما یأول فیه أمرهم، فبین لهم المضار التی تلحق بهم، والمخاطر التی تُدفع عنهم فی ذلک.

الثانی: ثم إننا نتساءل عن هکذا شخص، کیف وصل إلی هذه المنزلة الرفیعة؛ فهل ذلک إلا نتیجة لما عرفه الله عز وجل من أنه علیه السلام یمتثل أمره علی کل حال، ولو کان نتیجة ذلک بذل النفس، کما امتثل أمره تعالی عند تقدمه علیه السلام للموت - کما ذکرنا ذلک فی الشبهة السابقة - فهلا یستحق المدح علی وصوله إلی هذه المنزلة؛ بحیث أصبح ممن ارتضاه الله وأطلعه علی غیبه؟!

الثالث: أن المستشکل نظر إلی جهة واحدة من علم الإمام علیه السلام، وهی علمه بعدم قتله فی هذه اللحظات، ولکنه لم یلتفت إلی أنه علیه السلام أُصیب بالأذی الذی لحقه من هذه الوقائع، ففی فراش النبی صلی الله علیه وآله وسلم رُشق بالحجارة، وضُرب بالعصیِّ ضرباً مبرحاً؛ بحیث لو عرفه غیره من المکلفین، وخُیِّر بأن یبیت مکان أمیر المؤمنین لرفض ذلک، ناهیک عن ضربة عمرو بن عبد ود؛ حین ضربه علی رأسه بالسیف، فشق رأسه علیه السلام(2)، وغیر ذلک من الجراحات التی أُصیب بها علیه السلام، فهلا یستحق مَن یُقدم علی هذه الأمور - ویمتثل أمر الله عز وجل، وأمر رسوله صلی الله علیه وآله وسلم - المدح والثناء؟! 


1- أُنظُر: المرتضی، علی بن الحسین، رسائل المرتضی، ج3، ص326.
2- أُنظُر: الکوفی، أحمد بن أعثم، کتاب الفتوح، ج4، ص278.

ص: 197

الشبهة الثالثة: إن القول بالعلم المطلق یلزم منه التنافی مع بعض الأفعال التی صدرت من الأئمة علیهم السلام

اشارة

هناک مجموعة من الروایات الواردة عن أهل البیت علیهم السلام، حکت لنا بعض المواقف الصادرة عنهم، تدل علی أنها ناشئة عن عدم درایة بعاقبة - بل بحقیقة - ما یصنعون، وهذه الروایات تنفی النظریة المتقدمة، والتی قال بها مشهور الإمامیة، وتنسفها من الأساس، ولعل من أوضح هذه الأمور هو ما صرح به الإمام الصادق علیه السلام فی بعض الروایات، فقد ورد عنه أنه قال:

«... قال یا عجباه لأقوام یزعمون أنا نعلم الغیب ! ما یعلم الغیب إلا الله، لقد هممت بضرب جاریتی فلانة فهربت منّی، فما علمت فی أی بیوت الدار هی...»(1).

أو قوله علیه السلام فی حدیث: «قلت له: إن یحیی بن خالد سم أباک موسی بن جعفر صلوات الله علیهما؟ قال:

نعم، سمه فی ثلاثین رطبة.

قلت له: فما کان یعلم أنها مسمومة؟ قال:

غاب عنه المحدِّث.

قلت: ومَن المحدث؟ قال:

مَلک أعظم من جبریل ومیکائیل، کان مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وهو مع الأئمة صلوات الله علیهم، ولیس کل ما طلب وجد.

ثم قال:

إنک ستعمر.


1- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص250. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص257.

ص: 198

فعاش مائة سنة»(1).

أو ما ورد من أکل الإمام الرضا علیه السلام بیضة مقامر علیها؛ فقد ورد فی الکافی عن عبد الحمید بن سعید، قال: «بعث أبو الحسن علیه السلام غلاماً یشتری له بیضاً أو بیضتین، فقامر بها، فلما أتی به أکله، فقال مولی له: إن فیه من القمار، قال: «فدعا بطشت فتقیأ فقاءه»(2)، فهذه تصریحات واضحة فی عدم علمهم علیهم السلام، فیثبت أن هذه النظریة - أی: أن الأئمة علیهم السلام یعلمون بالأشیاء علماً حاضراً - أمر باطل لا یمکن الالتزام به.

ولعل ما ذکره العلامة الطباطبائی قدس سره فی المقام إشارة إلی هذه الشبهة؛ حیث قال رحمه الله: «...تظافرت الأخبار من طرق أئمة أهل البیت، أن الله سبحانه علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة علیهم السلام علم کل شیء... وأورد علیه، أن المأثور من سیرتهم أنهم کانوا یعیشون مدی حیاتهم عیشة سائر الناس، فیقصدون مقاصدهم ساعین إلیها، علی ما یرشد إلیه الأسباب الظاهریة، ویهدی إلیه السبل العادیة، فربما أصابوا مقاصدهم، وربما أخطأ بهم الطریق فلم یصیبوا، ولو علموا الغیب لم یخیبوا فی سعیهم أبداً، فالعاقل لا یترک سبیلاً یعلم یقیناً أنه مصیب فیه، ولا یسلک سبیلاً یعلم یقینا أنه مخطئ فیه...»(3).

الجواب عن هذه الشبهة

أما فی مقام الإجابة عن هذه الشبهة - التی طرحت منذ قرون متقدمة، وأجیب عنها من قِبَل العلماء أیضاً - فإننا نقول:


1- الطوسی، محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (المعروف برجال الکشی)، ج2، ص864.
2- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج5، ص123.
3- الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج18، ص 192.

ص: 199

أولاً: إن هذه الروایات ضعیفة السند، أما الأُولی، فهی ضعیفة السند بعباد بن سلیمان؛ فإنه مهمل فی کتب الرجال(1)، وأما الثانیة، فهی ضعیفة أیضاً بالحسن بن أحمد المالکی؛ کما ذکر بعض الأعلام(2)، وأما الروایة الثالثة، فضعفها من جهتین: جهالة عبد الحمید بن سعید(3)، وضعف سهل بن زیاد، فقد ذکر السید الخوئی رحمه الله فی مصباح الفقاهة ذلک بقوله: «... مجهولة لعبد الحمید، وضعیفة لسهل...»(4)، وقال فی موضع آخر من کتابه بعد أن ذکر توجیهاً لها: «... علی أن الروایة المذکورة ضعیفة السند»(5)، وقال السید الروحانی فیها أیضاً: «... مع أنه محل نظر؛ لجهالة عبد الحمید المذکور...»(6).

ثانیاً: إن الروایات الواردة فی المقام إنما تنفی علم الغیب الحقیقی، لا المستفاد من الله عز وجل، والوجه فی ذلک هو أن علم الغیب الحقیقی لا یطلق إلا علی علم الله تعالی، وأما علم باقی المخلوقات، فإنه یطلق علیه علم الغیب من جهة تعلقه بالغائبات، ولکن لیس علماً غیبیاً کعلم الله، بل هو علم مستفاد من ذی علم.

وقد ذکر بعض المحدثین هذا الوجه بقوله: «قوله: قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الإمام: یعلم الغیب؟ فقال: لا. دل علی أن علم الغیب علم غیر مستفاد، کعلم الله تعالی، وعلم الإمام - لمَّا کان مستفاداً منه تعالی - لا یکون علماً بالغیب


1- أُنظُر: النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی، ص293. وأیضاً: الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی، ص433. وأیضاً: ابن داوود، الحسین بن علی، رجال ابن داوود، ص114.
2- أُنظُر: البروجردی، السید علی، طرائف المقال، ج1، ص232.
3- أُنظُر: الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث، ج10، ص301.
4- الخوئی، أبو القاسم، مصباح الفقاهة، ج1، شرح ص582.
5- المصدر نفسه، شرح ص583.
6- الروحانی، محمد صادق، فقه الصادق، ج14، شرح ص405.

ص: 200

حقیقة، وقد یُسمَّی أیضاً علماً بالغیب؛ نظراً إلی تعلُّقه بالأمور الغائبة، وبه یُجمع بین الأخبار التی دلَّ بعضها علی أنهم عالمون بالغیب، ودلَّ بعضها علی أنهم غیر عالمین به...»(1).

وقال بعض المحققین: «... إن هذه الروایات - ونظائرها - ناظرة فی الأصل إلی نفی الاستقلالیة عن الله، بل إن علومهم (صلوات الله علیهم) هی تابعة علیه تبعیة الفرع للأصل، وما تراه فی الأحادیث المتواترة عنهم، بأنهم یعلمون علم الغیب، إنما یصح مع نفی الاستقلالیة، وما من أحد یمکنه القول: بأن علمهم (صلوات الله علیهم) فی المغیبات ناجم عن استقلالیة عن علم الله جلت قدرته، ولهذا فإن قولهم علیهم السلام: بأنهم لا یعلمون الغیب لیس مطلقاً، وما یقید هذا الإطلاق هو أقوال القرآن الکریم، المؤکدة لوجود مستثنیات فی هذا المجال، کما فی قوله تعالی:

(عَالِمُ الْغَیْبِ فَلَا یُظْهِرُ عَلَی غَیْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَی مِنْ رَسُولٍ)....

وهی مقیدة مرة ثانیة بما تحدثوا عنه ومارسوه بالفعل بکونهم یعلمون...»(2).

ثالثاً: هناک تضارب فی بعض الروایات فی نفسها، ففی صدرها تنفی العلم عنهم علیهم السلام، وفی ذیلها تثبت العلم لهم، کما هو واضح لمن راجع الروایة الأُولی بأکملها؛ حیث جاء فیها: «... قال سدیر: فلما أن قام من مجلسه، وصار فی منزله، دخلت أنا وأبو بصیر ومیسر، وقلنا له: جعلنا فداک، سمعناک وأنت تقول: کذا وکذا فی أمر جاریتک، ونحن نعلم أنک تعلم علماً کثیراً، أوَ لا ننسبک إلی علم الغیب؟ قال: فقال:


1- المازندرانی، محمد صالح، شرح أصول الکافی، ج6، ص35.
2- الصغیر، جلال الدین، الولایة التکوینیة الحق الطبیعی للمعصوم، ص268.

ص: 201

یا سدیر، أما تقرأ القرآن؟

قلت: بلی.

قال:

فهل وجدت فیما قرأت من کتاب الله عز وجل:

(( قَالَ الَّذِی عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْکِتَابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَن یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ...))؟

قال: قلت: جعلت فداک، قد قرأت.

قال:

فهل عرفت الرجل، وهل علمت ما کان عنده من علم الکتاب؟

قال: قلت: أخبرنی به. قال:

قدر قطرة من الماء فی البحر الأخضر، فما یکون ذلک من علم الکتاب.

قال: قلت: جعلت فداک، ما أقل هذا.

قال: فقال:

یا سدیر، ما أکثر هذا أن ینسبه الله عز وجل إلی العلم الذی أخبرک به، یا سدیر، فهل وجدت فیما قرأت من کتاب الله عز وجل أیضاً:

((... قُلْ کَفَی بِاللّهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ ))؟

قال: قلت: قد قرأته جعلت فداک. قال:

أفمن عنده علم الکتاب کله أفْهَم من عنده علم الکتاب بعضه؟!

قال: قلت: لا، بل من عنده علم الکتاب کله. قال: فأومی بیده إلی صدره، وقال:

ص: 202

علم الکتاب - والله - کله عندنا، علم الکتاب - والله - کله عندنا» (1).

بل یمکن أن یکون هذا الشق شاهداً علی أن الشق الأول من الروایة قد ذکره الإمام علیه السلام فی مقام التقیة، فلا یبقی أی تضارب بین الشقین.

رابعاً: لو تنزلنا عن جمیع الأجوبة المتقدمة، فلا بد من حمل هذه الروایات علی التقیة، أو مراعاة المصلحة فی عدم إظهار علمهم علیهم السلام،؛ حیث صعب علی السامعین تقبل هذا الأمر، کما هو الحال فی بعض الروایات التی تُشکل خطراً علی شخص الإمام، أو علی الشیعة، أو علی نفس محترمة، وقد تقدم ذکر بعضها فی المبحث الأول من هذا الفصل، عند ذکر المحاولة الأُولی من محاولات الجمع بین النظریتین.

وقد قال بعض المحققین فی المقام:«... مسألة علم الغیب والإنباء عن المغیبات مسألة لا تتحملها العقول العامة، وإنما هی مسألة من مسائل خاصة الناس، ولهذا فقد یأتی النفی وهو یتخذ من التقیة ستاراً، خصوصاً وأن البواعث الموضوعیة للالتزام بذلک کانت متوفرة بشکل کبیر ودائم، وهذه البواعث لیست بالضرورة تتخذ صفة سیاسیة، بل لربما تتخذ صفة اتقاء جهل بعض العوام من الذین لا تحمل إفهامهم قدرة النظر إلی هذه الأمور، بالطریقة التی ینبغی النظر فیها إلیها، فیتجهون إما إلی التکذیب والتشنیع والاتهام، وإما إلی الغلو وکلاهما یتقیهما المعصوم علیه السلام، أو تتخذ صفة طائفیة؛ فیرتد الأمر بصورة سلبیة علیهم وعلی عقیدتهم (صلوات الله تعالی علیهم)...» (2).


1- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص250. وأیضاً: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص257.
2- الصغیر، جلال الدین، الولایة التکوینیة الحق الطبیعی للمعصوم، ص269.

ص: 203

الشبهة الرابعة: هناک آیات صرحت بعدم علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم 

اشارة

لا خلاف فی أن کل روایة وکل دلیل جاء فی سنة النبی وأهل بیته علیهم السلام، لا بد أن یعرض علی الکتاب الکریم، فإن وافق الکتاب جاز الأخذ به بل وجب، وإن خالفه فلا یجوز الأخذ به، وهذا أمر لا نقاش فیه بین العلماء، وما ذکر فی علم الأئمة علیهم السلام مخالف للکتاب؛ فقد وردت آیات قرآنیة دلت علی عدم علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم، کما فی قوله تعالی:

(وَلَوْ کُنْتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ لَاسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ وَمَا مَسَّنِیَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِیرٌ وَبَشِیرٌ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ) (1).

وقوله عز وجل:

(مَا کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتَابُ وَلَا الْإِیمَانُ) (2).

وقوله:

(مَا کُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُکَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ) (3).

إلی غیر ذلک من الآیات المشابهة لما ذکرنا، وهذه الآیات صریحة فی نفی العلم عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وقد ثبت فی محله أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أفضل من جمیع الأئمة اتفاقاً، فما یثبت لهم علیهم السلام یثبت له صلی الله علیه وآله وسلم بالأولویة، وکذا ما لا یناله صلی الله علیه وآله وسلم لا یناله الأئمة علیهم السلام بوجه أولی، فبمقتضی الأولویة تکون أدلة الإطلاقیة معارضة للقرآن، فلا بد من ترکها وضربها عرض الجدار. 


1- الأعراف: 188.
2- الشوری: 52.
3- هود: 49.

ص: 204

الجواب عن هذه الشبهة

وفی مقام الجواب علی هذه الشبهة نقول:

أولاً: إن هذه الآیات وإن کانت معارضة للروایات المتقدمة - کما ذکر المستشکل - إلا أنها معارضة بآیات قرآنیة کثیرة ذکرت فی الفصل الثانی من هذا البحث، فالروایات موافقة للکتاب من جهة، ومعارضة لهذه الآیات المذکورة هنا، فکیف نطرح الروایات الموافقة للکتاب لأنها عارضت ظاهر بعض الآیات القابلة للتوجیه والتأویل؟! وهل المراد من المعارضة هو مجرد وجود تنافی بدوی بین الآیات والروایات؟ أم یشترط فیها أن تکون المعارضة مستقرة غیر قابلة للجمع؟

ثانیاً: من الممکن أن نذکر توجیها لهذه الآیات؛ بحیث یجعلها منسجمة مع النظریة تمام الانسجام والوئام، وهو أن العلم المنفی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم هو العلم الاستقلالی والذاتی له، أی أن المراد من الآیات هو: أنک - أیها النبی - لولا تعلیم الله لک وإفاضته علیک لما کنت تعلم شیئاً إطلاقاً، وهذا هو مقتضی فقر البشر إلی الله، لکنه تعالی منَّ علیک فأعطاک علوم الأولین والآخرین، وعلمک کل شیء قابل للتعلم منذ أن خلقک، لعلمه بحقیقتک.

وقد ذکر بعض المحققین کلاماً قریباً مما ذکرنا فی الوجه الثانی؛ ناسب نقله لتعمیم الفائدة، قال المیرزا أبو الحسن الشعرانی:«... وقد أجبنا بذلک عن سؤال ورد علینا فی علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة علیهم السلام، مضمونه: أنکم تقولون: إنهم علیهم السلام کانوا عالمین بکل شیء منذ بدء وجودهم، وقد قال الله تعالی خطاباً للنبی صلی الله علیه وآله وسلم:

(مَا کُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُکَ) 

ص: 205

وقال تعالی:

(مَا کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتَابُ وَلَا الْإِیمَانُ)

فقلت فی الجواب: لا یدعی أحد من الشیعة الإمامیة أن النبی والأئمة علیهم السلام کانوا مستغنین عن الله تعالی، بلی ندعی استغناءهم عن الخلق فقط، علمهم بتعلیم الله تعالی إیاهم، ولم یکن علمهم عین ذاتهم، فإن هذه خاصة لواجب الوجود، ولا ینافی ذلک کونهم عالمین منذ بدء خلقتهم من الله تعالی، ولو لم یکن تعلیمه إیاهم لم یکونوا عالمین بذاتهم، کما أن وجودهم من الله تعالی، ولولا إیجاده لم یکونوا موجودین بذاتهم، فعدم علمهم مقدَّم علی علمهم؛ لأن عدم علمهم ذاتی وعلمهم مقتبس من العلة، وما بالذات مقدم علی ما بالغیر، والآیتان لا تدلاَّن علی مضی زمان علیه صلی الله علیه وآله وسلم وهو جاهل، إلا إنْ ادَّعی مدَّع اختصاص التقدم والتأخر عرفاً ولغةً بالزمانیین، ولیس کذلک، بل یطلقان علی الذاتیین أیضاً؛ إذ لا یختلف أهل العربیة فی أن الفاء وثم تدلاَّن علی الترتب، ومع ذلک یصح فی اللغة أن یقال: تحرکت الید فتحرک المفتاح دون العکس، مع کون الحرکتین معاً زماناً، وتأخر حرکة المفتاح عن حرکة الید لیس بالزمان بل بالذات؛ فثبت أن أهل العرف واللغة یعرفون معنی التأخر الذاتی ویستعملونه فی کلامهم، ولا یجب حمل جمیع ما ورد فی الکتاب والسنة من الترتب والتأخر علی الزمانی، ولا یصح دعوی مَن یدعی اختصاص التأخر الذاتی بأصحاب العلوم النظریة، وأنه شیء لا یعرفه أهل اللغة والعرف، فقوله تعالی:

(...مَا کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتَابُ وَلَا الْإِیمَانُ...).

أی: ما کنت تعرفها بنفسک، بل هو شیء عرفته بتعلیم الله تعالی إیاک منذ أول خلقتک» (1).


1- المازندرانی، محمد صالح، شرح أصول الکافی، ج 4، ص 143، هامش رقم 3.

ص: 206

الشبهة الخامسة: لو کان علم النبی والأئمة حاضراً للزم لغویة نزول الوحی

اشارة

من بین الشبهات التی سجلت علی نظریة علم الإمام علیه السلام، هی أن القول بکون علمهم علیهم السلام حاضراً یلزم منه لازم فاسد لا یمکن الالتزام به، وهو أن یکون نزول الوحی علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم - بل والأئمة علیهم السلام - لغواً لا فائدة منه، فلا یبقی مجال لقوله تعالی:

(تَنَزَّلُ الْمَلَائِکَةُ وَالرُّوحُ فِیهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ کُلِّ أَمْرٍ) (1).

فما معنی أن یکون الوحی یهبط علی شخص غیر محتاج إلی الإیحاء؟! وهل هذا إلا اللغو القبیح فعله من الحکیم؟! (2)، مما یدل علی أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم لم یکن عالما بما نزل علیه من طریق الوحی، وإذا ثبت عدم علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم ثبت عدم علم الأئمة علیهم السلام بالأولویة.

الجواب عن هذه الشبهة

وللإجابة عن هذه الشبهة نکتفی بذکر کلمات الأعلام الذین تصدوا لردها:

قال العلامة محمد حسین المظفر: «أولاً: بأن لعلمهم الحاضر منابع یستقون من فراتها، وموارد ینتهلون من معینها؛ ومن تلک المنابع والموارد غشیان الملائکة علیهم بالوحی والإعلام بالحوادث، وهذا لا ینافی أن یکون علمهم حاضراً ولحضوره أسباب ودواعٍ. 


1- القدر: 4.
2- أُنظُر: المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص93. وأیضاً: اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص146.

ص: 207

وثانیاً: بأن إنزال الملائکة وجبرائیل والروح بالآیات والحادثات، إنَّما هو لإقامة الحجة وتأیید الدعوة، ومن ثم کان تعدد الأنبیاء علی الأمم، بل وتعددهم فی الوقت الواحد، کما کان لکل واحد منهم آیات عدیدة ودلائل أکیدة، تقوم علی صدق دعواه، ومن تلک الحجج المقامة علی العباد إشهاده تعالی علیهم بجعل الحفظة والکرام الکاتبین، وتسجیلهم کل عمل وقول، مع أنَّه جلَّ شأنه هو الحفیظ الرقیب والشاهد غیر الغائب.

ولو أخذنا بما یدَّعیه الخصم للغی کل هذه البینات، وبطل کل هذه الآیات والحجج والبراهین(1).

وثالثاً: بأنَّ مثل هذه الحجج المقامة إنمّا تکون لطفاً منه بعباده، لتقریبهم إلی الطاعة وتبعیدهم عن المعصیة، ولولا ذلک لکان فی العقل وإقامته حجة علی العبد، کفایة عن سواه من الدلائل المنصوبة(2).

ورابعاً: بأنّ عهذه الدعوی مصادمة للبراهین العقلیة والشواهد النقلیة، ولا نرفع الید عن صریح تینک الحجتین، بمجرد الاحتمال والاستبعاد، ولو جهلنا الحکمة فی إنزال جبرائیل بالوحی لتأولناه بصریح العقل والنقل...» (3).

الشبهة السادسة

اشارة

إن هناک مجموعة من الروایات دلت علی أنهم علیهم السلام یزدادون فی کل لیلة جمعة وهذه الروایات إنما تنسجم مع القول بعدم علمهم علیهم السلام. 


1- وقد ذکر هذا الوجه السید اللاری فی معارفه، ص146. ولکنه بعبارة قریبة منها.
2- وهذا الوجه أیضاً ذکره اللاری فی کتابه المتقدم، ص147.
3- العلامة المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص94.

ص: 208

من ضمن الشبهات التی یمکن أن تواجه النظریة المختارة فی المقام، هو بعض ما ورد من الأخبار التی تصرح بأن الأئمة علیهم السلام یزدادون علماً فی کل لیلة جمعة، فقد أورد الکلینی فی الکافی باباً خاصاً أسماه ب_: (فی أن الأئمة علیهم السلام یزدادون فی لیلة الجمعة)، وقد ذکر فیه روایات ثلاث، نذکر واحدة منها: ما ورد عن أبی یحیی الصنعانی، عن أبی عبد الله علیه السلام، قال: «قال لی: یا أبا یحیی، إن لنا فی لیالی الجمعة لشأنا من الشأن. قال: قلت: جعلت فداک، وما ذاک الشأن؟ قال: یؤذن لأرواح الأنبیاء الموتی علیهم السلام، وأرواح الأوصیاء الموتی، وروح الوصی الذی بین ظهرانیکم، یعرج بها إلی السماء، حتی توافی عرش ربها، فتطوف به أسبوعاً، وتصلی عند کل قائمة من قوائم العرش رکعتین، ثم تُردُّ إلی الأبدان التی کانت فیها، فتصبح الأنبیاء والأوصیاء قد ملؤا سروراً، ویصبح الوصی الذی بین ظهرانیکم وقد زید فی علمه مثل جم الغفیر»(1).

الجواب عن هذه الشبهة

إنّ هذه الروایات لا یمکن الأخذ بها لأمور:

أولاً إن هذه الروایات ضعیفة السند، فالأولی ضعیفة بموسی بن سعدان؛ حیث ضعفه علماء الرجال (2)، والثانیة ضعیفة أیضاً بأحمد بن أبی زاهر؛ فقد ضعفه النجاشی، وقال:«...وحدیثه لیس بذلک النقی...» (3)، وبیوسف الأبزاری أیضاً؛ حیث إنه لم


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص253.
2- أُنظُر: النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی، ص404. وأیضاً: ابن الغضائری، أحمد بن الحسین، رجال ابن الغضائری، ص90. وأیضاً: الحلی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال، ص406.
3- أُنظُر: النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی، ص88.

ص: 209

یذکروه فی کتبهم (1)، وأما الروایة الثالثة والأخیرة، فهی کسابقتیها من جهة سلمة بن الخطاب؛ حیث ضعفه الأعلام فی کتبهم (2)؛ وعلیه فلا توجد روایة من هذه الطائفة یمکن الاعتماد علیها، أو تقع معارضاً لما تقدم من أدلة صحیحة السند، بل متواترة.

ثانیاً لو سلمنا جدلاً بأن هذه الروایات صحیحة السند، فهی أیضاً لا تصمد أمام الجم الغفیر من الأدلة التی ذکرت علی نظریة علم الإمام علیه السلام، فتلک متواترة وموافقة للقرآن، وهذه أخبار آحاد، فلا یمکن الأخذ بها والتعویل علیها.

ثالثاً یحتمل أن یکون الإمام علیه السلام راعی السامعین فی هذه الروایات؛ کأن کان من الحاضرین من لا یتحمل ما هو الواقع فی علمهم علیهم السلام، مع علمه بأن علومهم تفوق علوم الجمیع، ولا یقاس بهم أحد، فأراد العلم ومعرفة کیفیة علمهم علیهم السلام، فذکر له الإمام إحدی الحالات التی تتجلی فیها الأشیاء، وتنکشف له بحقائقها.

قال المولی المازندرانی:«... أن علومهم بالأشیاء التی توجد علوم إجمالیة ظلیة، وعند ظهورها علیهم فی الأعیان کل یوم ولیلة علوم شهودیة حضوریة، ولا شبهة فی أن الثانی مغایر للأول وأکمل منه، والله أعلم...» (3).


1- أُنظُر: الشاهرودی، علی، مستدرکات علم رجال الحدیث، ج8، ص285.
2- أُنظُر: النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی، ص187. وأیضاً ابن الغضائری، أحمد بن الحسین، رجال ابن الغضائری، ص66. وأیضاً: الحلی، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال، ص354.
3- أُنظُر: المازندرانی، محمد صالح، شرح أصول الکافی، ج5، ص337.

ص: 210

الشبهة السابعة

اشارة

کیف یکون علمهم مطلقاً مع أن النبی الأکرم یتعلم من جبرئیل فی کثیر من المسائل؟

ومن بین ما یمکن أن یسجل علی هذه النظریة، هو أنه لا شک ولا ریب فی أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أشرف الخلق وأفضلهم، وما أثبتته الأدلة المتقدمة فی علمهم الأئمة علیهم السلام، ثابت للرسول صلی الله علیه وآله وسلم بالأولویة، بل کثیر منها واضح فی شموله له صلی الله علیه وآله وسلم أیضاً، فالمفترض أن یکون علمه صلی الله علیه وآله وسلم حاضراً أیضاً، وغیر معلق علی المشیئة أو غیرها، مع أن هناک بعض الروایات تدل علی أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم یتعلم بعض الأُمور من جبرائیل علیه السلام (1)، ویُسأل فی بعض الوقائع عن أشیاء، فیطرق برأسه، حتی یأتیه الجواب من السماء، فیبطئ عنه الجواب فی بعضها (2)، وهذا یعنی أن النبی لم یکن مستحضراً للجواب، أو قل: إنه صلی الله علیه وآله وسلم لا یعلم بهذا الشیء. الأمر الذی ینتج لنا بطلان النظریة المتقدمة فی علمهم علیهم السلام؛ حیث إن من کان أوْلی منهم لم یکن علمه حاضراً، فکیف یکون لمن هو أدون منه مرتبة؟!

وقد ذکر هذه الشبهة الحر العاملی قدس سره، فی کتابه الإیقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة، بقوله:«... فإن جبرئیل أعلم منه ومن الأنبیاء، ولا أقل من


1- حیث ورد أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم سأل جبرئیل لیلة الإسراء عن أشیاء لم یکن یعلمها، فقد ورد فی بحار الأنوار، عن النبی أنه قال:«... لما عرج بی إلی سماء الدنیا، مررت علی قصر من جوهرة حمراء، فقلت: یا حبیبی جبرئیل، لمَن هذا القصر ؟ قال: لمن یصلی فرض الصبح...». المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج83، ص52.
2- کما ورد فی کتب التفسیر، أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم جاءه جمع من المشرکین، فسألوه مسائل تعلموها من الیهود، فواعدهم بجوابها، فأبطأ عنه الوحی بعض الإبطاء... أُنظُر: الطوسی، محمد بن الحسن، التبیان، ج7، ص5. وأیضاً: الطبری، محمد بن جریر، جامع البیان، ج15، ص238.

ص: 211

المساواة، فإن علمهم وصل إلیهم بواسطته...» (1).

الجواب عن هذه الشبهة

وفی مقام الإجابة عن هذه الشبهة نقول:

أولاً: أنه صلی الله علیه وآله وسلم یعلم حقیقة هذه الأشیاء، ولکن هذا التعلم ظاهری فقط، وأما واقعاً فالأمر لیس کذلک؛ فإن النبی صلی الله علیه وآله وسلم لا یتعلم من جبرائیل علیه السلام، بل هو عالم بالأشیاء من عند الله، أی أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم عندما یُسأل عن أمر من أمور العباد، أو واقعة وحادثة من الحوادث الغابرة، ینتظر فیها أمر السماء، فعندما یأتیه الجواب عنها یقول لهم: لقد هبط علیَّ الأمین جبرائیل، وأخبرنی بواقع هذا الأمر، أو بحکم هذه الواقعة، أو بما جری علی الأقوام السالفة إلی غیر ذلک. وإنما ینتظر النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی ذلک أمر السماء، ولم یجب عنه بمجرد السؤال، مع أنه یعلم بکل شیء - کما دلت علیه الأدلة الکثیرة المتقدمة - لأجل ما اعتاده الناس من نزول الوحی علی الأنبیاء، وتلقی الأنبیاء کل شیء من السماء، وهذا من قبیل علم النبی بالقرآن؛ حیث إنه علم به عندما نزل علیه دفعة واحدة، ومن ثم نزل به جبریل تدریجاً، فإن کل هذه الطرق لأجل الناس، أی: من باب کلم الناس علی قدر عقولهم، فلیس السؤال دالا علی عدم علم السائل دائما، بل لعل له دواع أُخر، لأجلها وقع السؤال، کما سأل علام الغیوب عن أشیاء کثیرة من بعض الأنبیاء والرسل(2).


1- الحر العاملی، محمد بن الحسن، الإیقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة، ص381.
2- فقد جاءت آیات عدة، سأل الله عز وجل فیها بعض عباده؛ لأجل غایة أرادها؛ فقال عزَّ مِن قائل: ((وَمَا تِلْکَ بِیَمِینِکَ یَا مُوسَی))، طه: 17، وقال أیضاً: ((وَإِذْ قَالَ اللّهُ یَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَ_هَیْنِ مِن دُونِ اللّهِ...))، المائدة: 116.

ص: 212

إذاً؛ فهناک غایة لأجلها یظهر صلی الله علیه وآله وسلم أنه یسأل من جبرئیل.

قال اللاری قدس سره فی معارفه:«... وعلی ذلک؛ فوساطة جبرائیل فی علمهم فی هذه النشأة لیس من جهة الجهل والنسیان، بل إنما هو من باب دلالة کثرة الأعوان علی عظمة السلطان لا علی العجز والنقصان...» (1).

ثانیا: أنه صلی الله علیه وآله وسلم یعلم بما هو الجواب، ولکن تنفیذ هذا الحکم وإعطاءه إلی المکلفین یتوقف علی وقت کان معلوماً للنبی صلی الله علیه وآله وسلم، إلا أنه ینتظر إبراز أمر الله عز وجل إلی عالم الإثبات، وهذا أمر متداول بین العقلاء، فقد یعلم الملک قائد جیشه بوقت القتال، لکنه یأمره بالانتظار إلی أن یصدر القرار أمام الجیش...

الشبهة الثامنة

اشارة

إن القول بالعلم الحاضر عند الإمام یتنافی مع ما یظهر من تعلم الأئمة علیهم السلام من النبی صلی الله علیه وآله وسلم بالطرق المتعارفة

وردت مجموعة من الروایات الدالة علی أن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام، أو غیره من الأئمة الذین أدرکوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، قد تعلموا منه بعض العلوم، بل بعضها تدل علی أن الأئمة الباقین قد تعلم بعضهم عن بعض أیضاً، وهذا الکلام وما تتضمنه هذه الروایات لا تنسجم مع نظریة علمهم المطلق - أی الحاضر لدیهم - ولا أقل من أنهم تعلموا منه بعض الأشیاء فی بعض المواقف التی یظهر منها أنهم غیر عالمین بها، ومن أوضح الروایات الدالة علی ذلک هو ما ورد عن أبی عبد الله علیه السلام مخاطبا أحد أصحابه قائلا:


1- اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص139.

ص: 213

«یا أبا محمد، علم - والله - رسول الله علیاً ألف باب یفتح له من کل باب ألف باب...» (1).

ولذا اختار الشیخ الطوسی هذا الرأی فی اقتصاده؛ حیث قال:«... وإنما یجب أن یکون الإمام عالماً بما أسند إلیه فی حال کونه إماماً، فأما قبل ذلک، فلا یجب أن یکون عالماً. ولا یلزم أن یکون أمیر المؤمنین علیه السلام عالماً بجمیع الشرع فی حیاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم، أو الحسن والحسین علیهما السلام عالمین بجمیع ذلک فی حیاة أبیهما، بل إنما یأخذ المؤهل للإمامة العلم ممن قبله شیئاً بعد شیء؛ لیتکامل عند آخر نفس من الإمام المتقدم علیه بما أسند إلیه...»(2).

الجواب عن هذه الشبهة

ویمکن القول - فی مقام الإجابة علی ما ذکر -:

أولاً: أن هذا الشیء کان لأجل أن یعرفوا الناس بأنهم أوْلی من کل أحد بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم؛ إذ إنه صلی الله علیه وآله وسلم علمهم علیهم السلام ما لم یعلم أحد، وخصهم بأشیاء لم ینلها أحد غیرهم علیهم السلام، وهذا مدعاة للتجاوب مع هؤلاء الأنوار الطاهرة وقبولهم ولاة لأمرهم؛ فجاء به النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین علیه السلام رحمة بالعالمین.

ثانیاً: إن هذا الحدیث - بل هذه الطریقة التی قام بها النبی صلی الله علیه وآله وسلم مع أمیر المؤمنین علیه السلام - کانت من أجل ما اعتاده الناس من طریقة تعلم


1- الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص172. والکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص239.
2- الطوسی، محمد بن الحسن، الاقتصاد، ص193.

ص: 214

الوصی عن طریق النبی، فهم سمعوا وعلموا بأن الوصی - الذی هو أوْلی بالخلافة والوصایة - إنما یأخذ علومه من النبی الذی خلَّفه، فجاءت هذه الأحادیث لإثبات ذلک الأمر؛ جریاً علی ما عرفه هؤلاء الناس؛ تتمیماً للحجة علیهم.

وقد أشار لهذا الوجه المحدِّث النوری رحمه الله؛ حیث قال:«... ولا یخفی أن علمهم علیهم السلام بما یحتاجون إلیه من الأصول والفروع، وما یحتاج إلیه العباد کان معهم فی صغرهم، علَّمهم الله تعالی بالطرق التی اختصهم بها، وفی الظاهر کانوا یتعلمون بعضهم من بعض، ویتلقونه منهم کما یتلقی غیرهم منهم - أو من غیرهم - بالسؤال الظاهر فی جهالة صاحبه، أو بالإلقاء من غیر مسألة...» ((1).

وخیر دلیل علی ما ذکرنا، هو ما جاء من أدلة قطعیة، دلت علی أن علمهم علیهم السلام حاضر وفعلی، فلا بد من حمل هذا التعلیم علی الطریقة الظاهریة؛ مراعاة لبعض المصالح المرادة للمعصومین علیهم السلام.

الشبهة التاسعة: أن أجساد الأئمة علیهم السلام بل کل شیء منهم محدود ومتناهی والعلم غیر متناهی

اشارة

من الشبهات التی طرحت - وأُثیرت - علی نظریة علم الإمام علیه السلام هو أن الأئمة علیهم السلام بشر مثلنا، والبشر محدود ومتناهی، وهذا أمر مسلم لا منازع فیه، بینما نجد أن العلم أمر غیر متناهی ولا محدود، وما کان محدوداً ومتناهیاً کیف له أن یحیط بغیر المتناهی والمحدود؟! فیثبت من هذا الکلام أن نظریة علم الإمام الحضوری والمطلق لیست سدیدة، ولا بد من التراجع عنها، وحتی لو وجد دلیل یدل بظاهره علی ذلک لوجب صرفه عن ظاهره. 


1- ) النوری، حسین، خاتمة المستدرک، ج 1، ص 290.

ص: 215

الجواب عن هذه الشبهة

وفی مقام الجواب نقول:

أولاً مَن قال: إن العلم غیر متناهی؟! فما ذُکر من کون الممکنات متناهیة یشمل هذا النحو من العلم أیضاً، فإن العلوم مخلوقة ما عدا علم الله، والذی هو من صفاته تعالی، وأما ما عداه، فإنه أیضاً ممکن ومتناهی، فیمکن أن یعلمه الله عز وجل لهؤلاء الأنوار القدسیة.

ثانیاً ذکر بعض المحققین عبارة فی مقام الجواب عن هذه الشبهة؛ حیث قال - بعد أن عالج جمیع ما یمکن أن یکون مانعاً من القول بعلم الأئمة علیهم السلام بالغیب -: «ومن جمیع ما ذکرنا، ظهر عدم صحة الاستدلال علی نفی علم الغیب عن الرسول والإمام بمحدودیة وجودهما الذی هو من الممکنات، وعدم أزلیتها، وعدم أبدیتها، مع أن الغیب لا حدود له، والمحدود لا یستوعب غیر المحدود - بحکم العقل - ولذلک اختص (علم الغیب) بالله تعالی الذی لا یحد؛ وذلک لأن محدودیة النبی والإمام أمر لا ریب فیه، ولا شبهة تعتریه، وکذلک اختصاص علم الغیب بالله أمر قد أثبتناه، ولم ینکره أحد من المسلمین، کما ذکرناه.

لکن المدعی أن الله تعالی أکرمهم وخصهم بأنباء من الغیب، ووهبهم علمها، فبإذنه علموا ذلک، وأصبح لهم (شهودا) وإن کان لغیرهم (غیبا) محجوبا. وإنما اختصهم الله بذلک، لقربهم منه بالعمل الصالح، والنیة الصادقة، وإحراز الإخلاص والتقوی، والجد فی البذل والفداء...» (1).


1- الجلالی، محمد رضا، علم الأئمة بالغیب والاعتراض علیه بالإلقاء، ص 22. مجلة تراثنا، العدد 37.

ص: 216

الشبهة العاشرة: إن هذا الرأی إنما نتج عن الغلو بهم.

اشارة

قد یقال: إن القول بکون علم الأئمة علیهم السلام مطلق وحاضر لیس هو إلا الغلو الذی حاربه الإسلام، فلا بد من العدول عن النظریة الأُولی - أی کون علمهم حاضراً - والقول بإحدی النظریات الأخری، التی یمکن تعقلها، ولم أرَ مَن صرح بهذه الشبهة من العامة والخاصة، إلا أن السید المقرم رحمه الله أجاب عنها فی کلامه عن علم الأئمة علیهم السلام، مما یدل علی أن هذه الشبهة لها أصل وجذور فی ذلک الوقت، أو أنها قابلة للذکر، فناسب ذکرها فی المقام (1).

الجواب عن هذه الشبهة

وفی مقام الإجابة عن هذه الشبهة - ودفعها - ننقل ما ذکره السید المحقق المقرم قدس سره فی مقام ردها، فقال:«... ولا غلوّ فی ذلک، بعد قابلیة تلک الذوات المطهرة - بنصّ الذکر الحمید:

((... إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا )) – .

لتحمل الفیض الأقدس، وعدم الشحِّ فی (المبدأ الأعلی) تعالت آلاؤه... والمغالاة فی شخص عبارة عن إثبات صفة له، إمّا أن یحیلها العقل، أو لعدم القابلیة لها...»(2).

وبعبارة أخری: إن الغلو فی اللغة هو تجاوز الحد فی الشیء، والخروج فیه عن المعتاد(3)، وقد ذکر المیرزا التبریزی قدس سره أن الغلاة هم: «... الذین غلوا فی النبی،


1- المقرَّم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسین علیه السلام، ص45.
2- المصدر السابق.
3- أُنظُر: الجوهری، إسماعیل بن حماد، الصحاح، ج6، ص2448. وأیضاً: ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، ج15، ص132. وأیضاً: الزبیدی، محمد مرتضی، تاج العروس، ج20، ص23.

ص: 217

أو الأئمة، أو بعضهم (سلام الله علیهم أجمعین) بأن أخرجوهم عما نعتقد فی حقهم، من کونهم وسائط ووسائل بین الله وبین خلقه... کأنه التزموا بکونهم شرکاء لله تعالی فی العبودیة، والخلق، والرزق، أو أن الله تعالی حل فیهم، أو أنهم یعلمون الغیب بغیر وحی، أو الهام من الله تعالی، أو القول فی الأئمة علیهم السلام أنهم کانوا أنبیاء، والقول بتناسخ أرواح بعضهم إلی بعض، أو القول: بأن معرفتهم تغنی عن جمیع التکالیف»(1)، وذکر بعض المحققین بأن الغلو هو:«... ظاهرة أو موقف معین مبالغ فیه بلا دلیل، وقد یکون بحق فرد أو مجموعة، أو قضایا أو أفکار أو مبادئ معینة...»(2)، وهذا الشیء غیر منطبق علی ما نحن فیه، بعد قیام الدلیل القطعی من نصوص قرآنیة وروایات متواترة، وبعد وضوح الفرق بین علمهم علیهم السلام وبین علم الله عز وجل - کما تقدم فی المبحث الثانی من الفصل الأول - فأین هذا من الغلو؟!

الشبهة الحادیة عشر: إن العلم الفعلی یلزم منه لازم قبیح وهو العلم بالموضوعات القبیحة

اشارة

ذکر بعض المحققین - فی کتابه علم الإمام - شبهة حول هذه النظریة، وکان حاصلها:

إن القول بأن علم الإمام علیه السلام حاضر ومطلق یلزم منه لازم قبیح لا یرتضیه أحد، وهو أن یکون الأئمة عالمین بالأمور القبیحة التی یقبح الاطلاع علیها، مثل خلوة الرجل مع زوجته، وعلمهم بدقائق الأفعال التی یقوم بها الناس فی بیوتهم، والعلم بهذه الأمور قبیح یجب تنزیه الأئمة عنه، مما یدل علی لزوم بطلان هذه النظریة


1- التبریزی، المیرزا جواد، صراط النجاة، ج3، ص418.
2- العمیدی، ثامر، دور الشیخ الطوسی فی علوم الشریعة الإسلامیة، ص155. مجلة تراثنا، العدد الثالث والرابع.

ص: 218

فی علم الإمام علیه السلام، وتبنی إحدی النظریات الأخری، ولا أقل من العدول من العلم الحاضر والفعلی إلی العلم الإشائی.

قال العلامة المظفر رحمه الله: «لو کان علمهم بالموضوعات فعلیاً دوماً، لقبح أحیاناً بعضه، کالعلم بفروج النساء حال الجماع» (1).

الجواب عن هذه الشبهة

وأما الإجابة عن هذه الشبهة التی لا یخفی علی أحد سهولة دفعها نقول:

أولاً: لو کان العلم بالقبیح قبیحاً بذاته، لکان علم الله عز وجل بذلک قبیحاً أیضاً، ولا یقول به أحد؛ وذلک لأن اطلاع الباری عز وجل المنزه عن الشوائب النفسیة فی الإنسان غیر المعصوم لا یؤثر علی ذاته تعالی ولا علی المعلوم به من الناس، فلا قبح فی علمه تعالی، وبما أن الأئمة علیهم السلام حجج الله فی أرضه وخلائف الباری عز وجل، وهم المنزهون عن الشوائب والذنوب - کما ثبت فی محله - فلا یضرهم علمهم بما ذکر من القبیح، ولا یضر المعلوم به من الناس أیضاً.

قال العلامة المظفر قدس سره:«... بأنَّ العلم بالقبیح والمنکر والمستهجن لیس بقبیح ذاتاً، وإلا لکان علم العلاّم تعالی بالأُمور القبیحة قبیحاً، بل وخلقه لآلات التناسل قبیحاً، وللحیوانات النجسة العین - کالکلب والخنزیر - قبیحاً...» (2).

ثانیاً: لا نسلم بأن العلم بالشیء القبیح قبیح أیضاً، وإنما القبیح فی هذه الأمور أن یتجسس الإنسان علی ما یحصل من القبیح، وهذا أمر آخر قبیح لنفسه، لا لأنه تجسس علی القبیح، بل التجسس فی حد ذاته قبیح ومذموم عند العقل والشرع، وأما


1- المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ص92.
2- المصدر السابق.

ص: 219

إذا کان الإنسان عالماً بشیء من دون أن یتتبع الآخرین، کأن یسمعه الآخر کلاماً حول الأمر الذی یرید فعله أو یقوم بالقبیح أمام عینه، کشرب الخمر مثلا أو الزنا، فهذا لا یعد قبیحا، وإلا للزم إلغاء الشهادات علی هذه الأفعال القبیحة؛ إذ فی بعضها یتوقف علی المشاهدة والمعاینة.

وقد ذکر هذا الجواب العلامة المظفر قدس سره بقوله:«... نعم، إنّما یقبح تعلم القبیح، والاستعلام والتجسس عنه، وارتکابه؛ ومن ثم اشتبه هذا علی ذی الشبهة، فحسب أنّ العلم بالقبیح أیضاً قبیح...» (1).

ثالثاً: لو تنزلنا وقلنا: بأن العلم بهذ الأشیاء قبیح، فلنا أن نقول أیضاً: إن الأمر یتوقف علی الأولویات فی هذا الشیء، فإن کان النظر والعلم أهم من عدمه لحاجة اقتضت ذلک - کالشهادات وحل الخصومات بین الناس - فلا قبح فیه، وإلا فهو قبیح، وهنا توجد أولویة فی هذا الأمر، وهو أن حجة الله علی أرضه لا بد أن یکون عالماً بما یجری علی الناس - کما دلت علی ضرورته الأدلة العقلیة الکثیرة (2)_ وهذا أمر أهم من التحفظ من النظر أو العلم بالقبیح؛ فیقدم علیه.

الشبهة الثانیة عشر: لو کانوا یعلمون الموضوعات لما أمکن لهم معاشرة الناس ومعایشتهم 

اشارة

من بین الشبهات المذکورة أیضاً، هو ما سجله بعض العلماء فی کتابه، حیث قال: «إنّک علی خبر بما تقوم به السوق من الکذب والسرقة، وتقلب النقود المغصوبة


1- المصدر السابق.
2- أُنظُر: المصدر نفسه، ص23؛ حیث إنه قدس سره  أقام مجموعة من الأدلة العقلیة علی ضرورة کون علم الإمام حاضراً.

ص: 220

فیه بأیدی الناس، وبوجود النجاسة الواقعیة فی الناس، وبارتکابهم للمحرمات، ولو کانوا حاضری العلم لسد علیهم باب المعاش والمعاشرة، لمخالفة الظاهر للواقع، ولوجب علیهم ردع المرتکب للمحرمات فی السر والعلن، أو إقصاؤهم عنهم، ولا نجدهم کانوا علی هذا مع الناس فی المعاش والمعاشرة»(1).

الجواب عن هذه الشبهة

ونحن ننقل کلام العلامة المظفر نفسه فی مقام الإجابة، تارکین التعلیق علیه أو التوضیح؛ توخیاً للاختصار، ولعدم الحاجة.

قال قدس سره:«... أولاً: إنّ معاملتهم بالأمارات الظاهریة مع الناس لا یستلزم عدم علمهم بالواقع، إذ لا یجوز أن یکون تکلیفهم فی العمل علی الظاهر، وإن خالف ما علموه؛ لعدم إمکانهم أن یعملوا مع الناس بما علموا.

وثانیاً: بأنهم یعملون بما یعلمون، ومن الذی أعلمنا بأنَّهم لا یقدرون علی العمل بالواقع؟ ولِمَ کان باب المعاش والمعاشرة یسد علیهم، وهم بتلک القدرة التی منّ الله تعالی علیهم بها؟ نعم، لم تک معاملاتهم فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر مع الناس علی الواقع، لعدم قدرتهم علی تنفیذ الأحکام الإلهیة، سوی من کان یمتّ إلیهم بالولاء، فإنَّهم کانوا یردعونهم عن المنکرات، وإن علموها فی الخفاء، ومن سبر شیئاً من أحوال الأئمة علیهم السلام عرف هذا الأمر… ولو کانت معاملاتهم جاریة علی الظاهر دون العلم، لاتفق لهم الخطأ والسهو، ولانکشفت لهم المخالفة لأعمالهم، مع أنّه لم یتفق لهم ذلک طیلة أیامهم...» (2).


1- المصدر السابق، ص92.
2- المصدر نفسه.

ص: 221

هذا عمدة ما ذکر فی المقام من شبهات حول نظریة علم الإمام علیه السلام، بل لعل بعضها لم یتطرق له علماؤنا، إلا أن وجود التنافی المتوهم بینها وبین النظریة المختارة فی علم الإمام علیه السلام ألجأنا إلی الإجابة عنها ودفعها.

ثم إن هناک بعض الشبهات التی ذکرت - أو یمکن أن تذکر فی المقام - إلا أن وضوح فسادها أغنانا عن ذکرها، ومن أراد المزید من الاطلاع، فعلیه أن یرجع إلی مصادرها (1).


1- أُنظُر: المصدر نفسه، ص 89. وأیضاً: اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، ص137.

ص: 222 

ص: 223

الخاتمة

اتضح مما تقدم معنا فی الفصول المتقدمة أُمور عدة، ویمکن ذکرها ضمن النقاط التالیة:

1 - إن هناک نظریتین أساسیتین فی علم الإمام علیه السلام، وهما ما أطلقنا علیهما:

أولاً: النظریة الإطلاقیة، بمعنی: انکشاف أو حضور الأشیاء بماهیاتها أو بوجوداتها، عند مَن کانت له ریاسة عامة فی أمر الدین والدنیا، خلافةً عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، انکشافاً وحضوراً فعلیاً، وعدم توقُّفه علی شیء آخر من إرادة وغیرها.

ثانیاً: النظریة الإشائیة، بمعنی: توقف انکشاف أو حضور الأشیاء بماهیاتها أو بوجوداتها علی الإرادة، عند مَن کانت له ریاسة عامة فی أمر الدین والدنیا، خلافةً عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

کما ذکر بعض مَن کتب حول علم الإمام علیه السلام، أن المراد من الإشائیة هو: أن علمهم علیهم السلام متوقف علی مشیئة الله عز وجل، إن شاء أن یعلموا أعلمهم، وإن لم یشأ لا یجدون إلیه سبیلاً.

وقد ذکرنا أن هذا الوجه بعید جداً؛ ولذا لم یذکره أحد غیره. 

ص: 224

2 - تبیَّن لنا أن مشهور علماء الإمامیة قائلون بالنظریة الأُولی، کما دل علی ذلک صریح أکثرهم وظاهر بعضهم، بل ذکر بعض المحققین أن هذا الرأی اتفاقی بین علمائنا، وفی قبال ذلک ذهب جملة من علمائنا - خصوصا المتأخرون منهم - إلی النظریة الثانیة.

3 - قامت الأدلة الکثیرة والصریحة - من الکتاب والسنة - علی النظریة الأُولی؛ مما یقطع مَن طالعها بأن الحق مع المشهور من العلماء الذین تطرقوا لهذا الموضوع، کما أنه دلت علی النظریة الأخری جملة من الروایات، لم یصح منها إلا روایة واحدة.

4 - اتضح لنا أن هناک جملة من الثمرات المترتبة علی الخلاف بین النظریتین، والتی من أهمها:

أولاً: التخلص من بعض الشبهات المثارة علی علم الإمام علیه السلام، علی القول بأن علمهم علیهم السلام إشائی.

ثانیاً: تکون المسؤولیة الملقاة علی عاتق الإمام علیه السلام أوسع وأکبر، علی النظریة القائلة: بأن علمهم علیهم السلام مطلق وغیر متوقف علی المشیئة.

ثالثاً: یکون سکوتهم عن بعض ما یحدث فی زماننا إمضاءً من قبلهم علیهم السلام، بناء علی النظریة الإطلاقیة.

رابعاً: علی النظریة الأُولی یکون مقام الأئمة أعظم منه فی النظریة الإشائیة؛ حیث إنهم علیهم السلام یقدمون علی ما فیه القتل والأذی لهم، مع علمهم بأن ذلک سیجری علیهم، فیقدمون أنفسهم من أجل الدین.

إلی غیر ذلک من الثمرات التی ذکرت فی محلها.

5 - وجدت بعض الآراء النادرة والشاذة فی هذا الموضوع، وکان منها:

ص: 225

أ - إن الإمام علیه السلام لا یعلم بالموضوعات مطلقاً.

ب - إن الإمام علیه السلام لا یعلم بالموضوعات التی لا ارتباط لها بالأحکام الکلیة.

ج_ - إن الإمام علیه السلام لا علم له بالأحکام والموضوعات.

وقد ذکرنا ما یمکن أن یراد من الرأی الثالث، وأنه یرجع قول مَن ذکر ذلک إلی أحد الرأیین الأولین.

6 - اتضح لنا أن هناک عدة محاولات للتوفیق والجمع بین النظریة الإطلاقیة والنظریة الإشائیة، والتی من بینها:

أ - إن علمهم علیهم السلام فی مرحلة الثبوت والواقع هو مطلق، بمعنی أنه حاضر عندهم غیر متوقف علی أمر، فهو فعلی فی الحقیقة، وأن الروایات التی ذکرت أن علمهم علیهم السلام متوقف ومقید بالمشیئة، کانت ناظرة إلی عالم الإثبات والإبراز للناس فی الخارج، بحیث یظهر للناس أن علمهم علیهم السلام متوقف علی المشیئة.

ب - أن یکون الإمام علیه السلام فی مقام التقیة عندما تکلم حول العلم الإشائی؛ لأسباب دعتهم إلی ذلک، أما الأدلة التی أثبتت العلم المطلق وغیر المعلق علی شیء، فلم یکن مقتضی للتقیة.

ج_ - إن الروایات التی أثبتت العلم الحاضر والمطلق بالمعنی المتقدم ناظرة إلی العلوم الظلیة، أی: أن صور الأشیاء حاضرة عندهم علیهم السلام لا أعیانها، وأما ما ورد من أخبار تبین أن علمهم علیهم السلام متوقف علی المشیئة، فهی ناظرة إلی معرفتهم بأعیان الأشیاء.

د - ومن ضمن ما ذُکر فی مقام التوفیق، هو أن روایات النظریة الثانیة لا تصلح

ص: 226

لمعارضة أدلة النظریة الأُولی، لضعف سند أکثرها، فلم یصح منها إلا روایة واحدة، فی مقابل ذلک توجد أدلة کثیرة وصریحة علی النظریة الإطلاقیة، مما جعل بعض علمائنا أن یعرضوا النظریة الثانیة، والقول بالنظریة الأُولی.

وغیر ذلک من المحاولات الأخری.

7 - ذکرت مجموعة من الشبهات حول هذا الموضوع، وخصوصا علی النظریة الإطلاقیة، وکان منها:

أ - یلزم من القول بهذه النظریة، أن یکون المعصوم علیه السلام قد ألقی بنفسه إلی التهلکة؛ لما جری علیهم علیهم السلام من قتل وسم.

ب - یلزم من هذه النظریة عدم استحقاقهم للثواب والمدح علی ما قاموا به من أفعال، کمبیت أمیر المؤمنین علیه السلام، وقتاله فی المعارک والغزوات...

ج_ - إن هذه النظریة مخالفة لما صدر منهم علیهم السلام من أفعال، کما حصل للإمام الصادق علیه السلام عندما همَّ بضرب جاریته، فاختبأت منه فی إحدی الدور، فلم یجدها، وکذا الإمام الرضا علیه السلام حین أکل البیضة المقامر علیها، فلما علم بذلک تقیأ ما أکله.

د - إن القول بهذه النظریة ناجم عن الغلو الذی حاربه الإسلام.

إلی غیر ذلک من الشبهات التی ذکرناها فی الفصل الرابع.

وقد أجیب عن ذلک بأجوبة شافیة وکثیرة.

ص: 227

فهرست المصادر

* القرآن الکریم.

* نهج البلاغة، خطب الإمام علی علیه السلام، شرح: الشیخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر - قم - إیران، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1412 - 1370 ش.

1. ابن الأثیر، علی بن أبی الکرم، النهایة فی غریب الحدیث، تحقیق: طاهر أحمد الزاوی، محمود محمد الطناحی، الناشر: مؤسسة إسماعیلیان للطباعة والنشر والتوزیع - قم - إیران، الطبعة الرابعة 1364 ش.

2. ابن الغضائری، أحمد بن الحسین، رجال ابن الغضائری، تحقیق: السید محمد رضا الجلالی، الناشر: دار الحدیث، الطبعة الأُولی 1422 ه_.

3. ابن حنبل، أحمد بن حنبل، مسند أحمد، الناشر: دار صادر - بیروت - لبنان.

4. ابن خلدون، تاریخ ابن خلدون، الناشر: دار إحیاء التراث العربی - بیروت - لبنان، الطبعة: الرابعة.

5. ابن شهرآشوب، محمد بن علی، مناقب آل أبی طالب، نشر: المکتبة الحیدریة - النجف الأشرف، سنة الطبع: 1376 ه_.

6. ابن طاووس، علی بن موسی، إقبال الأعمال، تحقیق: جواد القیومی الأصفهانی، الناشر:

ص: 228

مکتب الإعلام الإسلامی، الطبعة الأُولی 1414 ه_.

7. ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاییس اللغة، تحقیق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: مکتبة الإعلام الإسلامی، 1404 ه_.

8. ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، الناشر: أدب الحوزة - قم - إیران، 1405ه_.

9. الآخوند، محمد کاظم، کفایة الأصول، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم المشرفة، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1409ه_.

10. الأردبیلی، محمد علی، جامع الرواة، الناشر: مکتبة المحمدی.

11. الأشتیانی، محمد حسن، بحر الفوائد فی شرح الفرائد، الناشر: مؤسسة التاریخ العربی، بیروت لبنان، الطبعة الأُولی 1429ه_.

12. الأشتیانی، محمد حسن، کتاب القضاء، الناشر: منشورات دار الهجرة، الطبعة الثانیة، إیران - قم، 1404 ه_.

13. الأصفهانی، الراغب، مفردات ألفاظ القرآن، الناشر: دار القلم، الطبعة الأُولی، 1416ه_.

14. الأصفهانی، محمد حسین، نهایة الدرایة، تحقیق: الشیخ مهدی أحدی أمیر کلائی، الناشر: انتشارات سید الشهداء علیه السلام - قم - إیران، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1374 ش.

15. الأمینی، عبد الحسین أحمد، الغدیر، الناشر: دار الکتاب العربی - بیروت – لبنان، الطبعة الرابعة 1397 ه_.

16. الأنصاری، مرتضی، فرائد الأصول، تحقیق: لجنة تحقیق تراث الشیخ الأعظم، الناشر: مجمع الفکر الإسلامی، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1419ه_.

ص: 229

17. الإیجی، عبد الرحمن، المواقف، تحقیق: عبد الرحمن عمیرة، الناشر: دار الجیل، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1417 - 1997م.

18. الإیروانی، علی بن عبد الحسین، نهایة النهایة، بدون تاریخ.

19. البحرانی، السید هاشم، مدینة المعاجز، تحقیق: الشیخ عزة الله المولائی الهمدانی، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة - قم - إیران، الطبعة الأُولی 1413 ه_.

20. البحرانی، علی، منار الهدی فی النص علی إمامة الاثنی عشر علیهم السلام، تحقیق: السید عبد الزهراء الخطیب، الناشر: دار المنتظر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت - لبنان، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1405 - 1985م.

21. البروجردی، علی أصغر، طرائف المقال، تحقیق: السید مهدی الرجائی، الناشر: مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی العامة - قم المقدسة، الطبعة الأُولی1410 ه_.

22. البروجردی، محمد تقی، نهایة الأفکار، تقریراً لبحث الشیخ ضیاء الدین العراقی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة - إیران.

23. البهبهانی، علی، الفوائد العلیة، الناشر: مکتبة دار العلم - أهواز، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1405 ه_.

24. التبریزی، المیرزا جواد، صراط النجاة، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1418 ه_.

25. الترمذی، محمد بن عیسی، سنن الترمذی، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت - لبنان، الطبعة الثانیة 1403 ه_.

26. الجلالی، محمد رضا، علم الأئمة بالغیب والاعتراض علیه بالإلقاء إلی التهلکة والإجابات عنه عبر التاریخ، مجلة تراثنا، العدد الرابع، السنة التاسعة، شوال وذو القعدة وذو الحجة، 1414 ه_.

ص: 230

27. الجواهری، محمد حسن، جواهر الکلام، تحقیق: الشیخ عباس القوچانی، الناشر: دار الکتب الإسلامیة - طهران، الطبعة الثانیة 1365 ش.

28. الجوهری، إسماعیل بن حماد، الصحاح، تحقیق: أحمد عبد الغفور العطار، الناشر: دار العلم للملایین - بیروت - لبنان، الطبعة الرابعة 1407 ه_.

29. الحائری، عبد الکریم، درر الفوائد، تحقیق: الشیخ محمد مؤمن القمی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة: الخامسة.

30. الحائری، محمد حسین، الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، الناشر: دار أحیاء العلوم الإسلامیة - قم - إیران، سنة الطبع: 1404 ه_.

31. الحر العاملی، محمد بن الحسن، الإیقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة، تحقیق: مشتاق المظفر، الناشر: دلیل ما - قم - إیران، الطبعة الأُولی 1422 ه_.

32. الحر العاملی، محمد بن الحسن، الفصول المهمة فی أصول الأئمة، تحقیق: محمد بن محمد الحسین القائینی، الناشر: مؤسسة معارف إسلامی إمام رضا علیه السلام، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1418 - 1376 ش.

33. الحر العاملی، محمد بن حسن، الفوائد الطوسیة، الطبعة الثانیة، سنة 1423 ه_

34. الحکیم، محمد تقی، الأصول العامة للفقه المقارن، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام للطباعة والنشر، الطبعة: الثانیة، 1979.

35. الحلی، الحسن بن علی، رجال ابن داوود، الناشر: منشورات مطبعة الحیدریة - النجف الأشرف، 1392 ه_.

36. الحلِّی، الحسن بن یوسف، النافع یوم الحشر فی الباب الحادی عشر، شرح: المقداد السیوری، الناشر: دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت - لبنان، الطبعة: الثانیة،

ص: 231

سنة الطبع: 1417 - 1996م.

37. الحلی، الحسن بن یوسف، کشف المراد فی شرح تجرید الاعتقاد، الناشر: مکتبة المصطفوی - قم.

38. الحلی، حسن بن سلیمان، المحتضر، المحقق: سید علی أشرف، الناشر: انتشارات المکتبة الحیدریة، سنة الطبع: 1382 - 1424 ه_.

39. حمّود، محمد جمیل، شبهة إلقاء المعصوم نفسه فی التهلکة ودحضها، الناشر: مرکز العترة للدراسات والبحوث، الطبعة الأُولی، 1424 ه_.

40. الخزاز القمی، علی بن محمد، کفایة الأثر، تحقیق: السید عبد اللطیف الحسینی الکوهکمری الخوئی، الناشر: انتشارات بیدار، 1401 ه_.

41. الخمینی، روح الله، الاجتهاد والتقلید، تحقیق: مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی، الناشر: مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی، الطبعة الأُولی، 1418 - 1376 ش.

42. الخمینی، روح الله، کتاب الطهارة، الناشر: مطبعة مهر - قم.

43. الخوئی، أبو القاسم، کتاب الخمس، سنة الطبع: 1364 ش.

44. الخوئی، أبو القاسم، کتاب النکاح، الناشر: منشورات مدرسة دار العلم.

45. الخوئی، أبو القاسم، مصباح الأصول، الناشر: مکتبة الداوری – قم، الطبعة: الخامسة، سنة الطبع: 1417ه_.

46. الخوئی، أبو القاسم، مصباح الفقاهة، بقلم محمد علی التوحیدی التبریزی، الناشر: مکتبة الداوری – قم، الطبعة: الأُولی.

47. الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث، الطبعة الخامسة، 1413 ه_.

48. دلشاد، رسالة تخرج ماجستیر (علم إمام) فارسی، (مدرسة الحجتیة)

ص: 232

49. الرازی، محمد تقی، هدایة المسترشدین، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

50. الراغب الأصفهانی، الحسین، مفردات غریب القرآن، الناشر: دفتر نشر الکتاب، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1404ه_.

51. الراوندی، قطب الدین، الخرائج والجرائح، تحقیق: مؤسسة الإمام المهدی علیه السلام، الموحد الأبطحی، الناشر: مؤسسة الإمام المهدی - قم المقدسة، الطبعة الأُولی 1409 ه_.

52. الروحانی، محمد صادق، فقه الصادق، الناشر: مؤسسة دار الکتاب – قم، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع: 1412ه_.

53. الزبیدی، محمد مرتضی، تاج العروس، تحقیق: علی شیری، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت، 1414 ه_.

54. الزرکلی، خیر الدین، الأعلام، الناشر: دار العلم للملایین - بیروت - لبنان، الطبعة الخامسة 1980م.

55. الزمخشری، جار الله، الکشاف عن حقائق التنزیل وعیون الأقاویل، الناشر: شرکة مکتبة مصطفی البابی الحلبی، 1385 ه_.

56. السبزواری، حسن، وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، تقریراً لبحث السید أبو الحسن الأصفهانی، تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1419ه_.

57. السند، محمد، فی رحاب الزیارة الجامعة الکبیرة، الناشر: باقیات، المطبعة وفا، الطبعة الأُولی، 1428 ه_.

58. السیوری، المقداد، نضد القواعد الفقهیة، تحقیق: السید عبد اللطیف

ص: 233

الکوهکمری، الناشر: مکتبة آیة الله العظمی المرعشی - قم، سنة الطبع: 1403ه_.

59. شمس الدین، محمد مهدی، دراسات فی نهج البلاغة، الناشر: دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت – لبنان، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1392 - 1972م.

60. الشیرازی، أحمد أمین، البلیغ فی المعانی والبیان والبدیع، الناشر: انتشارات فروغ قرآن، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1422ه_.

61. الشیرازی، صدر الدین، الحکمة المتعالیة فی الأسفار العقلیة الأربعة، الناشر: دار إحیاء التراث العربی - بیروت - لبنان، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع: 1981م.

62. الشیرازی، ناصر مکارم، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، الناشر: دار إحیاء التراث العربی،الطبعة الأولی، 1423 ه_.

63. الصافی، لطف الله، لمحات، الناشر: قسم الدراسات الإسلامیة - مؤسسة البعثة.

64. الصافی، لطف الله، مجموعة الرسائل، بدون تاریخ.

65. الصدوق، محمد بن علی، الأمالی، الناشر: مرکز الطباعة والنشر فی مؤسسة البعثة، الطبعة الأُولی 1417 ه_.

66. الصدوق، محمد بن علی، التوحید، تحقیق: السید هاشم الحسینی الطهرانی، الناشر: منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة.

67. الصدوق، محمد بن علی، الخصال، تحقیق: علی أکبر الغفاری، الناشر: منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة، سنة الطبع: 1403 - 1362 ش.

68. الصدوق، محمد بن علی، کمال الدین وتمام النعمة، تحقیق: علی أکبر الغفاری، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، سنة الطبع: 1405 - 1363 ش.

ص: 234

69. الصدوق، محمد بن علی، من لا یحضره الفقیه، تحقیق: علی أکبر الغفاری، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة: الثانیة.

70. الصغیر، جلال الدین، الولایة التکوینیة الحق الطبیعی للمعصوم، الناشر: دار الأعراف للدراسات – بیروت، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1419 - 1998 م.

71. الصغیر، جلال الدین، مَن عنده علم الکتاب، الناشر: دار الأعراف للدراسات - بیروت.

72. الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، الناشر: منشورات الأعلمی - طهران، 1404 ه_.

73. الطباطبائی، محمد حسین، بدایة الحکمة، الناشر: جماعة المدرسین، الطبعة الواحدة والعشرون، 1424 ه_.

74. الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، الناشر جماعة المدرسین، بدون تاریخ.

75. الطباطبائی، محمد حسین، نهایة الحکمة، الناشر: جماعة المدرسین، الطبعة السادسة عشر، 1422 ه_.

76. الطبرانی، سلیمان، المعجم الکبیر، الناشر: دار إحیاء التراث العربی، الطبعة الثانیة.

77. الطبرسی، الفضل بن الحسن، إعلام الوری بأعلام الهدی، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الأُولی 1417 ه_.

78. الطبرسی، الفضل بن الحسن، الاحتجاج، نشر: دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف، 1386 ه_.

79. الطبرسی، الفضل بن الحسن، مجمع البیان، تحقیق: لجنة من العلماء والمحققین الأخصائیین، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت - لبنان، الطبعة: الأُولی، 1415ه_.

ص: 235

80. الطبری، محمد بن جریر، جامع البیان، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت - لبنان، سنة الطبع: 1415 - 1995م.

81. الطبری، محمد بن جریر، نوادر المعجزات، تحقیق: مؤسسة الإمام المهدی علیه السلام، الناشر: مؤسسة الإمام المهدی علیه السلام - قم المقدسة، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1410 ه_.

82. الطریحی، فخر الدین، مجمع البحرین، تحقیق: السید أحمد الحسینی، الناشر: مکتب النشر الثقافة الإسلامیة، الطبعة الثانیة 1408 ه_.

83. الطوسی، ابن حمزة، الثاقب فی المناقب، تحقیق: نبیل رضا علوان، الناشر: مؤسسة أنصاریان للطباعة والنشر - قم المقدسة، الطبعة الثانیة 1412 ه_.

84. الطوسی، محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (المعروف برجال الکشی)، تحقیق: السید مهدی الرجائی، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، 1404 ه_.

85. الطوسی، محمد بن الحسن، الاقتصاد، الناشر: منشورات مکتبة جامع جهلستون - طهران، 1400 ه_.

86. الطوسی، محمد بن الحسن، التبیان، تحقیق: أحمد حبیب قصیر العاملی، الناشر: مکتب الإعلام الإسلامی، الطبعة الأُولی 1409 ه_.

87. الطوسی، محمد بن الحسن، الرسائل العشر، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة - إیران.

88. الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست، تحقیق: الشیخ جواد القیومی، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، الطبعة الأُولی 1417ه_.

89. الطوسی، محمد بن الحسن، تهذیب الأحکام، الناشر: دار الکتب الإسلامیة - طهران، الطبعة الثالثة 1364 ش.

ص: 236

90. الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی، تحقیق: جواد القیومی الأصفهانی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1415 ه_.

91. عاشور، علی، حقیقة علم آل محمد علیهم السلام وجهاته، بدون تاریخ.

92. العاملی، محمد بن جمال الدین، شرح اللمعة (تعلیقة علی الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة)، تحقیق: السید محمد کلانتر، الناشر: منشورات جامعة النجف الدینیة، الطبعة: الأُولی - الثانیة، سنة الطبع: 1386 - 1398.

93. العبادی، علی حمود، علم الإمام حقیقته وحدوده (تقریرا لأبحاث السید کمال الحیدری)، الناشر: مؤسسة التاریخ العربی، الطبعة الأُولی، 1430 ه_.

94. العسکری، أبو هلال، الفروق اللغویة، تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1412ه_.

95. العلامة الحلی، الحسن بن یوسف، مختلف الشیعة، تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1413 ه_.

96. العلامة، الحسن بن یوسف، خلاصة الأقوال، تحقیق: الشیخ جواد القیومی، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، الطبعة الأُولی 1417 ه_.

97. علی بن جعفر، مسائل علی بن جعفر، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم المشرفة، الناشر: المؤتمر العالمی للإمام الرضا علیه السلام - مشهد المقدسة، الطبعة: الأُولی 1409 ه_.

ص: 237

98. العمیدی، ثامر، دور الشیخ الطوسی فی علوم الشریعة الإسلامیة، مجلة تراثنا، العددان: الثالث والرابع، السنة الخامسة عشرة، رجب - ذو الحجة 1420 ه_.

99. الغزالی، محمد بن محمد، المستصفی، الناشر: دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان، سنة الطبع: 1417 - 1996م.

100. غفاری، علی أکبر، دراسات فی علم الدرایة، تحقیق: تحقیق وتلخیص: علی أکبر الغفاری، الناشر: جامعة الإمام الصادق علیه السلام، الطبعة: الأولی، سنة الطبع: 1369 ش.

101. فتح الله، أحمد، معجم ألفاظ الفقه الجعفری، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1415 – 1995م.

102. الفخر الرازی، فخر الدین،التفسیر الکبیر، الناشر: دار الفکر، بیروت، الطبعة: الثالثة.

103. الفراهیدی، الخلیل بن أحمد، کتاب العین، تحقیق: الدکتور مهدی المخزومی، الدکتور إبراهیم السامرائی، الناشر: مؤسسة دار الهجرة، الطبعة الثانیة 1409 ه_.

104. الفیاض، محمد إسحاق، محاضرات فی أصول الفقه (تقریراً لأبحاث السید الخوئی)، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1419 ه_.

105. الفیروز آبادی، محمد، القاموس المحیط، الناشر:مؤسسة الرسالة، بیروت.

106. فیض، علی رضا، عرف عقلا، بحث منشور فی مجلة برهان وعرفان، دانشکاه آزاد أسلامی، واحد علوم وتحقیقات طهران، مکتبة مجلات المدرسة الحجتیة.

107. القاضی(شهید المحراب)، محمد علی، مقدمة بر کتاب علم إمام، الناشر: نور فاطمة، الطبعة الأُولی، 1363 ش.

108. القمی، أبو القاسم، قوانین الأصول، نسخة حجریة.

109. القمی، شاذان بن جبرئیل، الفضائل، الناشر: منشورات المطبعة الحیدریة ومکتبتها -

ص: 238

النجف الأشرف، سنة الطبع: 1381 - 1962م.

110. القمی، علی بن إبراهیم، تفسیر القمی، الناشر: مؤسسة دار الکتاب للطباعة والنشر - قم - إیران، الطبعة الثالثة 1404 ه_.

111. الکجوری، محمد باقر، الخصائص الفاطمیة، المترجم: السید علی جمال أشرف، الناشر: انتشارات الشریف الرضی، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1380.

112. الکلباسی، محمد بن محمد، الرسائل الرجالیة، تحقیق: محمد حسین الدرایتی، الناشر: دار الحدیث، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1422 - 1380ش.

113. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، الناشر: دار الکتب الإسلامیة - طهران، الطبعة الخامسة، 1363 ش.

114. الکوفی، أحمد بن أعثم، کتاب الفتوح، تحقیق: علی شیری، الناشر: دار الأضواء، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1411ه_.

115. کلبانی، علی جبار، عرف أز دیدکاه إمام، مجلة حضور، مکتبة مجلات المدرسة الحجتیة.

116. الکلبایکانی، محمد رضا، کتاب القضاء، سنة الطبع: 1401 ه_.

117. اللاری، عبد الحسین، المعارف السلمانیة، تحقیق محمد جمیل حمود، الناشر: مرکز جواد، الطبعة الأُلی، 1414 ه_.

118. المازندرانی، محمد صالح، شرح أصول الکافی، تعلیقات: المیرزا أبو الحسن الشعرانی، الناشر: دار إحیاء التراث العربی للطباعة - بیروت - لبنان، الطبعة الأُولی 1421ه_.

119. مجاهد، تفسیر مجاهد، تحقیق: عبد الرحمن الطاهر بن محمد السورتی - مجمع البحوث الإسلامیة - إسلام آباد.

ص: 239

120. المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، الناشر: مؤسسة الوفاء - بیروت - لبنان، الطبعة الثانیة 1403 ه_.

121. المحقِّق الحلی، جعفر، المسلک فی أصول الدین، تحقیق: رضا الأستادی، الناشر: مجمع البحوث الإسلامیة - مشهد - إیران، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1421 - 1379 ش.

122. المرتضی، علی بن الحسین، الانتصار، تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، سنة الطبع: 1415 ه_.

123. المرتضی، علی بن الحسین، رسائل المرتضی، الناشر: دار القرآن الکریم - قم، سنة الطبع: 1405 ه_.

124. المشهدی، محمد بن جعفر، المزار، تحقیق: جواد القیومی الأصفهانی، الناشر: نشر القیوم - قم - إیران، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1419ه_.

125. المظفر، محمد حسین، علم الإمام، الناشر: دار الزهراء - بیروت - لبنان، الطبعة الثانیة 1402 ه - 1982م.

126. المظفر، محمد رضا، المنطق، الناشر: إسماعیلیان، الطبعة التاسعة، 1421 ه_.

127. المظفر، محمد رضا، عقائد الإمامیة، الناشر: ستارة، مؤسسة الإمام علی، الطبعة الأُولی، 1417 ه_.

128. مغنیة، محمد جواد، الشیعة فی المیزان، الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بیروت - لبنان، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1399 - 1979م.

129. المفید، محمد بن محمد، الاختصاص، تحقیق: علی أکبر الغفاری، السید محمود الزرندی، الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت - لبنان، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1414 - 1993م.

ص: 240

130. المفید، محمد بن محمد، الإرشاد، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لتحقیق التراث، الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت - لبنان، الطبعة الثانیة1414 ه_.

131. المفید، محمد بن محمد، المسائل العکبریة، تحقیق: علی أکبر الإلهی الخراسانی، الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت - لبنان، الطبعة: الثانیة، سنة الطبع: 1414 - 1993م.

132. المفید، محمد بن محمد، أوائل المقالات، تحقیق: الشیخ إبراهیم الأنصاری، الناشر: دار المفید للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت - لبنان، الطبعة الثانیة 1414 ه_.

133. المقرَّم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسین علیه السلام، الناشر: دار الکتاب الإسلامی بیروت - لبنان، الطبعة الخامسة 1399ه_ 1979م.

134. المیلانی، علی، آیة التطهیر، الناشر: مرکز الأبحاث العقائدیة - قم - إیران، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1421ه_.

135. النجاشی، أحمد بن علی، رجال النجاشی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة الخامسة، سنة الطبع: 1416ه_.

136. النعمان، أبو حنیفة، دعائم الإسلام، تحقیق: آصف بن علی أصغر فیضی، الناشر: دار المعارف - القاهرة، 1383 ه_.

137. النعمان، أبو حنیفة، شرح الأخبار، تحقیق: السید محمد الحسینی الجلالی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، الطبعة الثانیة 1414 ه_.

138. النمازی الشاهرودی، علی، مستدرک سفینة البحار، تحقیق: الشیخ حسن بن علی النمازی، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، سنة الطبع: 1418 ه_.

ص: 241

139. النوری، حسین، خاتمة المستدرک، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم - إیران، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1415ه_.

140. النوری، حسین، مستدرک الوسائل، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: 1408 - 1987م.

141. النیسابوری، الحاکم، المستدرک علی الصحیحین، تحقیق: إشراف: یوسف عبد الرحمن المرعشلی.

142. النیسابوری، الفتال، روضة الواعظین، الناشر: منشورات الشریف الرضی – قم.

143. الهاشمی، هاشم، نظرة فی منهج المعرفة العقائدیة، مجلة صوت الإسلام، العدد الأول، السنة الأُولی، محرم الحرام 1420 ه_.

144. الوحید البهبهانی، محمد باقر، الرسائل الفقهیة، تحقیق: مؤسسة العلامة المجدد الوحید البهبهانی، الناشر: منشورات مؤسسة العلامة المجدد الوحید البهبهانی، الطبعة: الأُولی، سنة الطبع: محرم الحرام 1419ه_.

ص: 242

ص: 243

المحتویات

الإهداء.

خلاصة البحث....

المقدمة.

النقطة الأُُولی: بیان المسالة محل البحث....

النقطة الثانیة: أهمیة وضرورة البحث....

النقطة الثالثة: أهداف البحث....

النقطة الرابعة: سابقة البحث....

النقطة الخامسة: منهج البحث....

النقطة السادسة: الجنبة الجدیدة فی البحث....

النقطة السابعة: عقبات أمام البحث....

النقطة الثامنة: مخطط البحث....

الفصل الأول: بحوث تمهیدیة

المبحث الأول: فی شرح مفردات العنوان..

تمهید..

أولاً: العلم لغةً واصطلاحاً.

أ - العلم لغةً.

ص: 244

ب - العلم اصطلاحاً

أقسام العلم..

المراد من العلم فی المقام.

ثانیاً: الإمام لغةً واصطلاحاً.

أ - الإمام لغةً.

ب - الإمام اصطلاحاً

الإمامة فی القرآن..

الإمامة فی الروایات...

الإمامة فی الکتب الفقهیة.

الإمامة عند المتکلمین الشیعة.

الإمامة عند علماء السنة.

المراد من الإمام فی مقامنا

ثالثاً: الإطلاقیة لغةً واصطلاحاً.

أ - الإطلاقیة لغةً.

ب - الإطلاقیة اصطلاحاً

الإطلاق فی الکتب الأصولیة.

المراد من الإطلاقیة فی بحثنا

رابعاً: الإشائیة لغةً واصطلاحاً.

أ - الإشائیة لغةً.

ب - الإشائیة اصطلاحاً

مفردة الإشاءة فی القرآن..

مفردة الإشاءة فی الروایات...

المراد من المشیئة فی بحثنا

المعنی الترکیبی للعنوان..

المبحث الثانی: الفرق بین علم الإمام علیه السلام وبین علم الله عَزَّ وجلَّ..

المبحث الثالث: التطوُّر والسیر التاریخی لهذه المسألة.

تنبیه: فی الاحتمالات المتصوَّرة فی سبب تأخُّر السؤال عن هذه المسألة إلی القرن الثانی...

المبحث الرابع: حدود العلم المطلق والإشائی الذی نبحث عنه.

ص: 245

المبحث الخامس: اختلاف العلماء فی دائرة وجوب الاعتقاد بهذه المسألة.

الرأی الأول: ترتب القول بالوجوب وعدمه علی النظر فی دلیل الإمامة.

الرأی الثانی: التفصیل بین أهل العلم من الناس وعامتهم..

الرأی الثالث: وجوب المعرفة التفصیلیة علی جمیع الناس....

تنبیهات....

الأمر الأول: ما نستفیده من مجموع الأقوال..

الأمر الثانی: فی حقیقة هذا الوجوب وماهیته.

الأمر الثالث: فی الدلیل الذی یکفی فی إثبات هذه المسألة.

الضابطة الأُولی: من خلال معرفة الدلیل الذی دل علی وجوبها

الضابطة الثانیة: من خلال معنی وحقیقة المسألة

الضابطة الثالثة: أن نستکشف المرتبة التی تقع فیها المسألة الاعتقادیة

الفصل الثانی 

النظریة الإطلاقیة روادها وأدلتها من القرآن والسُّنَّة

المبحث الأول: عبائر العلماء الذین صرَّحوا بأن علمهم علیهم السلام مطلق

أولاً: ابن جریر الطبری (المتوفی فی القرن الرابع ه_)

ثانیاً: الشیخ المفید (م 413 ه_)

ثالثاً: المولی محمد صالح المازندرانی (م 1081ه_)

رابعاً: العلاَّمة المجلسی (م 1111 ه_)

خامساً: المحدِّث النوری (م 1320 ه_)

سادساً: السید عبد الحسین اللاری (م 1342 ه_)

سابعاً: العلاَّمة محمد حسین المظفر (م 1381 ه_)

ثامناً: السید عبد الرزاق المقرَّم (م 1391 ه_)

ص: 246

تاسعاً: العلاَّمة الأمینی (م 1392 ه_)

عاشراً: المیرزا أبو الحسن الشعرانی (م 1393 ه_)

الحادی عشر: السید محمد علی القاضی (م 1399 ه_)

الثانی عشر: الشیخ النمازی الشاهرودی (م 1405 ه_)

الثالث عشر: السید هاشم الحسینی الطهرانی (م 1411 ه_)

الرابع عشر: الشیخ لطف الله الصافی

الخامس عشر: المحقِّق محمد جمیل حمُّود

السادس عشر: السید کمال الحیدری

السابع عشر: العلامة السید محمد رضا الجلالی

المبحث الثانی: فی الأدلة التی ذُکرِت علی رأیهم

تمهید

الجواب عن السؤال الرئیسی

الأدلة القرآنیة

مناقشة هذا الدلیل

رد هذه المناقشة

الدلیل الثانی: آیة الشهداء یوم القیامة

مناقشة الدلیل

الدلیل الثالث

مناقشة الدلیل

الدلیل الرابع

مناقشة الدلیل

جواب الإشکال

الاستدلال بالآیة بطریقة أُخری

الدلیل الخامس

الدلیل السادس

ص: 247

الدلیل السابع

الاستدلال بالآیة

الدلیل الثامن

خلاصة الاستدلال بالآیات القرآنیة

الأدلة الروائیة

الطائفة الأُولی

دلالة هذه الطائفة من الأخبار

الطائفة الثانیة

دلالة أحادیث هذه الطائفة

الطائفة الثالثة

دلالة أحادیث هذه الطائفة

الطائفة الرابعة

دلالة الروایات فی هذه الطائفة

الطائفة الخامسة

دلالة الروایات فی هذه الطائفة

الطائفة السادسة

دلالة هذه الطائفة من الأخبار

الطائفة السابعة

دلالة هذه الطائفة من الأخبار

الطائفة الثامنة

دلالة هذه الطائفة من الأخبار

الطائفة التاسعة

دلالة الروایة

الطائفة العاشرة

دلالة هذه الطائفة

الطائفة الحادیة عشر

دلالة هذه الطائفة

الطائفة الثانیة عشر

دلالة هذه الطائفة

خلاصة الاستدلال بالروایات

ص: 248

الفصل الثالث

النظریة الإشائیة روَّادها وأدلتها من الکتاب والسنة

تمهید

الاتجاه الأول: أن علمهم علیهم السلام متوقف علی مشیئة الله تعالی

أدلة الاتجاه الأول

الطائفة الأُولی

النتیجة

مناقشة هذه الطائفة

الطائفة الثانیة

وجه الاستدلال

مناقشة هذا الدلیل

دلالة هذه الطائفة

مناقشة الروایات

خلاصة الکلام عن الاتجاه الأول

الاتجاه الثانی: أن علمهم متوقف علی مشیئتهم علیهم السلام

عبائر العلماء الذین اختاروا هذا الاتجاه

أولاً: الحر العاملی (م1104 ه_)

ثانیا: العلامة الأشتیانی (م1319 ه_)

ثالثاً: العلاَّمة محمد رضا المظفر (1388)

رابعاً: السید عبد اللطیف الکوهکمری

خامساً: السید الکلبایکانی

سادساً: السید محمد کلانتر

أدلة الاتجاه الثانی

دلالة هذه الطائفة من الروایات

سند روایات الاتجاه الثانی

ص: 249

سند الروایة الأُولی

سند الروایة الثانیة

سند الروایة الثالثة

سند الروایة الرابعة

خلاصة الکلام عن الاتجاه الثانی

تنبیه: فی الثمرة المترتبة علی القول بعلمهم المطلق والإشائی

تذنیب: فی بعض الآراء الشاذة

الرأی الأول: عدم علمهم بما کان وما یکون من الموضوعات دون الأحکام

القول الأول: إن الإمام لا یعلم فی الموضوعات مطلقاً

القول الثانی: إن الإمام علیه السلام لا یعلم بالموضوعات التی لا ترتبط بالأحکام الکلیة فقط

الرأی الآخر: عدم علمهم علیهم السلام بالأحکام والموضوعات معا

1 - الشیخ محمد جواد مغنیة

2 - الشیخ المفید قدس سره

3 - الشیخ الصدوق رحمه الله

الفصل الرابع

التوفیق بین أدلة العلم المطلق والإشائی والإجابة عن الشبهات

المقام الأول: التوفیق بین أدلة العلم المطلق والإشائی

المحاولة الأُولی

المحاولة الثانیة

المحاولة الثالثة

مناقشة المحاولة الثالثة

المحاولة الرابعة

مناقشة المحاولة الرابعة

المحاولة الخامسة

المحاولة السادسة

ص: 250

المقام الثانی: فی الإجابة علی الشبهات

الشبهة الأُولی: لو کان علم الأئمة علیهم السلام مطلقا للزم منه إلقاؤهم أنفسهم فی التهلکة

الجواب عن هذه الشبهة

الشبهة الثانیة: إن القول بالعلم الفعلی للأئمة یلزم منه عدم استحقاقهم المدح علی مآثرهم وقتالهم فی المعارک

الجواب عن هذه الشبهة

الشبهة الثالثة: إن القول بالعلم المطلق یلزم منه التنافی مع بعض الأفعال التی صدرت من الأئمة علیهم السلام

الجواب عن هذه الشبهة

الشبهة الرابعة: هناک آیات صرحت بعدم علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم

الجواب عن هذه الشبهة

الشبهة الخامسة: لو کان علم النبی والأئمة حاضراً للزم لغویة نزول الوحی

الجواب عن هذه الشبهة

الشبهة السادسة

الجواب عن هذه الشبهة

الشبهة السابعة

الجواب عن هذه الشبهة

الشبهة الثامنة

الجواب عن هذه الشبهة

الشبهة التاسعة: أن أجساد الأئمة علیهم السلام بل کل شیء منهم محدود ومتناهی والعلم غیر متناهی

الجواب عن هذه الشبهة

الشبهة العاشرة: إن هذا الرأی إنما نتج عن الغلو بهم

الجواب عن هذه الشبهة

ص: 251

الشبهة الحادیة عشر: إن العلم الفعلی یلزم منه لازم قبیح وهو العلم بالموضوعات القبیحة

الجواب عن هذه الشبهة

الشبهة الثانیة عشر: لو کانوا یعلمون الموضوعات لما أمکن لهم معاشرة الناس ومعایشتهم

الجواب عن هذه الشبهة

الخاتمة

فهرست المصادر

ص: 252

ص: 253

إصدارات قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة

تألیف

اسم الکتاب

ت

السید محمد مهدی الخرسان

السجود علی التربة الحسینیة

1

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الانکلیزیة

2

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الأردو

3

الشیخ علی الفتلاوی

النوران ___ الزهراء والحوراء علیهما السلام __ الطبعة الأولی

4

الشیخ علی الفتلاوی

هذه عقیدتی __ الطبعة الأولی

5

الشیخ علی الفتلاوی

الإمام الحسین علیه السلام فی وجدان الفرد العراقی

6

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان

7

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء

8

الشیخ وسام البلداوی

إبکِ فإنک علی حق

9

الشیخ وسام البلداوی

المجاب بردّ السلام

10

السید نبیل الحسنی

ثقافة العیدیة

11

السید عبدالله شبر

الأخلاق (تحقیق: شعبة التحقیق) جزئین

12

الشیخ جمیل الربیعی

الزیارة تعهد والتزام ودعاء فی مشاهد المطهرین

13

لبیب السعدی

من هو؟

14

السید نبیل الحسنی

الیحموم، أهو من خیل رسول الله أم خیل جبرائیل

15

الشیخ علی الفتلاوی

المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام

16

ص: 254

السید نبیل الحسنی

أبو طالب علیه السلام ثالث من أسلم

17

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق)

18

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الصغری

19

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الکبری

20

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ثلاثة أجزاء

21__23

الشیخ وسام البلداوی

القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام

24

السید محمد علی الحلو

الولایتان التکوینیة والتشریعیة عند الشیعة وأهل السنة

25

الشیخ حسن الشمری

قبس من نور الإمام الحسین علیه السلام

26

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة

27

السید نبیل الحسنی

موجز علم السیرة النبویة

28

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء والحوار والمناظرة

29

علاء محمدجواد الأعسم

التعریف بمهنة الفهرسة والتصنیف وفق النظام العالمی (LC)

30

السید نبیل الحسنی

الأنثروبولوجیا الاجتماعیة الثقافیة لمجتمع الکوفة عند الإمام الحسین علیه السلام

31

السید نبیل الحسنی

الشیعة والسیرة النبویة بین التدوین والاضطهاد (دراسة)

32

الدکتور عبدالکاظم الیاسری

الخطاب الحسینی فی معرکة الطف ___ دراسة لغویة وتحلیل

33

الشیخ وسام البلداوی

رسالتان فی الإمام المهدی

34

الشیخ وسام البلداوی

السفارة فی الغیبة الکبری

35

السید نبیل الحسنی

حرکة التاریخ وسننه عند علی وفاطمة علیهما السلام (دراسة)

36

السید نبیل الحسنی

دعاء الإمام الحسین علیه السلام فی یوم عاشوراء __ بین النظریة العلمیة والأثر الغیبی (دراسة) من جزئین

37

الشیخ علی الفتلاوی

النوران الزهراء والحوراء علیهما السلام ___ الطبعة الثانیة

38

شعبة التحقیق

زهیر بن القین

39

السید محمد علی الحلو

تفسیر الإمام الحسین علیه السلام

40

الأستاذ عباس الشیبانی

منهل الظمآن فی أحکام تلاوة القرآن

41

السید عبد الرضا الشهرستانی

السجود علی التربة الحسینیة

42

السید علی القصیر

حیاة حبیب بن مظاهر الأسدی

43

ص: 255

الشیخ علی الکورانی العاملی

الإمام الکاظم سید بغداد وحامیها وشفیعها

44

جمع وتحقیق: باسم الساعدی

السقیفة وفدک، تصنیف: أبی بکر الجوهری

45

نظم وشرح:  حسین النصار

موسوعة الألوف فی نظم تاریخ الطفوف __ ثلاثة أجزاء

46

السید محمدعلی الحلو

الظاهرة الحسینیة

47

السید عبدالکریم القزوینی

الوثائق الرسمیة لثورة الإمام الحسین علیه السلام

48

السید محمدعلی الحلو

الأصول التمهیدیة فی المعارف المهدویة

49

الباحثة الاجتماعیة کفاح الحداد

نساء الطفوف

50

الشیخ محمد السند

الشعائر الحسینیة بین الأصالة والتجدید

51

السید نبیل الحسنی

خدیجة بنت خویلد أُمّة جُمعت فی امرأة – 4 مجلد

52

الشیخ علی الفتلاوی

السبط الشهید – البُعد العقائدی والأخلاقی فی خطب الإمام الحسین علیه السلام

53

السید عبدالستار الجابری

تاریخ الشیعة السیاسی

54

السید مصطفی الخاتمی

إذا شئت النجاة فزر حسیناً

55

عبدالسادة محمد حداد

مقالات فی الإمام الحسین علیه السلام

56

الدکتور عدی علی الحجّار

الأسس المنهجیة فی تفسیر النص القرآنی

57

الشیخ وسام البلداوی

فضائل أهل البیت علیهم السلام بین تحریف المدونین وتناقض مناهج المحدثین

58

حسن المظفر

نصرة المظلوم

59

السید نبیل الحسنی

موجز السیرة النبویة – طبعة ثانیة، مزیدة ومنقحة

60

الشیخ وسام البلداوی

ابکِ فانک علی حق – طبعة ثانیة

61

السید نبیل الحسنی

أبو طالب ثالث من أسلم – طبعة ثانیة، منقحة

62

السید نبیل الحسنی

ثقافة العید والعیدیة – طبعة ثالثة

63

الشیخ یاسرالصالحی

نفحات الهدایة – مستبصرون ببرکة الإمام الحسین علیه السلام

64

السید نبیل الحسنی

تکسیر الأصنام – بین تصریح النبی صلی الله علیه وآله وسلم وتعتیم البخاری

65

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء – طبعة ثانیة

66

محمد جواد مالک

شیعة العراق وبناء الوطن

67

ص: 256

حسین النصراوی

الملائکة فی التراث الإسلامی

68

عبد الوهاب الأسترآبادی

شرح الفصول النصیریة – تحقیق: شعبة التحقیق

69

الشیخ محمد التنکابنی

صلاة الجمعة– تحقیق: الشیخ محمد الباقری

70

د. علی کاظم مصلاوی

الطفیات – المقولة والإجراء النقدی

71

الشیخ محمد حسین الیوسفی

أسرار فضائل فاطمة الزهراء علیها السلام

72

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء – طبعة ثانیة

73

السید نبیل الحسنی

سبایا آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم

74

السید نبیل الحسنی

الیحموم، -طبعة ثانیة، منقحة

75

السید نبیل الحسنی

المولود فی بیت الله الحرام: علی بن أبی طالب علیه السلام أم حکیم بن حزام؟

76

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة – طبعة ثانیة

77

السید نبیل الحسنی

ما أخفاه الرواة من لیلة المبیت علی فراش النبی صلی الله علیه وآله وسلم

78

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.